كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، عن تطورات جديدة بشأن العلاقات بين مصر وإيران، في ضوء الحراك الإقليمي الحاصل أخيراً قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة، بين 13 و16 يوليو/تموز الحالي.
وذكرت المصادر أن "لقاءً رفيع المستوى، جرى خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عُمان بداية الأسبوع الماضي، جمع مسؤولين مصريين وآخرين إيرانيين"، موضحة أن اللقاء "حضرته شخصية رفيعة من الوفد المرافق للرئيس المصري، بتنسيق عماني".
لقاء رفيع المستوى جمع مسؤولين مصريين وإيرانيين خلال الزيارة الأخيرة للسيسي إلى سلطنة عُمان
وأشارت المصادر إلى أن اللقاء "كان ذا طابع أمني في مجمله، وتطرق إلى الوضع في قطاع غزة وسورية"، مضيفة أنه "كان هناك الكثير من نقاط الاتفاق بين الطرفين، وأن الفترة المقبلة قد تشهد تنسيقاً مباشراً بين القاهرة وطهران في قضايا وأمور متعلقة بالقطاع".
وبحسب المصادر "جرى خلال اللقاء التوافق على التنسيق المشترك في المحافل الدولية، طالما كان ذلك مستطاعاً، في ظل رغبة القاهرة وطهران بالوصول إلى مستوى جيد من العلاقات، على أن يتم تصاعدها تدريجياً، وفقاً لتطورات الأحداث في المنطقة".
وضم الوفد المصري المرافق للسيسي، كلاً من وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات العامة الوزير عباس كامل، ووزيرة التخطيط هالة السعيد، وعدداً آخر من المسؤولين.
وتضمّن البيان الختامي الرسمي لمحادثات سلطان عمان هيثم بن طارق، والسيسي، الإشارة إلى أنهما "تبادلا وجهات النظر حول مختلف المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية، وأكدا أهمية الحوار ومعالجة الخلافات بالطرق السلمية لمختلف القضايا، وتنسيق مواقفهما بما يخدم مصالحهما ويُسهم في دعم التعاون الإقليمي والدولي وفقاً لقواعد القانون الدولي ومبادئ العدل والإنصاف والاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير".
لكن وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، كان قد نفى وجود لقاءات مباشرة مع الحكومة المصرية، على الرغم من إعرابه عن أمله في تطوير العلاقات بين البلدين. وقال أمير عبداللهيان، في تصريحات للتلفزيون الإيراني من دمشق الأحد الماضي: "لم يكن لنا حتى الآن تفاوض مباشر مع الطرف المصري. مصر دولة مهمة في العالم الإسلامي والعالم ونرى أن توسيع العلاقات بين طهران والقاهرة يصب في مصلحة الشعبين".
وفي حديث آخر له من دمشق الإثنين، أوضح الوزير الإيراني أن هناك "جهوداً جارية من أجل عودة مياه العلاقات بين طهران والقاهرة إلى مجاريها في إطار التعاون بين دولتين إسلاميتين"، مضيفاً أن "هناك مكتباً لرعاية المصالح في كل من البلدين، ما يظهر حقيقة أن مصر دولة مهمة في العالم الإسلامي، ونحن نعتبر تطوير العلاقات معها يخدم مصلحة شعبي البلدين والعالم الإسلامي ودول المنطقة".
مصر حريصة على عدم معاداة أي طرف إقليمي
وقالت المصادر المصرية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن مصر "حريصة دائماً على عدم الدخول في علاقات عدائية مع أي طرف إقليمي ودولي، طالما لم تستدعِ الحاجة ذلك، وأن هذا المبدأ هو المحرك الأساسي لعدم الدخول في أحلاف إقليمية". ولفتت إلى أن اللقاء "تضمّن توضيحاً مصرياً بشأن وثيقة النقب التوجيهية التي تم توقيعها أخيراً في المنامة، واتفقت الولايات المتحدة وإسرائيل وأربع دول عربية، خلالها، على تعزيز التعاون وعقد اجتماعات سنوية لوزراء الخارجية، قبل أسبوعين من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط".
وأشارت المصادر إلى أن "التوضيحات المصرية تضمّنت شرحاً لطبيعة التجمّع، وأنه إطار تشاوري، أكدت القاهرة خلاله أنها ترفض الانضمام لأي أحلاف عسكرية"، مشيرة إلى أن الأمر "لا يعدو كونه تنسيقاً معلوماتياً واسترشادياً فقط".
وقامت حكومات كل من البحرين ومصر وإسرائيل والمغرب والإمارات والولايات المتحدة ممثلة بكبار المسؤولين من وزارات خارجية هذه الدول، بعقد الاجتماع الافتتاحي للجنة التوجيهية لمنتدى النقب في المنامة في البحرين، في 27 يونيو/ حزيران الماضي.
