قدّم رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز جراد، اليوم الخميس، استقالة حكومته إلى الرئيس عبد المجيد تبون، بعد إعلان المجلس الدستوري للنتائج النهائية للانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في 12 يونيو/حزيران الجاري، وسط مشاورات سياسية أولية غير معلنة، جرت في شكل اتصالات بين قادة عدد من الأحزاب السياسية حول التحالفات الممكنة، تصب أغلبها في التوجه نحو تشكيل تحالف رئاسي موسع، يضم خمس كتل نيابية على الأقل.
وقال جراد خلال تقديم استقالته لتبون: "يشرفني عملاً بأحكام المادة 113 من الدستور، أن أقدم إليكم سيدي رئيس الجمهورية استقالتي من منصبي كوزير أول واستقالة أعضاء الحكومة".
وكلّف تبون الحكومة بالاستمرار بتصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
وبإعلان المجلس الدستوري الليلة الماضية النتائج النهائية للانتخابات، يكون الطريق مفتوحاً نحو بدء مشاورات سياسية بين قادة الأحزاب السياسية، لرسم تحالفات المرحلة والتوافق حول صيغة تشكيل الحكومة المقبلة. وقالت مصادر سياسية موثوقة إن اتصالات جرت قبل أيام بين قادة أحزاب "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" من جهة، وبين قيادات حركة "البناء الوطني" و"جبهة المستقبل" ومنسقين سياسيين لكتلة المستقلين، يجري التحفظ على الإعلان عنها، للنظر في إمكانية ترتيب لقاء سياسي مشترك، تنضم إليه "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، لصياغة وثيقة تحالف سياسي بين هذه القوى التي تبدي اندفاعاً كبيراً نحو القبول بتحالف رئاسي يتيح للرئيس تبون تسمية رئيس الحكومة وتشكيل الفريق الحكومي، وتطبيق البرنامج السياسي والاقتصادي للرئيس، وتستبق هذه الاتصالات سلسلة مشاورات سياسية سيبدأها الرئيس عبد المجيد تبون مع قادة الأحزاب الفائزة بالانتخابات خلال الأيام القليلة المقبلة.
وما يعزز هذا الخيار أن الانتخابات النيابية أوجدت بالأساس كتلتين سياسيتين بغض النظر عن التقسيمات، قسمت الساحة إلى كتلتين فقط، وهما الكتلة الوطنية، وتضم "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة المستقبل" وكتلة المستقلين (مجموع مقاعدها 288، أي أكثر من 66 في المائة من المقاعد بما يكفي لضمان حزام حكومي دون الحاجة إلى قوى أخرى)، وكتلة الإسلاميين التي تضم حركة "مجتمع السلم" وحركة "البناء الوطني"، وهذه الأخيرة تبدو أقرب في الموقف والخيارات إلى الكتلة الوطنية، ما يرجح فرضية أن تنضم البناء إلى الكتلة الوطنية في تشكيل التحالف الرئاسي والحزام السياسي لحكومة الرئيس، خصوصاً وأن رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة كان أكثر وضوحاً حين دعا في المؤتمر الصحافي الذي عقده الأسبوع الماضي إلى تشكيل كومندوس حكومي من قبل الرئيس تبون، بينما يبقى موقف "مجتمع السلم" التي دعت خلال الحملة لحكومة موسعة، متوقفا على العرض السياسي بحسب رئيسها عبد الرزاق مقري، في آخر تصريح خاص نشرته صحيفة "العربي الجديد" قبل أيام.
وتظهر في الأثناء مسألة دستورية تتعلق بالطريقة التي سيتم عبرها تكييف هذا التحالف الرئاسي على أساس أنه أغلبية رئاسية، يمنح الدستور الرئيس حق تشكيل الحكومة في حال حصل على أغلبية موالية، وللأغلبية النيابية حق تشكيل الحكومة في حال حصلت على الأغلبية، والحال أن الرئيس تبون لم يكن له حزب أو ائتلاف ينافس في هذه الانتخابات، والنتائج لم تعطِ لحزب أو ائتلاف أغلبية، كما أن القوى الفائزة لا ترتبط بالرئيس عبد المجيد تبون بأي شكل عضوي أو سياسي، بل إن حزب "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الديمقراطي" رفضا دعمه في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2019، وساندا رسمياً مرشح التجمع عز الدين ميهوبي، بينما كان لكلّ من حركة "البناء" و"المستقبل" مرشحاهما (بن قرينة وبلعيد عبد العزيز) للرئاسة، غير أن حديث كل هذه القوى عن دعم ما صار يوصف بـ"برنامج الرئيس"، يعطي مؤشراً على وجود معالجة سياسية لهذا الإشكال الدستوري.
