قتل ستة أشخاص، وأصيب نحو 100 آخرين بجروح متفاوتة، بعد إطلاق نار عشوائي من قبل قوات الشرطة على تظاهرات شعبية شهدتها أقاليم أرض الصومال، المعلنة دولة مستقلة من طرف واحد، خلال احتجاجات اندلعت، يوم الخميس، رفضاً لاحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية التي يفترض إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي وقت سابق من يوم الخميس، قالت الشرطة في أرض الصومال إنها أطلقت النار على متظاهري المعارضة في خضم توترات حول الانتخابات المقبلة، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 27 آخرين.
وخلال إيجاز صحافي أكد مسؤولو الشرطة أن بعض المتظاهرين كانوا مسلحين بسكاكين ورفضوا اتباع التعليمات، وأن عناصر الشرطة خشوا على سلامتهم وفتحوا النار.
شهدت أرض الصومال، العام الماضي، انتخابات بلدية حققت فيها المعارضة فوزاً كبيراً، وكانت قد فازت بالانتخابات النيابية في يونيو/حزيران 2021، إذ حصل الحزب الوطني المعارض على 31 من المقاعد، فيما حصد حزب أوعد المعارض 21 مقعداً، وضمن الحزب الحاكم (كولميه) 30 مقعداً من أصل 82 مقعداً. وتوجد 3 أحزاب فقط في أرض الصومال.
كان من المرتقب أن تتم انتخابات مجلس الشيوخ بعد الانتخابات البلدية، لكنها أجلت أكثر من مرة.
ترى المعارضة أن عدم وجود استعداد مبكر لتنظيم الانتخابات الرئاسية سيؤدي إلى تأجيلها، خصوصاً بعد أن انتهت المفاوضات مع رئيس الحكومة (رئيس البلاد في الوقت نفسه) موسى بيحي عبدي بشأن إجراء الانتخابات إلى الفشل، ما دفعها للخروج إلى الشوارع تنديدا بإجراءات الحكومة، التي ترى فيها تملصاً من عملية تنظيم الانتخابات الرئاسية في موعدها، حتى بعد فتح باب تسجيل الجمعيات السياسية.
وفقاً للمعارضة، فإن فتح أبواب الجمعيات السياسية، وتسجيل أحزاب جديدة، يراد منه بشكل غير مباشر تأجيل الانتخابات الرئاسية ضمنيا وتقسيم أحزاب المعارضة بظهور أحزاب جديدة.
ونظم حزبا المعارضة التظاهرات الشعبية التي جابت ستة أقاليم يتمركز فيها أنصار المعارضة، ومن ضمنها العاصمة هرغيسا.
وقال رئيس الحزب الوطني المعارض عبدالرحمن عرو، في مؤتمر صحافي، مساء اليوم، إن الاحتجاجات الشعبية ستستمر ليلاً ونهاراً، وإن الحشود التي خرجت اليوم تعرضت للاعتداء الوحشي من قبل القوات الأمنية التابعة للحكومة التي استخدمت القوة المفرطة لقمع المحتجين.
وأشار عرو إلى أن القوات الأمنية استخدمت كافة وسائل التهديد لتخويف المعارضة، ولجأت إلى الرصاص الحي، والاعتقال التعسفي ضد المتظاهرين، لكبت الحريات ومنع حق التظاهر السلمي للمواطنين.
وأضاف أن مواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي أسفرت عن مقتل 3 أشخاص في إقليم مروردجيح (هرغيسا)، وإصابة نحو 50 متظاهراً بجروح، كما قتل شخصان وأصيب أكثر من 40 شخصاً في إقليم تكطير، وقتل متظاهر (مقعد) في إقليم سناغ وأصيب 9 آخرون بجروح.
وأكد عبد الرحمن عرو أن حكومة عبدي هي التي ستتحمل مسؤولية الجرائم التي حدثت يوم الخميس، وأن التهديدات التي كان يطلقها عناصر من القوات الأمنية ترجمت بإراقة دماء المتظاهرين، وأن التظاهرات السلمية لن تتوقف، ويوم الخميس كان مجرد انطلاقة الشرارة الأولى للاحتجاجات، التي تستمر حتى 13 نوفمبر/تشرين الثاني، المقبل، إذا لم تجر الحكومة المحلية الانتخابات الرئاسية.
وأشار عرو إلى أن تكتل حزبي المعارضة (حزب أوعد والحزب الوطني) سيتخذ قرارات حاسمة بشأن إنقاذ البلاد من الحكم الدكتاتوري العبثي، وأن القرارات التي تصدر عن المؤتمر التشاوري بين الحزبين ستعلن لاحقاً لتحديد مصير البلاد.
قطعت السلطات في أرض الصومال خدمة الإنترنت يوم الخميس، بينما غصت المستشفيات بالجرحى والمصابين، وعادت خدمة الإنترنت مساء بعد تراجع المحتجين من المقار الحكومية والشوارع الرئيسية في أرض الصومال.
وأظهرت صور متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي استخدام القوات الأمنية الرصاص الحي لقمع المحتجين، بينما ظهرت قيادات أحزاب المعارضة في أوساط الحشود التي خرجت اليوم في العاصمة هرغيسا، كما انتشرت صور أعداد من الجرحى يتم اسعافهم من قبل المدنيين.
ونشر جهاز الشرطة في أرض الصومال صور قوات الشرطة المصابين بجروح في الرأس بعد رشقهم بالحجارة من قبل المتظاهرين، كما قامت الشرطة بإزالة السواتر والأحجار من الشوارع بعد أن قطع المحتجون الشوارع الرئيسة في العاصمة بالأحجار.
