تستعد تركيا لإطلاق عملية عسكرية جديدة تستهدف عناصر حزب "العمال الكردستاني"، في جبال قنديل الواقعة شمالي العراق، وذلك استكمالاً لعمليات عسكرية أطلقت قبل أشهر، وكان آخرها إطلاق عمليتي "مخلب النسر" و"الصاعقة"، في منطقة جبل متين وآفشين.
وتعتبر أنقرة أن جبال قنديل من أهم المعاقل في المنطقة لحزب "العمال الكردستاني" الذي تصنفه على قائمة الإرهاب، مع وقوع الجبال بين العراق وإيران.
وتشير توقعات تركية إلى أن العملية الجديدة ستكون مفاجئة كما جرت العادة في عمليات مشابهة في سورية والعراق، على أن تبدأ برمايات تمهيدية روتينية مضللة تعمل على إضعاف المسلحين، ومن ثم هجوم بري وجوي مفاجئ. وتتوقع الأوساط المتابعة أن تجري تركيا اتصالات رفيعة مع العراق وإيران وأيضاً مع أميركا، من أجل التنسيق بشأن هذه العملية، أسوة بالتنسيق الحاصل في العمليات السابقة، وخاصة مع حلف الشمال الأطلسي "ناتو".
الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية طه عودة أوغلو تحدث لـ"العربي الجديد" عن العملية العسكرية المنتظرة على جبال قنديل بالقول "بعيداً عن العمليات العسكرية التي يشنها الجيش التركي منذ أشهر ضد عناصر الكردستاني الانفصالية، في إطار عمليات الصاعقة والمخلب، تستعد تركيا لتنفيذ عمليات عسكرية واسعة على جبال قنديل بالتنسيق والتعاون المشترك بين الجيش التركي وحكومتي بغداد وأربيل".
وأضاف قائلاً "ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل يومين إلى أن بلاده تعتزم تنفيذ عملية عسكرية جديدة خارج الحدود ضد حزب العمال الكردستاني، ووصف هذا التصريح من قبل المراقبين العسكريين بأن العمليات العسكرية التي شنها الجيش التركي منذ أشهر هي بمثابة تمهيد لعملية برية إلى عمق جبال قنديل، والقاعدة الكبرى للتنظيم".
وأعرب عودة أوغلو عن اعتقاده أن "العمليات الحالية التي يشنها الجيش التركي ضد عناصر المنظمة هذه المرة ليست كغيرها من المرات السابقة، فالعمليات التي نفذها الجيش التركي خلال الأشهر الأخيرة جديدة ومتميزة من حيث الأسلحة الثقيلة المستخدمة في الهجوم، كما أن العمليات أسفرت عن سقوط العدد الأكبر من الضحايا من الجانبين".
وشدد على أنه "بالرغم من تحذيرات أردوغان مراراً من أن بلاده ستقوم بتدمير معاقل حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق، تبدو المواجهة الجديدة بين تركيا والكردستاني في هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، مواجهة صعبة من دون أفق يسمح للجيش والأمن التركيين بحسمها".
وأردف بالقول "يمكن القول إن الصراع الدائر بين تركيا والكردستاني على وشك الدخول في مرحلة جديدة في المرحلة المقبلة، إذ ستختلف في خصائصها الكمية والنوعية عن الصراع الذي كان دائراً في الفترة السابقة، ومن المبكر الحديث عن نجاحات لأي طرف في ظل التعقيدات الإقليمية والدولية في المنطقة".
من ناحيته، قال الصحافي التركي يوسف سعيد أوغلو، في تصريح له، إن "المواجهة هذه المرة لن تكون سهلة، لأن الكردستاني متمسّك بقيادته الرمزية لعناصره من جبال قنديل، وهو وضع مختلف عن الوضع القائم في سورية، حيث تعتبر قنديل رمزاً لمؤيدي الحزب داخل تركيا، وبالتالي أي تراجع هناك سيؤثر بشكل كبير على معنويات عناصر التنظيم، ولن تكون أي عملية عسكرية سهلة في المنطقة نظراً لطبيعتها الجغرافية ولاستعدادات الكردستاني في المنطقة".
