بعد أكثر من ست سنوات من القطيعة الدبلوماسية، أعلن، أمس الإثنين، كل من رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مؤتمرين صحافيين منفصلين، عن توصّلهما إلى اتفاق يمهّد لإعادة تطبيع العلاقات، إثر الهجوم التركي على سفينة مافي مرمرة، التي كانت متجهة إلى قطاع غزة لفك الحصار عنه في عام 2010. وأكد يلدريم، أن "الاتفاق حقق الشروط التركية الثلاثة، ممثلة في الاعتذار لضحايا الهجوم، ودفع التعويضات لذويهم، وتخفيف الحصار عن القطاع المحاصر".
وقد حقق الاتفاق نجاحاً دبلوماسياً كبيراً لأنقرة على المستوى السياسي، ما سيُعزّز من موقع الدبلوماسية التركية على مختلف محاور السياسة الخارجية الأساسية. الأمر الذي يبدو أنه سيتم بشكل أساسي على حساب المحور الإماراتي الأردني المصري، ودور هذا المحور فلسطينياً، وبالذات على حساب مصر.
يعتبر الاتفاق ضربة قوية لمصر من جهات عدة، من جهة المحور اليوناني القبرصي المصري الإسرائيلي، لأنه سيؤدي إلى كسر هذا التحالف، الذي كان يهدف إلى تطويق تركيا وقبرص التركية في البحر المتوسط، وسيعزز من قدرات أنقرة على حماية مصالحها، تحديداً حقول الغاز في شرق المتوسط. كما سيعزز من موقع تركيا الجغرافي كمعبر رئيسي لواردات الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي، بعد إتمام خط الغاز الإسرائيلي عبر تركيا نحو اليونان، الذي من المرجح أن تبدأ المفاوضات عليه ما أن يتم توقيع الاتفاق بشكل رسمي. بالتالي سيزيد من أوراق القوة التركية في مواجهة الاتحاد، وسيفتح للغاز الإسرائيلي سوقاً كبيرة ومتنامية للطاقة، سواء في تركيا أو الاتحاد الأوروبي، بدل الاضطرار إلى بيع الغاز إلى كل من مصر والأردن.
كما عززت تركيا، من خلال الاتفاق مع إسرائيل، موقعها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط عموماً، والمشرق العربي والقضية الفلسطينية خصوصاً، وذلك على حساب النفوذ المصري التاريخي في قطاع غزة، وكذلك النفوذ الأردني في الضفة الغربية. وتحوّلت تركيا إلى ما يشبه المتنفس للفلسطينيين القابعين تحت الاحتلال الإسرائيلي في كل من الضفة والقطاع.
وبحسب يلدريم، فقد "نصّ الاتفاق على تضمين تركيا إعادة إعمار قطاع غزة، إذ ستقوم أنقرة بتنسيق جميع الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار البنية التحتية لقطاع غزة وذلك بالتعاون مع الإسرائيليين". ووافقت حكومة الاحتلال على إنهاء الإجراءات الخاصة ببناء مستشفى لخدمة الغزيين بسعة 200 سرير، ولن تضع أي عقبات في وجه وصول المعدات والأدوية وموظفي القطاع الصحي الأتراك إليه، بينما ستعمل كل من ألمانيا وتركيا على بناء محطة لإنتاج الكهرباء لتلبية النقص الكبير في الطاقة الكهربائية في غزة. كما ستقوم تركيا ببناء محطة لتحلية مياه البحر في القطاع، الذي ستصله جميع المساعدات التركية عبر ميناء أسدود الإسرائيلي. وستفسح سلطات الاحتلال المجال لإكمال المشاريع السكنية التي تشرف عليها إدارة المجتمعات العمرانية (توكي) التابعة لرئاسة الوزراء التركية، وكذلك ستسمح بإحياء عدد من المشاريع الاقتصادية في الضفة الغربية وبالذات بناء المنطقة الصناعية في مدينة جنين.
وسيسمح الدور الاقتصادي التركي المتنامي في فلسطين لأنقرة بتأدية دور أكبر في الوساطة، سواء على المستوى الداخل الفلسطيني أو على مستوى عملية السلام. وذلك على حساب الدورين المصري والأردني. الأمر الذي بدأت بوادره باللقاء الذي عقده أردوغان مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، ومن ثم المكالمة الهاتفية التي أجراها مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، تباحثا خلالها، بحسب الرئاسة التركية، ملف المصالحة الداخلية، كما ناقشا البنود المتعلقة بالفلسطينيين في الاتفاق التركي الإسرائيلي.
وعلى المحور السوري، يرى بعضهم أنه يحتمل أن يحدّ الاتفاق التركي الإسرائيلي من جهود الاحتلال في تجاوز الخطوط التركية الحمراء والدفع باتجاه تقسيم سورية عبر دعم الأكراد في الانفصال. وسيصبح من المستحيل لإسرائيل القيام بدعم حزب "العمال" الكردستاني أو جناحه السوري حزب "الاتحاد الديمقراطي". بالتالي قد يساهم الاتفاق في حرمان "الكردستاني" من آخر الداعمين الإقليميين المحتملين له، بعد التوتر الكبير الذي شاب علاقاته مع كل من النظام السوري وإيران، بسبب مخاوف جميع الأطراف من تكوين إقليم كردي آخر في سورية، على غرار إقليم كردستان العراق يساهم في إحياء الحلم القومي الكردي وتكوين دولة كردستان.