يصعب حصر سلبيات اتفاق تطبيع العلاقات والاعتراف المتبادل بين الإمارات العربية المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، الموقع قبل نحو عامين والمعروف باتفاق "أبراهام"، بل يصح اعتباره أسوأ من اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية 1979، واتفاق وادي عربة 1994.
بسبب بعد الإمارات الجغرافي عن الصراع، من ناحية الحدود غير المشتركة وعدم احتلال أراضيها، كذلك عدم مشاركتها في المواجهات العسكرية السابقة مع الاحتلال، تنتفي الحاجة إلى اتفاق سلام بين الجانبين تحت ذريعة استعادة الأراضي المحتلة، أو بغرض تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.
من ناحية سياسية وقانونية؛ نجد استناد الاتفاقيات السابقة لاتفاق أبراهام إلى نصوص من القانون الدولي، مثل قراري مجلس الأمن 242 و338؛ حتى لو كان ذلك شكلياً بهدف الاستهلاك المحلي والإعلامي فقط، في حين تتبنى ديباجة وبنود اتفاق "أبراهام" الرواية الصهيونية الكاملة، التي تحاول استخدام الديانة اليهودية؛ هي بالأساس جزء من الديانات والثقافة الفلسطينية، في بناء قومية دينية، وتحول الصراع إلى صراع ديني، بهدف حرفه عن جوهره الأساسي، الناتج عن احتلال استيطاني إحلالي.
تنص ديباجة اتفاق أبراهام على "اعترافًا بأنّ الشعبين العربي واليهودي ينحدران من سلف مشترك، إبراهيم"، كذلك في بند الاتفاقية السادس نجد " يتعهد الطرفان بتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام والتعايش وثقافة السلام بين مجتمعيهما بروح سلفهم المشترك، إبراهيم".
لم تكتف الإمارات بتوقيع اتفاق لا لزوم له، بل عدلت حزمة من قوانينها؛ قبل الاتفاق وبعده، من أجل ضمان تنفيذ الاتفاق وعدم تعارضه مع قوانينها، في حين تعارض الاتفاق مع المادة 12 من دستورها "تستهدف سياسة الاتحاد الخارجية نصرة القضايا والمصالح العربية والإسلامية".
لا يعتزم الاحتلال تغيير أي من قوانينه وتوجهاته إرضاء للإمارات
في 29 أغسطس/آب 2020، ألغت الإمارات قانون مقاطعة إسرائيل الاتحادي، الذي يعود للعام 1972، القاضي بمقاطعة إسرائيل ومنع أي اتفاقيات أو تعاون معها، على جميع الأصعدة والمستويات الفردية والمؤسساتية بما فيها مؤسسات الدولة. بموجب هذا الإلغاء سُمِحَ بدخول وتبادل وحيازة البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بكافة أنواعها، وتمكن الإماراتيون؛ دولةً وشعباً، من عقد اتفاقيات مع الإسرائيليين على جميع الأصعدة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2021؛ أقرت الإمارات حزمة تعديلات قانونية شملت أكثر من 40 قانونا، هدفت؛ وفق الإعلام الإماراتي الرسمي، إلى "تعزيز البيئة الاقتصادية والبنية الاستثمارية والتجارية في الدولة، بالإضافة إلى دعم أمن واستقرار المجتمع، وحفظ حقوق الأفراد والمؤسسات على حد سواء، في حزمة متكاملة من القوانين وتعديلاتها تواكب نهضة وتطلعات الدولة".
لكن بنية التعديلات وتوقيتها يكشفان حقيقتها الساعية إلى تنفيذ اتفاق "أبراهام" وملاحقه. إذ سمح المرسوم 32 من العام 2021؛ الخاص بالشركات التجارية، بتملك الشركات الأجنبية ضمن دولة الإمارات بنسبة 100%؛ حتى خارج المنطقة الحرة، مع تضمين استثناء ضمن المادة العاشرة يحظر الاستثمار الخارجي في "الأنشطة ذات الأثر الاستراتيجي"، التي يحددها مجلس الوزراء.
صدر قرار مجلس الوزراء رقم (55) لسنة 2021، الذي حدد الأنشطة ذات الأثر الاستراتيجي، وحصرها بسبعة أنشطة هي:
1- أنشطة الأمن والدفاع والأنشطة ذات الطابع العسكري.
2- المصارف، محلات الصرافة، شركات التمويل، وأنشطة التأمين.
3- طباعة العملات النقدية.
