يثير تواصل الهجمات التي تشنها مليشيات موالية لإيران على القواعد الأميركية في سورية تساؤلات عما إذا كان من الممكن أن تدفع إلى مواجهة أوسع بين طهران وواشنطن.
لكن اللافت أن معلومات تشير إلى أن بعض تلك الهجمات ينطلق من مناطق تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المدعومة من الولايات المتحدة، ما يشير إلى تمكن المليشيات الموالية لإيران من اختراق تلك المناطق، واتخاذها منطلقاً لهجماتها ضد القوات الأميركية.
وأعلن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، مساء أول من أمس الجمعة، أن القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي تعرضتا لـ61 هجوماً على الأقل في سورية والعراق خلال شهر، وذلك مع تصاعد التوترات الإقليمية بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
أبو عمر البوكمالي: الاستهدافات للقواعد الأميركية تحصل عبر خلايا تابعة للحرس الثوري الإيراني
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لقناة "الحرة" الأميركية، أن الهجمات التي استخدمت فيها المسيّرات والصواريخ كانت 29 منها في العراق، و32 في سورية، مشيراً إلى أن معظم هذه الهجمات أحبطت أو فشلت في الوصول إلى أهدافها.
إصابة 60 جندياً أميركياً
ويقول الجيش الأميركي ان تلك الهجمات، التي يتهم إيران والمليشيات الموالية لها بالوقوف خلفها، تسببت منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في إصابة ما لا يقل عن 60 جندياً أميركياً بجروح طفيفة.
ورد الجيش حتى الآن بتنفيذ ثلاث ضربات جوية استهدفت منشآت تستخدمها إيران والمليشيات التابعة لها، لكن الضربات الانتقامية حتى الآن اقتصرت على سورية.
وبشأن الهجمات على القواعد الأميركية في سورية، أحصى "المرصد السوري لحقوق الإنسان" 38 هجوماً نفذته تلك الجماعات، وعلى رأسها "المقاومة الإسلامية في العراق"، استهدفت 9 منها قاعدة حقل العمر النفطي، و7 قاعدة خراب الجير برميلان، و6 قاعدة الشدادي بريف الحسكة، و6 قاعدة حقل كونيكو للغاز، و6 قاعدة التنف، و2 قاعدة تل بيدر بريف الحسكة، إضافة إلى هجوم واحد على كل من قاعدتي روباربا بريف مدينة المالكية وقسرك بريف الحسكة. ولفت المرصد إلى أن المليشيات استهدفت القواعد الأميركية 7 مرات فقط خلال العام 2022.
"المقاومة الإسلامية" تتبع للحرس الثوري الإيراني
ووفق دراسة أعدها الباحثان حمدي مالك ومايكل نايتس، ونشرها "مركز واشنطن" في 21 أكتوبر الماضي، فإن ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" هي مجموعة مليشيات عراقية تتبع الحرس الثوري الإيراني، ظهرت في 18 أكتوبر الماضي رداً على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، وهي لا تشير إلى مجموعة محددة بذاتها، بل هي اسم عام، يُستخدَم للدلالة على الوحدة بين الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بهدف السماح لمختلف المليشيات بشن هجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسورية تحت مظلة واحدة، بحسب الدراسة.
ورغم أن انتشار هذه المجموعات في سورية يتركز أساساً في محافظة دير الزور شرقي البلاد، وتحديداً في مدينة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق، لكن لها وجود في الكثير من المناطق السورية، بما فيها تلك التي تسيطر عليها "قسد" المدعومة من واشنطن.
وقال المحلل السياسي الكردي السوري وليد جولي إن الاستراتيجيات العسكرية التي تتبعها المليشيات الإيرانية من الصعب فك رموزها، لأنه ليست لها أطر عسكرية رسمية، ولديها هامش من الحركة لضرب أهداف من مناطق ليست تحت سيطرتها عبر وسائل مختلفة.
استهداف القواعد من منطقتين لـ"قسد"
وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن معظم الهجمات ضد القواعد الأميركية في سورية تنطلق من مناطق سيطرة المليشيات الإيرانية في ريف دير الزور، لكن ربما نجحت تلك المليشيات في استقطاب عناصر محليين لا ينتمون تنظيمياً لصفوفها، تدفع لهم أموال أو تتقاطع معهم في المصالح لاستهداف القواعد الأميركية من خلال طائرات مسيّرة صغيرة الحجم وقواعد إطلاق صواريخ بدائية في منطقتي الحسكة والمالكية الخاضعتين لسيطرة "قسد".