قال رئيس حزب أوعد فيصل علي ورابي، في مؤتمر صحافي، مساء الخميس، إن ما حدث من خسائر بشرية ملقاة على عاتق وزير الداخلية محمد كاهن، وإن عقلية جنود هتلر في تلقي الأوامر وتنفيذها لن تسقط عن وزير الداخلية تحمل المسؤولية، وستكون هناك ملاحقة قضائية للجناة.
وأشار ورابي إلى أن هناك مؤتمرا بين الأحزاب للتشاور حول مستقبل البلاد، السبت القادم، لأن رئيس الحكومة رفض كل المفاوضات، وأن هذه المؤتمرات ستضم كافة أعضاء المجتمع المدني، حتى لا نخسر مسيرة السلام والاستقرار التي شهدتها صومالاند طيلة الـ32 عاماً الماضية.
وأوضح ورابي أن كافة المفاوضات للتباحث بشأن الانتخابات الرئاسية مع حكومة عبدي باءت بالفشل، واعتباراً من السبت القادم، فإننا بصدد تشكيل حكومة مؤقتة لتجاوز المحنة التي تعيش فيها ارض الصومال حالياً.
وعلَّق عبد الكريم أحمد موجي عمدة العاصمة، على حسابه في فيسبوك، بقوله إن نحو 20 شرطياً أصيبوا بجروح، وإن أعداد القتلى المسجلة حالياً هي 3 متظاهرين، وإصابة 21 آخرين بجروح.
وفي السياق نفسه، قال مدير مركز هرغيسا للبحوث والدراسات محمود عبدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن هناك خلافا سياسيا معقدا ناتجا عن تجاوزات دأبت عليها الحكومات السابقة، متمثلة في تجاوز المدد القانونية المحددة للانتخابات، ما خلق حالة من التداخل بين الاستحقاقات الانتخابية، التي ستأتي على حساب أحد طرفي المعادلة السياسية.
وأضاف، هذا يعني أننا أمام وضع سياسي لا يمكن الخروج منه سوى بإجراءات ستضر بالحزب الحاكم، أو حزبي المعارضة، كما لا يمكن إغفال دور لاعب سياسي جديد متمثل بالجمعيات السياسية التي يتم تسجيلها من دون وجود قانون واضح يحسم الخلاف حول جدوى فسح المجال لتسجيلها، و يتناسب مع وضع المجالس البلدية ومجلس النواب، التي تم انتخاب أعضائها منذ فترة قصيرة.
ويشير عبدي إلى أن الوضع الملتهب حالياً ناتج عن طبقات متعددة من الفوضى خلقها التقصير من جهة الحزب الحاكم، وكذلك ضيق أفق حزبي المعارضة، إن لم نقل تواطؤهما وتكسبهما من الخطوات المعيبة التي جرى التوافق عليها على مدى عقد كامل.
ورأى أن الوضع السياسي في أرض الصومال دخل حالة مصطنعة من الفوضى والتعقيد، لا ينفع معها سوى ضغط زر إعادة الضبط، ما يعني ترك كل ما سبق، والعودة لقانون 14 لسنة 2011، وفسح تسجيل الجمعيات السياسية، وإنهاء تراخيص الأحزاب السياسية الثلاثة الحالية، والإعلان عن انتخابات مبكرة على المستويات البلدية والنيابية، تليها انتخابات رئاسية يتم التنافس فيها تبعا لنتائج الانتخابات البلدية.
أما ما خلا ذلك- يتابع موضحاً- مجرد تأجيل لحالة استعصاء سياسي، بدأت تساهم في تآكل مصداقية الدولة، مؤدية للمزيد من العزلة، نظرا لعدم وجود اعتراف دولي، بدلا من تحسين العلاقات مع العالم من خلال ممارسة التداول السلمي للسلطة عبر عملية ديمقراطية منضبطة بالصورة التي عهد العالم نجاح أرض الصومال في التمسك بها.
وعن الدور المتوقع لسلطة العشائر لاحتواء الأزمة الراهنة يقول، إنه من خلال تعليقات المزيد من القيادات القبلية، فإن الحكومة الحالية أمعنت في تحييدهم، والحد من قدرتهم على التأثير على الواقع السياسي، حتى على مستوى التدخل للتوسط بين الأطراف السياسية، علما بأن مجلس الشيوخ أصبح خاليا، من الوجهاء المعتبرين وتولي أبنائهم لمناصبهم بالوراثة، مع التأجيل المستمر للانتخابات الخاصة بهذا المجلس.
وحول مدى تأثير الضغوط الخارجية على الحكومة للاستجابة لمطالب المعارضة، يرى مدير مركز هرغيسا للبحوث والدراسات أنه في غياب الاعتراف الدولي فمن غير المجدي حصول أطراف المعارضة على أي دعم خارجي، لانتفاء المردود السياسي خارج حدود ارض الصومال، ناهيك عن كون حزبي المعارضة متواطئين مع الحزب الحاكم في خلق الأزمة لانخراطهما في انتخابات العام الماضي. وعليه، فإن أي دعوة للتصعيد لن تكون أكثر من محاولة شرفية للرد على الموقف المتشدد لحكومة حزب كولميه الحالية.
بعد أن انتهت ولاية مجلس الشيوخ في 31 مايو/أيار الماضي، تنتهي ولاية الرئيس الحالي (ورئيس الحكومة) في أرض الصومال موسى بيحي عبدي في الـ13 من شهر نوفمبر/تشرين القادم، وتنتهي صلاحية فترة الأحزاب الثلاثة؛ حزبي المعارضة والحزب الحاكم، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2022.
تجرى الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال مرة كل 5 سنوات، وأجريت الانتخابات الرئاسية السابقة والتي فاز بها عبدي في ديسمبر عام 2017