4- الاتصالات.
5- خدمات الحج والعمرة.
6- مراكز تحفيظ القرآن الكريم.
7- الخدمات المتصلة بمجال مصائد الأسماك، والتي حصرها القرار بالمواطنين بنسبة 100%.
لم يحدد قرار مجلس الوزراء نسبة مساهمة المواطنين ضمن الأنشطة الستة الأولى، محيلاً ذلك إلى الهيئات المختصة.
لم يُضمن مجلس الوزراء العديد من المجالات والأنشطة الحيوية والسيادية في قراره، مثل مجالات الملاحة الجوية والبحرية ومن ضمنها المطارات والموانئ، ولا تخفى على أحد أهمية الموقع الجغرافي الذي تحتله دولة الإمارات، حيث يمتد ساحل الإمارات مسافة 644 كلم على الساحل الجنوبي من الخليج العربي، إضافة إلى ساحل بطول 90 كلم على خليج عمان، فضلاً عن موقعها القريب من مضيق هرمز؛ أهم المضائق البحرية في العالم، يتحكم بـ 20% من صادرات النفط المتداولة حول العالم.
مجال الطاقة؛ يعتمد الاقتصاد والميزانية الإماراتية على النفط، الذي يشكل نحو 29% من الناتج المحلي الإجمالي، لذلك يعتبر النفط العصب الرئيسي في الاقتصاد الإماراتي، ومصدر الطاقة شبه الوحيد لها، ما يضعه على رأس الأنشطة الاقتصادية ذات الطابع الاستراتيجي والسيادي، رغم تجاهل مجلس الوزراء إدراجه ضمنها.
بسبب مناخها الصحراوي؛ تمتلك دولة الإمارات موارد مائية شحيحة، لذلك تحفظ أمنها المائي عبر تحلية مياه البحر، تستثمر الإمارات في 70 محطة تحلية رئيسية، يمثل ناتجها نحو 14% من إجمالي إنتاج المياه المحلاة في العالم.
في المقابل تملك إسرائيل شركات عالمية في مجال تنقية المياه، من بينها "أي دي أيي" الرائدة في هذا المجال، والتي أقامت 400 محطة في أربعين دولة، أتاح اتفاق أبراهام ولائحة الأنشطة الإماراتية الاستراتيجية المجال أمام الشركات الإسرائيلية، كي تستحوذ كلياً أو جزئياً على هذا المجال الحيوي الإماراتي. دون الأمن المائي لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة، وعليه تتحكم الشركات المسيطرة على هذا القطاع بحكومة الدولة ومصير شعبها أيضاً.
بالعودة إلى قرار مجلس الوزراء الإماراتي؛ نلحظ عدم تضمينه الأنشطة السابقة ضمن الأنشطة السيادية الاستراتيجية، في مقابل أنشطة لا ترقى لذلك، مثل خدمات الحج والعمرة ومراكز تحفيظ القرآن، تماشياً مع اتفاق أبراهام، الذي ينص بنده الخامس على "من أجل دفع قضية السلام والاستقرار والازدهار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وإطلاق العنان للإمكانات العظيمة لبلدانهما والمنطقة، يبرم الطرفان اتفاقيات ثنائية في المجالات التالية في أقرب وقت ممكن عمليا: الرعاية الصحية، العلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، والسياحة والثقافة والرياضة، والطاقة، والبيئة، والتعليم، والترتيبات البحرية، والاتصالات والبريد، والزراعة والأمن الغذائي، والمياه. ويمكن للطرفين إبرام اتفاقات في المجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك، وهي التمويل والاستثمار، والطيران المدني، والتأشيرات والخدمات القنصلية، والابتكار، والتجارة والعلاقات الاقتصادية".
لم تقتصر التعديلات القانونية على قانون الشركات بل شملت العديد من المجالات الأخرى، التي تضمنها اتفاق أبراهام، كما في قانون التعليم العالي والمناهج التعليمية.
كشف استطلاع رأي أجراه معهد واشنطن الدولي؛ في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن معارضة غالبية الإماراتيين لسياسات نظامهم الحاكم الإقليمية، على رأسها التطبيع وإقامة علاقات علنية مع إسرائيل، وفق الاستطلاع 76% من الإماراتيين لا ينظرون بإيجابية إلى التطبيع مع إسرائيل ويعارضون كافة أشكاله.
