عقد تحالف "السيادة"، الذي يمثل أكبر القوى السياسية العربية السنية في البرلمان العراقي بزعامة خميس الخنجر، في وقت متأخر من مساء أول من أمس الثلاثاء، اجتماعاً مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، استمر عدة ساعات.
اللقاء، وهو الأول من نوعه، جاء بعد سلسلة تصريحات وبيانات لقوى سياسية عربية سنية وكردية تطالب السوداني وتحالف "الإطار التنسيقي" الإيفاء بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها قبل تشكيل الحكومة الحالية، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفيما لم يصدر عن رئيس الحكومة أي تعليق رسمي، فإن "السيادة" ذكر في بيان أنه بحث مع السوداني "تنفيذ بنود الاتفاق السياسي الذي تشكلت الحكومة بموجبه".
عبد الكريم عبطان: إصدار قانون العفو العام وفق مدة زمنية محددة من الملفات المهمة
ويُقصد بالاتفاق الشروط التي وضعتها الكتل العربية السنية مقابل الموافقة والتصويت لصالح حكومة السوداني ومنحها الثقة، والتي لم يتحقق منها أي شيء على أرض الواقع، إلا بما يتعلق بتوزيع المناصب والوزارات داخل الحكومة.
وبحسب ما أفادت به مصادر سياسية قريبة من تحالف "السيادة"، جرى خلال الاجتماع أيضاً بحث ملفات عدة، تصدرتها قضايا إنهاء ملف النزوح وإغلاق المخيمات، وإبعاد الفصائل المسلحة عن القرى والبلدات منزوعة السكان، بالإضافة إلى إقرار قانون العفو العام.
ولم يشعر العراقيون في المدن المحررة أو النازحون بأي تغيير في واقعهم المأساوي، حيث تغيب الخدمات وتتراجع فرص العمل، إضافة إلى التضييق المستمر من قبل الفصائل المسلحة، التي ترفض الخروج من تلك المدن، بذريعة عدم استقرار الأمن فيها.
وقال نائب عن تحالف "السيادة"، لـ"العربي الجديد"، إن "السوداني استمع جيداً لمطالب تحالف السيادة. كما فُسح المجال أمام عدد من أعضاء التحالف ونواب عن المدن المحررة للحديث عن الأوضاع الإنسانية والأمنية في مدنهم، ومطالب الأهالي فيها، فيما استعرض آخرون أوضاع مخيمات النزوح، وأحوال السجون، والتجاوزات من قبل المليشيات التي لا تزال تنتشر في تلك المدن". وأكد أن "السوداني وعد بدراسة معظم هذه المطالب".
تأكيد مطالب المدن المحررة في العراق
من جهته، أكد القيادي في "السيادة" عبد الكريم عبطان أن "الهدف من اللقاء هو التأكيد على المطالب المهمة والإنسانية للمدن المحررة، فضلاً عن تثبيت الاتفاقات السياسية". وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "الاتفاق السياسي الذي ورد في التحالف السياسي الذي دعم حكومة السوداني نص على الكثير من الشروط والبنود الخاصة بأهالي المدن المحررة".
وأضاف عبطان أن "اللقاء شهد الحديث عن معظم الملفات الواردة في البرنامج الحكومي، ومنها أزمة النازحين، إضافة إلى منع أي حالات انتهاك من قبل أي جماعة أو قوة في المدن المحررة، وكذلك دعم الحكومات المحلية في سبيل تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية. ومن الملفات المهمة إصدار قانون العفو العام وفق مدة زمنية محددة".
وأشار إلى أن "بعض الأعضاء يجدون أن الفترة التي مرت على تشكيل الحكومة، لم تشهد أي جدية في تنفيذ البرنامج الحكومي المتفق عليه، ما يجعلنا نشكك بجدية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الوطن والشراكة السياسية".
مطالبة الحكومة العراقية بإصدار قانون العفو العام
من جانبه، لفت النائب محمد البياتي إلى أن "حكومة السوداني تشكلت على أساس اتفاق سياسي يتضمن عدداً من الفقرات التي تخص جمهور المدن المحررة، بما في ذلك حل أزمة النازحين وإغلاق مخيمات النزوح، وتعويض المتضررين وإصدار قانون العفو العام، للحاجة الملحة إليه في هذه الفترة، بما يضمن حسن النية من طرف الحكومة تجاه العراقيين الذين تعرضوا إلى ظلم كبير من قبل جهات سياسية وكذلك التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية".