بيد أن التحالف بين "جبهة التحرير الوطني" وحركة "البناء الوطني" يفرض أولاً تجاوز إكراهات سياسية بالنسبة لقادة الحزبين، على خلفية حرب تصريحات ومشادات كلامية خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، حيث اتهم رئيس حركة "البناء" عبد القادر بين قرينة حزب "جبهة التحرير" وقياداته بالتسبب في النكبة السياسية، وتحمّل المسؤولية في المشكلات والأزمات التي عرفتها البلاد، وبأن "جبهة التحرير" لم يكن لها أي دخل في إرساء قواعد التعليم والصحة المجانية غداة استقلال البلاد.
وردّ أمين عام "جبهة التحرير" أبو الفضل بعجي على هذه التصريحات، باتهام بن قرينة بإساءة استغلال الدين في السياسة، وقال: "هناك رئيس حزب لا أذكر اسمه، يسعى إلى استغلال الدين الإسلامي بصورة مبتذلة، من خلال الصلاة على قارعة الطريق، ورئيس هذا الحزب ينشر العنصرية بتهجمه على منطقة عزيزة علينا، (منطقة القبائل)، يجب محاربة هذه الخطابات والأفكار العنصرية، هل هذه الأخلاق سياسية، وهل بهذا الخطاب يريدون تعويض جبهة التحرير في الحكم؟".
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله رادي أن أضلاع التحالف الرئاسي ظاهرة بوضوح، وهي بالأساس "جبهة التحرير" و"التجمع الديمقراطي" وجبهة "المستقبل" والمستقلون، والتي ستتجاوز كل خلافاتها للقبول بواقع التحلق حول الرئيس، لأن ذلك يوفر لها مكاسب سياسية بالدرجة الأولى، لكن يؤكد أن "هناك حقيقة سياسية، وهي أن هذه القوى ليس لها أي خيار آخر غير التسليم للرئيس بموضوع تشكيل الحكومة، وتشكيل تحالف رئاسي سيكون في النهاية تحالفاً صورياً من دون أية اشتراطات تذكر، لأنها لا تملك في الواقع برنامجاً سياسياً واقتصادياً ورؤية واضحة لإدارة الحكومة في هذه المرحلة، إضافة إلى أن السلطة والتوازنات الداخلية الهشة لا تسمح بوضع الحكومة خارج يد الرئيس"، مشيراً إلى أن التجربة الجزائرية لم تنضج بعد لمنح حزب أو مجموعة أحزاب مسؤولية تشكيل الحكومة وصياغة خياراتها.
وفي خضم هذه التطورات، يعقد البرلمان الجزائري الجديد جلسته الأولى في الثامن من يوليو/تموز المقبل، بعد تثبيت النتائج النهائية، بحسب ما تنص عليه المادة 133 من الدستور، والتي تحدد بداية الفترة التشريعية وجوباً في اليوم 15 الذي يلي تاريخ إعلان المحكمة الدستورية (المجلس الدستوري) للنتائج، حيث سيتم في الجلسة الأولى إثبات عضوية النواب الـ 407، وانتخاب رئيس للبرلمان، وسيكون الأخير محل صراع أو تفاهمات بين الكتل النيابية، بالنظر لكون صفة رئيس البرلمان تحظى برمزية الرجل الثالث في الدولة دستورياً.
ففي حين يسعى حزب "جبهة التحرير الوطني" الفائزة بالانتخابات إلى أن يكون رئيس البرلمان من نواب كتلته، تفرض التوازنات السياسية والتدخلات المعتادة للرئاسة في تسمية رئيس البرلمان، خيارات أخرى، خصوصاً في حال كان هذا المنصب محلّ مقايضة سياسية، تتصل أيضاً بتشكيل الحكومة، على غرار ما حدث في الفترة الأخيرة من البرلمان السابق، حيث انتزعت رئاسة البرلمان من جبهة "التحرير" ومنحت للإسلاميين (حركة البناء)، وانتخب سليمان شنين رئيساً للبرلمان قبل حلّه.