حرص رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، في خطابه بذكرى الوحدة اليمنية الـ32، على استخدام كلمة "التوحد" بدلاً من "الوحدة"، وحام حول المصطلح في كثير من فقرات خطابه، شارحاً معنى الوحدة وقيمتها، ومتجنباً للمصطلح الصريح، حتى لا يقع في استفزاز المجلس الانتقالي الجنوبي.
وتظهر كلمة الرئيس ومواقف أطراف المجلس الرئاسي على اختلافها حالة من الارتباك داخل أطراف المجلس الذي يضم جميع القوى المناوئة للحوثيين. ففيما احتفل الانتقالي بشكل خجول بمطلبه "فكّ الارتباط"، كذلك كان احتفاء الأطراف المتمسكة بالوحدة خجولاً وباهتاً على مستوى البيانات والمواقف الرسمية، وهو أمر على خلاف المزاج الشعبي، وخاصة في بعض المحافظات الجنوبية، الذي يبدو أكثر شجاعة في التمسك بالوحدة.
ويعود الارتباك إلى المتغيرات التي تزامنت مع ذكرى الوحدة هذا العام، من انتقال السلطة إلى مجلس رئاسي يوحد الفرقاء، وعودة المجلس إلى عدن الخاضعة أمنياً وعسكرياً لسيطرة الانتقالي، ومنها ألقى رئيس المجلس الرئاسي خطابه المتلفز بمناسبة ذكرى الوحدة، مساء السبت، هنأ فيه اليمنيين بالمناسبة التي أحدث إعلانها عام 1990 "تحولاً جوهرياً في كياننا السياسي، متوجاً سنوات من واحدية الأهداف والنضال المشترك ضد الحكم الإمامي، والاستعمار الأجنبي"، وفق قوله.
وحذر العليمي من أنه "بدون الاتحاد سيكون علينا جميعاً انتظار مصير بلدنا، الذي تحدده التدخلات الأجنبية التوسعية للنظام الإيراني"، مضيفاً: "التغلب على هذا الواقع المرير، يتطلب الوفاق، والتلاحم، والاصطفاف"، ومن هنا جاء "مجلس القيادة الرئاسي ليجسد رسالة سلام وعزم على تحقيق إرادة شعبنا" حسب قوله.
وركز العليمي في خطابه على عدن "التي نوليها اهتماماً خاصاً"، وهو الغزل الذي يرافق كل خطاب رئاسي تقريباً، حيث يحاول المجلس إرسال رسائل طمأنة لتهيئة عدن لمرحلة جديدة تتحسن فيها الخدمات ويستقر الوضع الأمني، وتكون المحافظة نموذجاً يخفف الاحتقان الحاصل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها بشكل عام.
ويعتبر خطاب العليمي وإطلالته من عدن ومن خلفه علم اليمن الموحد خطوة متقدمة قد تكون إيذاناً بمرحلة جديدة في مسار الوحدة الممتد منذ أكثر من 30 عاماً، إذ ظلت المحافظة خلال سنوات مضت، رغم نعتها بالعاصمة المؤقتة، حكراً على أنشطة دعاة الانفصال، الذين سيطروا عليها بقوة السلاح ومنعوا الرئيس والحكومة من العودة إليها.
وتزامن الخطاب مع مواقف إقليمية داعمة للوحدة، حيث توشحت أبراج الكويت بعلم اليمن الموحد، وتلقى رئيس المجلس الرئاسي برقيات تهانٍ مبكرة من العاهل السعودي وولي عهده، ومن الرئيس المصري، وسلطان عمان، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وفق ما نشرته وسائل الإعلام الرسمية.
في المقابل، يقف المجلس الانتقالي الجنوبي حائراً، بين ضغط الجماهير التي رفع سقف مطالبها خلال سنوات مضت من جهة، وبين مقتضيات تعيين رئيس المجلس عيدروس الزُّبيدي عضواً في مجلس الرئاسة، وضغوط السعودية والإمارات، اللتين تريان في نجاح المجلس أمراً يعنيهما بدرجة أساسية، وعليهما ضمان نجاحه على أرض الواقع.
وإبان إعلان المجلس الرئاسي في الرياض في 7 إبريل/نيسان الماضي، بادر الزبيدي للمشاركة في حملة علاقات عامة على شكل لقاءات مع مختلف الأطراف، حتى أولئك الذين كانوا إلى قبل ساعات في خانة الأعداء، وألقى الزبيدي خطاباً أمام صحافيين وإعلاميين أكد فيه توحيد الجهود نحو استعادة الدولة، وقد نال صدىً واسعاً، وخلا تقريباً من حديث الانفصال، قبل أن يبدأ موقفه بالتراجع خشية على تسرب الجماهير التي التفت حول المجلس بدعوى القضية الجنوبية.
ونظم المجلس السبت حفلاً فنياً في عدن، شهد حضور قادة في هيئة رئاسة المجلس وممثلين عن دوائره في مديريات عدن، وألقى قيادات فيه كلمات تضمنت تأكيد التمسك بما وصفوه بالأهداف الرئيسية لإعادة دولة الجنوب، وسط حضور جماهيري محدود لأول مرة منذ تأسس المجلس الجنوبي المدعوم من أبوظبي قبل ست سنوات.
