- الاحتجاجات تواجه اتهامات بمعاداة السامية ومحاولات لتشويه صورتها، مع استهداف الأساتذة العرب، في سياق قمع حرية التعبير ضد الصهيونية.
- الحراك الطلابي يعيد أجواء احتجاجات 1968 ضد حرب فيتنام، مع تزايد الدعم الشعبي ضد حرب غزة وتأثيرها على شعبية بايدن والسياسة الأميركية.
توسّعت وتصاعدت حركات الاحتجاج في الجامعات الأميركية ضدّ دعم إدارة جو بايدن لحرب غزة، وأخذت مزيداً من الزخم، وكادت مشهديتها تزاحم الاهتمام بمحاكمات الرئيس السابق دونالد ترامب، ولم يُضعفها مرور الوقت، بل زاد من تمدّدها وإصرارها بعد أن شغلت الوسطين الأكاديمي والسياسي، منذ أشهر. وأخيراً، دخل كلّ من الكونغرس والبيت الأبيض على الخط، وأُوقف عشرات الطلبة في عدد من الجامعات الأميركية لا سيما في جامعتي كولومبيا وييل، مع محاولات متعدّدة لإخماد هذه الهبّة، من غير جدوى، ومازال الوضع مفتوحاً على مزيد من التوتر والتمدّد، مما طرح احتمال أن تُلغي هذه الجامعات احتفالات التخرّج في مايو/ أيار المقبل.
صحيح أنّ بعض ممارسات المُحتجّين في الجامعات الأميركية عرقلت سير العملية التعليمية في الجامعات، لكن ذلك، وإن بدى مبالغاً فيه، إلا أنّه تناسب وأجواء مشحونة بنقمة كبيرة على هذه الحرب ودعمها، في ظلّ استنفار سياسي إعلامي أكاديمي لتشويه صورة الاحتجاجات وشيطنتها. أكثر الأدوات أهمية في هذا المسعى، كان وصم الحراك الطلابي بمعاداة السامية، واتهام الطلبة العرب والفلسطينيين، بشكل خاص، بتعمّد مضايقة الطلّاب اليهود، باستغلال شعارات ضد الصهيونية واسرائيل لمساواتها بمعادات السامية، والترويج لخطر مُحدق بالطلبة اليهود بعدما دعاهم أحد رجال الدين، في جامعة كولومبيا، إلى الخروج من الحرم الجامعي حفاظاً على سلامتهم.
بالتزامن مع ذلك، استغلّت منظّمات يهودية أميركية هذه الأجواء للتحريض ضدّ من يسمونهم "اليسار الأكاديمي" في هذه الجامعات المرموقة، وتحديداً، الأساتذة العرب أو من أصل عربي، واتهامهم بأنّهم زرعوا بذور هذه التوجّهات والاحتجاجات، مطالبين بـ"طردهم" من السلك التعليمي، بزعم أنّ أولوياتهم هي "الاعتبارات السياسية" على حساب "المصلحة الأكاديمية". وهذه محاولات قديمة لتخليص الجسم الأكاديمي الأميركي، ما أمكن، من الأساتذة العرب المتضامنين مع القضية الفلسطينية أو الملتزمين بها، وسبق أن واجهها البروفسور الراحل إدوار سعيد في جامعة كولومبيا ذاتها. مثل هذه المحاولات، لا تستهدف سوى "قمع حرّية التعبير ضدّ الصهيونية"، كما يقول الكاتب اليهودى بيتر بينارت، علماً أنّ عدداً كبيراً من الطلاب اليهود شاركوا في الحراك الجامعي ضدّ الحرب.
كما ظهرت أشكال أخرى لهذا الخطاب، منها ما ظهر في صفحات الرأي أو في برامج تلفزيونية، تضع علامات استفهام حول الحراك الطلّابي من خلال التساؤل عمن يقف وراءه، في محاولة لتشويه غاياته، لتسهيل عزله والنفور منه ومن القضية التي يحملها. واللّافت أنّ هذا التحرك المضاد انتقل إلى قطاعات أخرى غير أكاديمية خاصة في عالم الأعمال لإسكات الأصوات المعترضة على الحرب، كما في حالة شركة غوغل العملاقة التي تخّلت عن عدد من موظفيها، بزعم أنّه "لا مكان للسياسة في مراكز الأعمال"، مع أنّ حق التعبير يكفله الدستور الأميركي بنص صريح لا يقبل التأويل. وبذلك، دخلت على الخط جهات متعددة للمشاركة في كبح التيار المعادي للحرب.
بعض رؤساء الجامعات استُغني عن خدماتهم بتهمة تراخيهم مع هذا التيار، وبعد توبيخ الكونغرس لهنّ. والأسبوع الماضي استجوبت رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق (من أصل مصري) أمام إحدى لجان الكونغرس، لكنّ ذلك لا يبدو أنّه قد ترك أثراً على صعيد موجة الاحتجاج التي انتشرت إلى جامعات أخرى في الشاطئ الغربي لأميركا، وليس هناك ما يشير إلى انكفائه.
استحضر ذلك أجواء العام 1968، خلال احتجاجات الطلاب والعمال على حرب فيتنام، التي لعبت دوراً في امتناع الرئيس ليندون جونسون عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في تلك السنة. يتفاعل الحراك الطلابي الآن في ظلّ وقوف 51% من الأميركيين ضدّ حرب غزة، التي أسهمت في هبوط رصيد الرئيس جو بايدن واهتزاز وضعه داخل قاعدة حزبه، التي قاطعته شريحة منها في انتخابات التصفية، والتي قد تهدد إعادة انتخابه لو بقيت على موقفها السلبي منه بسبب غزة.