نظام الحكم في الإمارات، لا يسمح بهامش حرية والحق في التعبير عن الرأي، مع ذلك امتدت حزمة التعديلات القانونية كي تشمل قانون العقوبات الإماراتي، بهدف تدعيم توجه الحكام السياسي قانونياً
لذلك كان لابد من التأثير على الوعي الشعبي وتغييره، المناهج التعليمية هي أفضل طريقة تحقق ذلك، في هذا السياق أكد رئيس لجنة الدفاع والداخلية في المجلس الاتحادي الإماراتي؛ علي النعيمي، أن بلاده ستغير الخطاب الديني والمناهج التعليمية "حتى يشعر الإسرائيلي بالطمأنينة والانتماء".
تراجع حضور القضية الفلسطينية في المناهج التعليمية الإماراتية منذ العام 2008، بعدما كانت تحظى بحضور قوي ومتنوع، في عام 2018؛ تداول ناشطون صورة من أحد كتب المنهاج الإماراتي، تزعم الصورة أن "رام الله" عاصمة فلسطين بدلاً من القدس الشريف.
يتوافق قانون التعليم مع اتفاق "أبراهام" الذي يلزم كافة مؤسسات الدولة التعليمية؛ العامة والخاصة، اعتماد المناهج المزمع تعديلها، التي تظهر الاحتلال كدولة طبيعية وصديقة في المنطقة!! كما يفتح المجال أمام تأسيس مؤسسات تعليمية جديدة تتبع الاحتلال!!
في المقابل لا ينوي الاحتلال تغيير مناهجه التعليمية القائمة على العنصرية والتحريض ضد العرب عامة، والفلسطينيين خاصة.
نظام الحكم في الإمارات، لا يسمح بهامش حرية والحق في التعبير عن الرأي، مع ذلك امتدت حزمة التعديلات القانونية كي تشمل قانون العقوبات الإماراتي، بهدف تدعيم توجه الحكام السياسي قانونياً، عبر تشديد قمع الحريات استناداً إلى قانون العقوبات، عبر إضافة مواد جديدة تنتهك حقوق الإنسان.
أجازت التعديلات الجديدة عقوبة الإعدام والسجن المؤبد، في المادة 155؛ المبهمة وسهلة التأويل، من قانون العقوبات الجديد "لمن ارتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس بسيادة الدولة أو استقلالها أو وحدتها أو سلامة أراضيها". في حين اقتصرت النسخة السابقة على السجن المؤبد.
فرضت المادة 174 عقوبة تصل إلى الإعدام والسجن المؤبد، على كل من قام بعمل ضد دولة أجنبية "من شأنه الإساءة للعلاقات السياسية".
تجرّم المادة 217 إذاعة أو نشر "أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو تأليب الرأي العام أو إثارته"، يبدو القصد من هذه المواد الفضفاضة والغامضة ترهيب الإماراتيين من انتقاد دولة الاحتلال، أو انتقاد توجهات حكام الإمارات السياسية، حتى لو كان ذلك ضمن أبسط أشكال التعبير عن الرأي.
أعادت التعديلات التأكيد على تجريم التظاهر والتجمهر، تنص المادة 212 على "عقوبة السجن المؤبد لأي شخص تجمهر في مكان عام أو روج له أو قاده أو كان له شأن في إدارة حركته بقصد ارتكاب أعمال شغب أو منع أو تعطيل تنفيذ القوانين واللوائح أو الإخلال بالأمن العام، ولو لم تُقبل دعوته".
الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم منصات التعبير عن الرأي اليوم، لذا شددت الإمارات من الرقابة والقيود والعقوبات عليها، وفق قانون الجرائم الإلكترونية للعام ٢٠١٢، حاله حال قانون العقوبات العام، إذ استهدفت جل التعديلات حرية التعبير عن الرأي، والتحريض على التظاهر والتجمهر، وانتقاد سياسات الدولة الداخلية والخارجية.
يبدو من خلال البحث والتمحيص أن التعديلات القانونية الإماراتية تخدم الاحتلال الإسرائيلي، وتضر بمصالح ومكاسب الشعب الإماراتي.
في المقابل؛ رغم الانفتاح الإماراتي وكشف البلاد ومقدراتها دون قيود أمام الاحتلال، لا يعتزم الاحتلال تغيير أي من قوانينه وتوجهاته إرضاء لنظام الحكم في أبوظبي، الذي قدم للاحتلال تطبيعاً على طبق من ذهب دون أي مقابل، ما دفع رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو إلى التبجح والقول إنه "سلام من منطلق القوة".