وقال البياتي، لـ"العربي الجديد"، إن "السوداني شخص لا نرى منه إلا الهمة حالياً، ونعتقد أن أمامه فرصة لإحداث التغيير، لكن عليه أن يقرر ذلك أولاً، ونحن نضمن له الدعم لتحقيق العدالة ومنع أي محاولات للنيل من القانون".
واعتبر أن "الحكومة الحالية ملزمة بالإيفاء بالتزاماتها التي حددت في برنامجها الحكومي، ومراعاة المطالبات الكثيرة بشأن وجود آلاف الأبرياء في السجون نتيجة الوشاية الكاذبة، وكذلك إعادة النازحين إلى ديارهم، وضرورة سحب السلاح المنتشر في المدن المحررة لأنه يهدد الأمن".
وكان السوداني قد استهل عمله الحكومي بإطلاق الكثير من الوعود، متعهداً بإنجازها خلال مدة أقصاها عام واحد، ثم الذهاب لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وفقاً لما أدلى به أمام البرلمان في جلسة منح الثقة نهاية أكتوبر الماضي.
ومن أبرز ما تضمنه منهاج السوداني الحكومي إنهاء ظاهرة السلاح المتفلّت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وإنهاء عسكرة المدن، في إشارة إلى إخراج الفصائل المسلحة من مراكز المدن والأحياء السكنية، وطي صفحة النزوح، والكشف عن مصير المختطفين، وشمولهم بقانون ضحايا الإرهاب بعد إجراء التدقيق الأمني.
محمد عنوز: جهات أقوى من الحكومة تتحكم بالوضع السياسي والأمني
كما تضمنت الوعود إلغاء هيئة "المساءلة والعدالة"، وإصدار عفو عام عن المعتقلين الذين انتزعت منهم اعترافات تحت التعذيب، والمخبر السري. كذلك شملت تعهدات الحكومة الجديدة تطبيق "اتفاقية سنجار" بين أربيل وبغداد، والتي من شأنها إخراج عناصر حزب العمال الكردستاني من قضاء سنجار في محافظة نينوى، فضلاً عن مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، وغيرها الكثير من الوعود التي كانت جزءاً من الاتفاق السياسي، الذي تشكلت الحكومة على أساسه.
ومنتصف الشهر الماضي، عقد تحالف "السيادة" مؤتمراً صحافياً داخل مبنى البرلمان، دعا فيه الحكومة إلى تنفيذ التزاماتها السياسية. وقال وقتها: "لم نلمس جدية في تنفيذ البرنامج الحكومي المتفق عليه، ما يجعلنا نشكك بجدية تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهذا الأمر لا يصبّ في مصلحة الوطن والشراكة السياسية".
مطالب المدن العراقية المحررة واضحة
في المقابل، قال عضو البرلمان المستقل محمد عنوز، لـ"العربي الجديد"، إن "مطالب المدن المحررة واضحة، ولا تحتاج إلى اجتماعات". وأضاف أن "السوداني يعرفها كما كان الرؤساء الذين سبقوه يعرفونها، لكن لم يتحقق أي شيء، لأن هناك جهات أقوى من الحكومة هي التي تتحكم بالوضع، السياسي والأمني".
بدوره، أشار الباحث في الشأن السياسي كتاب الميزان إلى أن "الحكومات المتعاقبة تضع الملفات المهمة، مثل النازحين والمغيبين وسيطرة الجماعات المسلحة على البلدات والقرى الفارغة من سكانها، على الهامش".
وقال الميزان، لـ"العربي الجديد"، إن "الاجتماع الأخير بين السوداني وتحالف السيادة، كان محوره الأساس ملف الموازنة التي من المفترض أن تُقر قريباً". وأضاف أن "السوداني فتح ملف الموازنة في اجتماعه الأخير مع الإطار التنسيقي، وقد اجتمع مع تحالف السيادة، وسينطلق قريباً للقاء الأحزاب الكردية".
واتهم السلطات العراقية "بعدم وجود أي جدية لإنهاء هذه الملفات وتصفيرها، خاصة وأن عودة النازحين، مثلاً، خارج إرادة السوداني، والملف ليس بيد العراقيين أصلاً، بل يُدار من الخارج".
ولا يزال أكثر من 400 ألف عراقي ممنوعون من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل)، التي تضم قرى وأريافاً منزوعة السكان، مثل الفارسية وصنيديج والقراغول وغيرها، ويتحدر منها نحو 140 ألف نسمة.
وتسيطر على المنطقة "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام"، منذ نهاية العام 2014. ومنعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز ومكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.