وأكدت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، أن بعض تلك الهجمات ينطلق بالفعل من داخل مناطق سيطرة "قسد" عبر متعاونين محليين مع المليشيات الإيرانية، خصوصاً في منطقتي الحسكة والمالكية، مشيرة إلى أن المتعاونين هم غالباً من الموالين للنظام السوري، والذين يقدمون أيضاً معلومات استخبارية للمليشيات الإيرانية حول تحركات القوات الأميركية في المنطقة.
بعض تلك الهجمات ينطلق بالفعل من داخل مناطق سيطرة "قسد" عبر متعاونين محليين مع المليشيات الإيرانية، خصوصاً في منطقتي الحسكة والمالكية
وقال الناشط الإعلامي والحقوقي المقيم في ريف دير الزور أبو عمر البوكمالي، لـ"العربي الجديد"، إنه من الثابت وجود تعاون بين المليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري المنتشرة في محافظة الحسكة ضمن سيطرة "قسد".
وأشار إلى أن القائد السابق لمليشيا "الدفاع الوطني السوري" عبد القادر حمو، الذي قيل إنه قتل قبل شهرين، كان تابعاً لـ"الحشد الشعبي" وكان على تواصل مع الحاج رسول الإيراني، وكانت الصواريخ والمسيّرات الإيرانية تصل إلى مطار القامشلي بشكل مكثف بعِلم "قسد" أو بتغاضٍ منها، وكانت تلك الأسلحة تصل إلى مجموعة نواف البشير الموالية للنظام السوري والموجودة بقوة في الحسكة، بينما شوهد "الحاج عسكر" الإيراني، الشخصية الأبرز في الحرس الإيراني شرقي سورية، في محافظ الحسكة مع شخصيات من مليشيا "الدفاع الوطني" التابعة للنظام السوري، ويعتقد أنه انتقل إليها لتعزيز الوجود الإيراني هناك.
وأضاف أن نواف البشير يعمل منذ مدة طويلة على تعزيز الوجود الإيراني في الحسكة، خصوصاً عبر مجموعة "قوات الصناديد" القريبة من النظام السوري.
وأكد البوكمالي أن الاستهدافات للقواعد الأميركية تحصل عبر خلايا تابعة للحرس الثوري الإيراني تتكون من عناصر محليين يتلقون الدعم من الحرس الثوري، خصوصاً في منطقة ذيبان بريف دير الزور التابعة لسيطرة "قسد" والقريبة لقاعدة حقل العمر الأميركية، وفي مدينة البصيرة بريف دير الزور أيضاً القريبة من قاعدة حقل كونيكو، حيث يجرى تجنيد أشخاص من أبناء المنطقة للعمل لصالح الحرس الثوري.
لا أهداف عسكرية حقيقية للهجمات
من جهته، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال أن الهجمات، التي تشنها المليشيات الإيرانية على القواعد الأميركية في سورية والعراق، لا تعدو أن تكون "حروب شاشات وإعلام تندرج في إطار الرسائل السياسية، وليست لها أهداف عسكرية حقيقية".
أحمد رحال: لا أهداف عسكرية حقيقية للهجمات على القواعد الأميركية في سورية والعراق
وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه لا يمكن التأكد من الأماكن التي تنطلق منها تلك الهجمات، لكن من الثابت أن محركيها هم قادة الحرس الثوري الإيراني الذين يتخذون من ريف دير الزور مسرحاً لنشاطهم، ومن غير المستبعد أن لهم أذرعاً في مناطق أخرى، بما فيها مناطق سيطرة "قسد"، من دون أن ننسى أن قيادة "قسد" كانت رفضت في وقت سابق الانخراط في مساع أميركية لمحاربة المليشيات الإيرانية في شرق سورية، ما دعا واشنطن إلى محاولة تشكيل مجموعات عشائرية عربية بديلة عن "قوات سوريا الديمقراطية" لمساعدتها في الحد من النفوذ الإيراني في شرق سورية، وخاصة على الحدود العراقية.
وتتفاوت التقديرات بشأن عدد أفراد الجماعات الموالية لإيران المنتشرة في سورية. ويقدر بعض الخبراء عددهم بما بين 25 ألفاً و40 ألف مقاتل، وقد يزيد أو ينقص العدد وفق الاحتياجات الميدانية، حيث يُفتح باب التطوع بين فترة وأخرى، مقابل رواتب شهرية مغرية بالنسبة لمستوى الدخل في سورية.