ولم تشهد عدن أي احتفالات أو تظاهرات أخرى، فيما شهدت مدن جنوبية أخرى كمدينة عتق مركز محافظة شبوة (جنوب شرق اليمن) والحوطة في لحج (جنوب)، والمكلا مركز إقليم حضرموت (شرق)، وأرخبيل سقطرى، تظاهرات محدودة لحشود رفعت الأعلام الشطرية، وهتفت بشعارات تطالب بالانفصال، وإخراج القوات الشمالية مما بقي من محافظات جنوبي البلاد.
وحيا المجلس في بيان لهيئة رئاسته تلك الحشود التي قال إنها خرجت لتعبّر عن الإرادة الصلبة لشعب الجنوب وتمسكه بحقه في استعادة دولته وتقرير المصير.
وبدت احتفالات الانتقالي الجنوبي كإسقاط واجب أمام قواعده الشعبية، فقد أقيمت وسط حضور خجول على غير العادة، ربما نتيجة قرار من قيادة المجلس المشارك في مجلس الرئاسة والحكومة، في حين أن لخفوت النبرة الانفصالية لدى الشارع الجنوبي الباحث عن الخدمات الأساسية المحروم منها في ظل سيطرة الانتقالي دوراً في ذلك، وفق مراقبين.
ويرى الناشط السياسي وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني شفيع العبد، أن عزوف الجماهير عن المشاركة يأتي نتيجة إدراكها الجيد "أن استغلال معاناتها وكذا طموحاتها وآمالها، إنما أفضى إلى تعزيز مصالح أفراد وجماعات على حسابها بوصفها صاحبة المصلحة الحقيقة في القضية العادلة"، مضيفاً: "ذلك ينعكس على مستوى حضورها واستجابتها للدعوات التي يطلقها البعض".
ويتابع العبد، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "رغم كل ذلك، ما زالت الجماهير الصادقة تحتشد في مناسبات معينة تعبيراً عن تمسكها بمطالبها، لكن هذا لا يعني تأييدها المطلق لهذا المكوّن أو ذاك".
وقد يكون الخجل المتبادل في الاحتفال بالوحدة بين الأطراف المناوئة للحوثيين مبرّراً بالنظر إلى الإرث الثقيل الذي ورثه المجلس الرئاسي من الرئيس السلف، وأهمية الحفاظ على وحدة المجلس الساعي لاستعادة الدولة، وإنقاذ اليمن من الحرب الدائرة منذ انقلاب الحوثيين المدعومين من إيران على الدولة أواخر عام 2014.
وبحسب العبد، فإن اليمن "يعيش راهناً أسوأ مرحلة في تاريخه المعاصر، فهو يغرق وسط كومة كبيرة من المشكلات التي تحتاج إلى قدرات استثنائية قادرة على إخراجه مما هو فيه"، مضيفاً: "ما نعيشه هي حالة فوضى ساهم الجميع في إنتاجها ويتطلعون إلى استمراريتها لافتقارهم إلى رؤية بناء الدول ومهارات رجالها".
وقال العبد إن "مسألة الوحدة واحدة من المشكلات، يضاف إليها إسقاط الدولة اليمنية وما نتج من ذلك من صراعات للهوية وانكشاف البلد أمام الأطماع الخارجية، في ظل انعدام الرؤية الوطنية والافتقار إلى الحليف الجيد"، مشيراً إلى أن "استعادة الدولة اليمنية مقدما على أي خيار آخر، وفي ظلها يستطيع الجميع بحث كل الخيارات المتعلقة بعلاقة الشمال والجنوب وفق احترام الإرادة الشعبية، لأنه منذ إسقاط الدولة اليمنية لم يستطع أي طرف -رغم امتلاكه لأدوات القوة المحضة- فرض خياراته السياسية".
في صنعاء، بدا أن حزب المؤتمر الشعبي العام، المتحالف مع الحوثيين، قد وجد أخيراً مناسبة تصلح للاحتفاء وجمع ما تيسر من قياداته بعيداً عما يرغب فيه الحوثي لهم من نشاطات ومواقف يصدرها باسمهم أحياناً المكتب السياسي للجماعة، وكان الحضور اللافت وبعض الكلمات يوحيان برسالة أكبر من الاحتفاء بعيد الوحدة، احتفاءً بالبقاء والقدرة على الاجتماع، حتى وإن لم يُسمح لهم بذكر رئيس الحزب الراحل علي عبدالله صالح، بوصفه محقق الوحدة في أدبيات الحزب.
أما الحوثي، فهو لا يرى الوحدة شأناً ذا أهمية تتجاوز الخطاب البروتوكولي، ولا يبدو أن الوحدة السابقة تعنيه، لأنه يسعى لنسخته من الوحدة التي يستطيع فيها ضمّ ما بقي من اليمن إلى حكمه، ليُحكم قبضته.