تشهد العاصمة العراقية بغداد، ومدينة أربيل شمالي البلاد، منذ صباح اليوم الإثنين، اجتماعات مكثفة بين قادة وممثلي الكتل والأحزاب السياسية المختلفة، لبحث ملف التوافق على مرشح رئاسة الجمهورية، وتشكيل وفد جديد لمحاولة لقاء زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قبل المضي في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، إذ تسود حالة قلق واسعة بين القوى السياسية، من صمت الصدر المتواصل واحتمالية إعداده "مفاجأة" أخرى بتحريك الشارع لتعطيل تشكيل الحكومة.
وتمر اليوم، الذكرى السنوية الأولى على إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، وسط استمرار الصراعات السياسية وعدم تشكيل الحكومة الجديدة، مع دعوات إعادة الانتخابات المبكرة وحل البرلمان العراقي الحالي، بسبب عجز القوى السياسية عن حل الخلاف على مدى عام كامل.
وقالت مصادر سياسية عراقية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اجتماعات مكثفة ستشهدها العاصمة بغداد، خلال اليومين المقبلين، ما بين جميع الكتل والأحزاب، بهدف الإسراع في عملية تشكيل الحكومة الجديدة، وحسم خلاف رئاسة الجمهورية ما بين القوى الكردية، حتى وصل الأمر إلى تهديد الكرد بعقد جلسة من دون انتظار التوافق بين الكرد، من أجل عدم تأخير تشكيل الحكومة".
وأضافت المصادر أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني أبدى رفضه الشديد لعقد أي جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية من دون الاتفاق ما بين القوى الكردية، وأي جلسة تعقد من دون الاتفاق المسبق ستُقاطع، مع التمسك والإصرار بمرشحه ريبر أحمد خالد، الأمر الذي دفع إلى ذهاب وفد سياسي للاجتماع مع زعيم الحزب مسعود بارزاني".
وبيّنت أنّ "وفداً سياسياً يضم كلاً من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وممثل المفاوضات عن الإطار فالح الغياض، إضافة إلى مرشح رئاسة الوزراء محمد شياع السوداني، وصل إلى مدينة أربيل، صباح اليوم الإثنين، وعقد اجتماعاً فور وصوله مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، لمحاولة دفعه إلى التوافق مع الاتحاد الوطني الكردستاني على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، من أجل تحديد موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".
وأكدت المصادر ذاتها، أنّ "نتائج اجتماعات أربيل التي يعقدها الوفد السياسي ستكون مهمة جداً لحسم ملف رئاسة الجمهورية، وتحديد موعد انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، إضافة إلى الطلب من بارزاني إجراء اتصالات مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، للحصول على تفاهم وتوافق يمنعان أي تصعيد في الشارع يعرقل عملية تشكيل الحكومة".
ويعيش العراق أزمة هي الأطول من نوعها، إذ حالت الخلافات بين القوى السياسية من دون تشكيل حكومة جديدة منذ الانتخابات الأخيرة، التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، وتطورت هذه الأزمة إلى الصدام المسلح بعد اقتحام أنصار التيار الصدري المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ومن ثم تطور المشهد إلى اشتباكات بينهم وبين جهات محسوبة على "الحشد الشعبي"، أوقعت عشرات القتلى والجرحى، قبل أنّ يوجه زعيم التيار مقتدى الصدر أنصاره بالانسحاب.
وقال القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "ذهاب الوفد السياسي، الذي يمثل ائتلاف إدارة الدولة إلى أربيل، يهدف إلى دفع القوى الكردية للإسراع في حسم خلاف رئاسة الجمهورية، فلا يمكن بقاء هذا الخلاف من دون حلول، مما يؤخر عملية تشكيل الحكومة الجديدة".
وبيّن الفتلاوي أنّ "الوفد السياسي، الذي يمثل ائتلاف إدارة الدولة، سوف يوصل رسالة مباشرة إلى القوى الكردية خلال الاجتماعات في أربيل، مفادها أنّ بقاء الخلاف على رئاسة الجمهورية من دون حسم الملف خلال هذا الأسبوع، سوف يدفع إلى تحديد موعد انتخاب رئيس الجمهورية من دون انتظار التوافق الكردي، ويبقى اختيار الرئيس الجديد بيد تصويت النواب".
مضيفاً أن "العمل والحراك متواصلان من أجل فتح قنوات حوار وتفاوض مع التيار الصدري، وهذا الملف لن يكون غائباً عن اجتماعات الوفد السياسي، الذي يمثل ائتلاف إدارة الدولة في أربيل، فالكل يرغب بأن يكون الصدريون جزءاً أساسياً من الحكومة وعموم العملية السياسية خلال المرحلة المقبلة".
من جهته، حذّر رئيس الوزراء العراقي الأسبق وزعيم ائتلاف "النصر"، حيدر العبادي، اليوم الإثنين، من الاستمرار بتعطيل الدولة، مشيراً إلى أنّ الوضع ينذر بثورة شعبية.
وقال العبادي في بيان، إنه "مر عام على إجراء الانتخابات المبكرة، وما زال الانسداد السياسي سيد الموقف، وهو أمر لا يليق بمن يتصدى لقيادة شعب وإدارة دولة".
وأضاف "إنني دعوت سابقاً، وبمبادرات معلنة وخاصة، لتجاوز تداعيات أزمة العملية الانتخابية وما تلاها، والذهاب إلى تسويات وطنية دستورية ينتجها حوار بنّاء ومسؤول للخروج من الأزمة، وأجدد اليوم الدعوة، وأحذر من اعتماد معادلة حكم إقصائية هشة تكون تداعيات سقوطها أكبر من مأزق الانسداد الحالي".
وتابع: "يؤسفني الحديث بلغة التحذير، لكن على السياسيّين إدراك أنّ الاستمرار بتعطيل الدولة ينذر بثورة شعبية، وبتدويل الحالة العراقية، وهو ما لا يرضاه العراقيون"، معرباً عن أمله بأن "يسود منهج الحكمة لإنهاء الأزمة السياسية، حرصاً على الدولة والنظام والشعب".