اتفق وزراء دفاع الدول الاسكندنافية؛ السويد النرويج والدنمارك، أمس الإثنين، على تعزيز التعاون الدفاعي بين دولهم، وسط تزايد التوتر مع روسيا، ما من شأنه أن يسمح لجيوش هذه الدول بالتصرف بحرية في المجالين البحري والجوي، لا سيما في منطقة البلطيق وبحر الشمال.
الاتفاق الذي أعلن عنه وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست في مالمو جنوبي السويد، بحضور زميليه الدنماركي، مورتن بودسكوف، والنرويجي بيورن أريلد غرام، سيمنح جيوش الدول الاسكندنافية التصرف بحرية في المجالين البحري والجوي، وربط راداراتها العسكرية.
وتأتي هذه التطورات لتضيف بعداً آخر للتنسيق بين حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والدول الاسكندنافية، وخصوصاً أنه يترافق وقرب انتهاء فنلندا والسويد من ملف العضوية، بعد استكمال مصادقة برلمانات بقية دول الحلف الـ30 على ذلك.
وبررت الدول الثلاث توثيق تقاربها العسكري باعتباره ضرورة "في مواجهة السلوك العدواني وغير المقبول" لروسيا في المنطقة. ووفقاً للاتفاقية ستصبح الدوريات مشتركة وستربط رادارات جيوشها إلى حد كبير، بهدف "الحد من الانتهاكات المنتظمة للطائرات والسفن الحربية الروسية".
الوزراء اعتبروا أنّ الخطوة هامة "بعد العدوانية الروسية الواضحة منذ غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، حيث تزايدت الانتهاكات للمجالات الجوية والبحرية لدولنا"، بحسب ما صرح به وزير الدفاع الدنماركي. وذكّر بودسكوف بسلسلة طويلة من الانتهاكات الروسية، التي وصلت إلى حدّ دفع روسيا بمدمرة، فضلاً عن انتهاك جوي قرب جزيرة بورنهولم (الدنماركية في البلطيق).
أعلنت الدنمارك أنها، منذ بداية العام الحالي، اضطرت إلى 51 عملية تصدٍ من مقاتلاتها لانتهاكات روسية للمجالين الجوي والبحري (5 مرات فقط في 2021). وأشارت وزارة الدفاع الدنماركية إلى أنّ الطائرات المقاتلة "باتت أكثر انشغالاً خلال الأسابيع الأخيرة".
بدورها، دفعت السويد، خلال الأيام الماضية، بمزيد من الدوريات البحرية العسكرية، بما فيها الغواصات، في بحر البلطيق وخليج استوكهولم.
ويأتي ذلك في أعقاب رصد السويد، منذ أن باشرت مع هلسنكي طلب عضوية الأطلسي، توسع المحاولات الروسية لإظهار قوة قبالة جزيرة غوتلاند، التي جرى مبكراً هذا العام تعزيز الانتشار العسكري السويدي فوقها.
من ناحيتها ذهبت النرويج إلى الدفع بالمزيد من تواجدها العسكري في أقصى الشمال، عند الحدود مع روسيا وفنلندا في نطاق الدائرة القطبية الشمالية.
ومنطقة بحر البلطيق، التي تسيطر فيها موسكو على جيب كالينينغراد، تعتبر حيوية للاسكندنافيين والروس. وشدد هولكفيست على "أهمية السيطرة على مدخله"، وهو بذلك يشير إلى خليج كتاغات بين بلده وكوبنهاغن خروجاً ودخولاً إلى البلطيق. واعترف الوزير السويدي بأنّ بلاده نشرت أخيراً نحو 5 غواصات وعززت الأسطول البحري المضاد للغواصات، بعد تكرار الاتهامات للروس بانتهاك السيادة البحرية للسويد.
المنطقة القطبية الشمالية ليست بعيدة عن الاتفاقية، بالتأكيد على أهمية التعاون فيها "مع توترات متزايدة، وقيام روسيا ببناء قواعد عسكرية في مورمانسك"، وفقاً لتصريحات هولتكفيست، مشدداً على تعاون استوكهولم وأوسلو في تلك المنطقة الحدودية.
يأتي الاتفاق أيضاً في إطار تحمل السويد لمهام جديدة في الحلف الأطلسي، مع توقعات بانضمام فنلندا إليه انتظاراً للانتقال من وضعية "مرشح" إلى عضوية تامة. وهو ليس ببعيد عن تعزيز الحلف الغربي والأميركي للتواجد العسكري في أقصى الشمال النرويجي ومنطقة البلطيق.
إجمالاً، وإذا كانت حرب أوكرانيا عجلت في تحرير الاسكندنافيين من حذرهم السابق في التعاطي مع الانتهاكات الروسية، المتصاعدة بشكل ملحوظ، وفقاً لبياناتهم وتحركاتهم، منذ ضم الكرملين لشبه جزيرة القرم في 2014، وزيادة جرعة العسكرة الروسية في كالينينغراد والبلطيق والدائرة القطبية الشمالية، فإنّ الانتقال نحو تنسيق الجهود الدفاعية من مستوى "مجموعة دول الشمال"(فنلندا والسويد والنرويج والدنمارك وأيسلندا) إلى تحت مظلة الناتو، يضع هذه الزاوية من الشمال الأوروبي في قلب التنافس الغربي الروسي، أو ما يطلق عليه المراقبون المحليون "استعادة أجواء الحرب الباردة" و"الستار الحديدي"، الممتد من الدائرة القطبية إلى أقصى جنوب القارة.
وليس بعيداً عن أوكرانيا استبق الوزراء الاسكندنافيون اجتماعاً تحتضنه كوبنهاغن، بعد غد الخميس، تحت عنوان "تنسيق إنتاج السلاح وتسليمه لأوكرانيا"، تأكيدهم أنّ دعمهم لكييف "طويل الأمد وبحسب احتياجاتها للأسلحة"، وهو بالفعل ما تواصل هذه الدول عمله من خلال تزويد كييف بأسلحة متقدمة.
وقبل غزو أوكرانيا حاولت روسيا فرض "فيتو"، أو رسم خطوط حمراء، حول عضوية السويد وفنلندا في "الأطلسي"، بالتزامن مع فرض سيطرة في منطقتي البلطيق والقطب الشمالي، بيد أن غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي عجل من اندفاع محيطها في دول الشمال، وبتأييد شعبي غير مسبوق، للتخلي عن سياسات الحياد، والعمل وفقاً للخطط الدفاعية للحلف الغربي، ذلك بعكس ما كانت تأمله من سياساتها التحذيرية السابقة بوجه تمدد الناتو في المنطقة.