وأردف "من ناحية أخرى، لا بد من أن هناك بعداً آخر متعلقاً بالجانب الأميركي الذي وفر للكردستاني الدعم بشكل غير مباشر، وكذلك الدول الغربية، كما أن إيران تدعم أحياناً الكردستاني، وبالتالي ستكون هناك مهام دبلوماسية كبيرة أمام تركيا إضافة للعمل العسكري الميداني، وستكون نتائج أي معركة في المنطقة مؤثرة، فإذا حسمها الجيش التركي يكون قد وجه ضربة كبيرة للكردستاني، وإن نجح الكردستاني في الدفاع عن معاقله فإنه سيدخل في مرحلة معنوية جديدة ومؤثرة".
وتأتي العملية المزمع إطلاقها قريباً، وفق تصريحات للرئيس التركي، ووزير الدفاع خلوصي آكار، استكمالاً للعمليات الجارية في مناطق العمادية وزاخو وجبل متين وآفشين وباسيان وجبل كيسته والزاب، شمالي دهوك وشرقي أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. ونجحت أنقرة خلالها في القضاء على العشرات من مسلحي "الكردستاني" وتدمير مقرات ومخازن سلاح ضخمة تابعة لهم.
وتهدف تركيا من العملية إلى "إطفاء أنوار" جبال قنديل، بحسب وصف آكار، إذ تستدعي العملية الجديدة المنتظرة تنسيقاً تركياً مع حكومتي بغداد وأربيل، وتنسيقاً أيضاً مع إيران، التي يقع جزء من الجبل فيها، وتقول أنقرة إن عناصر التنظيم في عمليات سابقة تتوجه إلى الجانب الإيراني عند تنفيذ العمليات، ولهذا يجد متابعون أنه من الضروري حصول تنسيق تركي إيراني في عملية كهذه.
وقال أردوغان في كلمة له قبل يومين إن "الهدف القادم هو القضاء على الإرهابيين في جبال قنديل، شمالي العراق قضينا حتى اليوم على العديد من قياديي الكردستاني الإرهابي، وما زلنا مستمرين، وهدفنا القادم نسفهم في جبال قنديل". وأعقب كلمته رد لآكار على سؤال إن كان كلام الرئيس التركي مؤشر على عملية عسكرية مقبلة بالقول "سنواصل جهودنا للقضاء على آخر مسلح، ونسعى لإنهاء هذه المشكلة المسلطة على رقاب الشعب منذ 40 عاماً، والحكومة حازمة في قرارها والجميع يرى أن جبال قنديل أطفئت أنوارها، وأعتمت، وأنها تأتي إلى نهايتها، ونأمل أن يفهم هؤلاء هذا الأمر ويسلموا أنفسهم للعدالة".
وتترافق التصريحات الرسمية المهددة بالعملية العسكرية على قنديل مع استمرار العمليات الأمنية التركية شمالي العراق، والقضاء على مطلوبين. وتواصل وزارة الدفاع التركية الإعلان عن ضبط ذخائر لـ"الكردستاني"، وهي ذخائر وقنابل يدوية ومواد إعاشة داخل مغارات ومخابئ المسلحين.
وسبق أن أعلنت أنقرة القضاء على قيادي بـ"العمال الكردستاني" يدعى صوفي نورالدين، وذلك إثر استهداف مغارة شمالي العراق، ونشرت مقاطع تظهر ذلك.
وكان الأخير مطلوباً على النشرة الحمراء لدى السلطات التركية، والشرطة الدولية (انتربول)، وتتهمه أنقرة بالوقوف وراء عمليات مسلحة ضد الجيش التركي في سورية والعراق. كما تتهمه بتصفية 13 مختطفاً من المواطنين الأتراك قبل أشهر في جبل غارا، بعد اقتراب الجيش التركي من تحريرهم.
في غضون ذلك، تواصل السلطات التركية اعتقال مشتبه فيهم بالانتماء لحزب "العمال الكردستاني"، إذ اعتقلت في وقت سابق من اليوم في ولاية مرسين 10 أشخاص من مقر إقامتهم. وخلال الأشهر السابقة تم اعتقال عشرات الأشخاص الآخرين، مع استمرار الجهود لإقناع عناصر من "الكردستاني" بتسليم أنفسهم.