وبحسب البيان الرسمي الصادر عن التجمّع "مثّل الهدف الرئيسي للجنة في زيادة تنسيق جهودنا الجماعية وتعزيز رؤية مشتركة للمنطقة. وقد حددنا في هذا السياق وثيقة إطار عمل لمنتدى النقب، وحددنا أهداف المنتدى وأساليب عمل هيكلة الرباعي الأجزاء: الاجتماع الوزاري لوزراء الخارجية والرئاسة واللجنة التوجيهية ومجموعات العمل".
يبقى التحرك المصري حذراً لعدم إثارة حفيظة الإدارة الأميركية، خصوصاً قبل زيارة بايدن للمنطقة
وفي السياق، قالت المصادر المصرية إن "التوجّه المصري يأتي لقطع الطريق أمام أي محاولات من شأنها وضع القاهرة وطهران في موقف مضاد لبعضهما البعض، من جانب أطراف دولية وخليجية".
ولفتت المصادر إلى أن مصر "ماطلت كثيراً بشأن عقد الاجتماع الأول المنبثق عن قمة النقب، والذي تم توقيع الوثيقة التوجيهية فيه"، مشيرة إلى أن الإمارات "هي التي تدخّلت لدى واشنطن للضغط على القاهرة ودفعها لتوقيع الوثيقة". وذكرت أن "تلك الكواليس وصلت بطريقة ما إلى الجانب الإيراني".
وأوضحت المصادر أنه "على الرغم من التوجّه المصري الجديد بشأن العلاقات مع إيران، إلا أن هذا لا يمنع التحرك الحذر من جانب القاهرة لعدم إثارة حفيظة الإدارة الأميركية، وخصوصاً قبل زيارة بايدن للمنطقة".
دور عماني في تحسين العلاقات الإيرانية العربية
وكشفت المصادر أن هناك "دوراً كبيراً تلعبه سلطنة عمان في تحسين العلاقات الإيرانية العربية والخليجية خلال الفترة الراهنة"، كاشفة عن "قناة اتصال عمانية إيرانية سعودية تم التوافق عليها بين البلدان الثلاثة، ناقشت ملفات كانت بمثابة اختراق للعلاقة المتوترة بين الرياض وطهران". وأوضحت أن "من بين الملفات التي تم التوصل فيها لتفاهمات بين الطرفين: ملف الأوضاع في اليمن، وأمور متعلقة بالأوضاع الأمنية في الإقليم، بخلاف الهجمات التي كانت تتعرض لها المملكة من جانب الحوثيين".
ورجحت المصادر المصرية أنه "قد يكون واحداً من محركات التقارب المصري الإيراني أخيراً، سعي النظام المصري لقطع الطريق أمام جماعة الإخوان المسلمين، في البحث عن حليف محتمل وداعم كبير".
وفي السياق، قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن "ما يسعى النظام المصري الحاكم لترويجه عن اتصالات محتملة لجماعة "الإخوان" مع إيران، سواء أكان هذا الترويج يستند إلى معلومات محددة، أو هو مجرد احتمالات، يعكس معرفته التامة بأن دولاً في العالم وفي المحيط الإقليمي، تدرك الوزن الحقيقي للجماعة وثقلها السياسي والمجتمعي في مصر؛ وأنها طرف لا يمكن الاستغناء عنه، إذا أراد أي نظام سياسي في مصر تحقيق الاستقرار لحكمه وللبلاد".
وأضافت المصادر أن "الجماعة ستظل قادرة على التحرك مع أطراف كثيرة إقليمية، ودولية، بصورة يصعب معها شل قدراتها على التنسيق مع قوى إقليمية ودولية؛ وهو ما يزيد الضغط على النظام في مصر، ويجعل ورقة "الإخوان"، عامل ضغط عليه في محيطه الإقليمي والدولي؛ وفي الوقت ذاته يمكن أن يناور بالورقة نفسها مع أطراف أخرى ترى في الجماعة مصدر خطر عليها".
ولم تستبعد المصادر "التنسيق بشأن السياحة الدينية الإيرانية في مصر، في ظل التوجّه المصري لتعظيم مدخلات قطاع السياحة، والتعويل عليه في دعم خزينة الدولة". ولفتت إلى أن "هناك مقترحات بالتوسع في السياحة الدينية الإسلامية، من خلال مساجد وأضرحة آل البيت في مصر، والتي شهدت تطوراً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، وتم إسنادها إلى إحدى المؤسسات التي تعمل تحت مظلة جهاز المخابرات العامة وهي مؤسسة مساجد التي أشرفت على تطوير مسجد الحسين".