تجددت الاشتباكات في مدينة الحسكة، شمال شرقيّ سورية، اليوم الأحد، بين عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي ومليشيا "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) والأجهزة الأمنية التابعة لها، بمشاركة متصاعدة من جانب القوات الأميركية جواً وبراً، وسط ضبابية بشأن الأعداد الحقيقية لعناصر "داعش" المشاركين في الاشتباكات، سواء المهاجمون أو الفارون من سجن الثانوية الصناعية (سجن غويران) الخميس الماضي.
وذكرت مصادر "العربي الجديد" أن العمليات العسكرية تتواصل لليوم الرابع على التوالي في منطقة السجن ومحيطه، حيث تدور، منذ منتصف ليل السبت - الأحد، اشتباكات عنيفة بين "قوى الأمن الداخلي" (الأسايش) و"قسد" وقوات "مكافحة الإرهاب"، بمساندة من طيران التحالف الذي تقوده واشنطن، من جهة، وعناصر "داعش" من جهة أخرى.
وتركزت الاشتباكات خاصة قرب صوامع غويران في مدينة الحسكة، فيما شهد حيّ الزهور حرب شوارع بين الطرفين قتل خلالها نحو 20 عنصراً من كلا الجانبين.
من جهة أخرى، أعلنت "قوات سورية الديمقراطية"، اليوم الأحد، السيطرة على سجن الصناعة بالحسكة، كما أكدت مقتل ما لا يقل عن 160 عنصرا من "التنظيم" ممن هاجموا السجن.
وقالت "قسد"، في بيان، إن ما لا يقل عن 200 إرهابي انتحاري شاركوا في الهجوم، بعضهم قدموا من مناطق رأس العين وتل أبيض، وكذلك من العراق، واتخذوا من حي غويران مركزاً ومنطلقاً لهم.
وأضاف البيان "بعد تحضيرات جرت لمدة 6 أشهر، شن عناصر تنظيم (داعش) هجوماً على السجن بواسطة السيارات المفخخة، وبالتزامن مع الهجوم من الخارج، هاجم المعتقلون في السجن العاملين فيه، مثل الأطقم الطبية وعمال في إعداد الطعام وكذلك الحراس، وحاولوا الفرار من السجن".
وأكد البيان عدم وجود معلومات واضحة حول مصير العاملين في السجن، فيما أشار إلى أن معظم محاولات الهروب باءت بالفشل، باستثناء أعداد قليلة تمكنت من الوصول إلى مبنى كلية الاقتصاد المجاور للسجن، مؤكدًا سيطرة "قسد" بشكل كامل على محيط السجن.
كما أكد البيان أن السجن بات تحت سيطرة "قسد"، وأضاف: "تعمل (قوات سورية الديمقراطية) على فرض سيطرتها داخل السجن كذلك، وسط ترجيحات بتمركز خليتين إلى ثلاث خلايا لـ(داعش) في حي غويران".
وكانت "قسد" قد دعت عناصر "داعش" المتحصنين في المنازل لتسليم أنفسهم عبر مكبرات الصوت، ونفذت حملة تمشيط في الأحياء المجاورة للسجن بحثاً عن الفارين، الذين يقدَّر عددهم بالعشرات من جنسيات مختلفة.
وقال مراسل "العربي الجديد" إن "قسد" تتقدم من جهة صوامع غويران وتضيّق الخناق على عناصر "داعش"، فيما دعت عبر مكبرات الصوت عناصر "داعش" المحاصرين في أجزاء من سجن الثانوية الصناعية لتسليم أنفسهم.
وبدأت "قسد" حملة تمشيط لبعض القرى في شمال الحسكة وغربها، ومداهمة بعض المنازل في قريتي خربة إلياس والتوينة، بعد ورود معلومات عن استعداد بعض خلايا "داعش" النائمة للتحرك من تلك المناطق أيضاً.
وفي بيان لها، أكدت قيادة "الأسايش" أنّ قواتها تحاصر حيّ غويران بالكامل، وتقوم بعمليات تمشيط واسعة فيه وفي الأحياء المجاورة، حتى إلقاء القبض على خلايا "داعش" المختبئة.
وسبّبت الاشتباكات العنيفة بين الجانبين، منذ يوم الخميس، انقطاع الكهرباء عن أحياء كثيرة في الحسكة.
وكانت "قسد" قد حاولت، أمس السبت، اقتحام سجن الثانوية مرات عدة، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، حيث يتحصن عشرات العناصر من التنظيم في المهاجع الشمالية للسجن، وتمكنوا من صد الهجمات من خلال القناصين.
وأوضحت مصادر "العربي الجديد" أن قناصي "داعش" يتمركزون ضمن مبنى جديد قيد الإنشاء جانب سجن الثانوية.
بدورها، استقدمت قوات التحالف الدولي عربات "برادلي" القتالية إلى حي غويران، واستهدفت الطائرات الحربية بغارة جوية أحد المباني داخل السجن، إضافة إلى استهداف مبانٍ يتحصن فيها مسلحو "داعش" في حيّ غويران، تزامناً مع اشتباكات عنيفة.
كذلك وصل رتل عسكري تابع لقوات التحالف الدولي إلى محيط السجن، وسط تحليق لمروحيات تابعة للتحالف.
وفي الوقت نفسه، فرضت "قسد" طوقاً أمنياً حول سجن الكم شرقي مدينة الشدادي بريف الحسكة، المخصص لعناصر تنظيم "داعش"، واستقدمت مدرعات وعشرات العناصر إلى محيط السجن، بالتزامن مع فرض حظر تجول على المنطقة.
"قسد" تنفي مقتل جندي أميركي خلال اشتباكات بالحسكة
نفى ناطق رسمي باسم "لواء الشمال الديمقراطي" التابع لـ"قوات سورية الديمقراطية" "قسد"، اليوم الأحد، الأنباء التي تحدثت عن مقتل جندي أميركي اليوم في اشتباكات بالحسكة.
وأكد محمود حبيب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عدم وجود أي ضحايا من قوات التحالف، مشيرًا إلى أن "فوضى الإعلام والتصريحات جعلت المشهد مشوشا ويعج بالأخبار الخاطئة".
من جانبه، قال المتحدث باسم "قوات سورية الديمقراطية" آرام حنا، لـ"العربي الجديد"، إنه لا "يملك تأكيدات حول مقتل جندي أميركي بالحسكة اليوم، وأن التحالف هو من يعلن عن هذا الأمر في حال وقوعه".
وكانت مصادر في الحسكة تحدثت اليوم عن مقتل جندي أميركي خلال اشتباكات بين عناصر"داعش" و"قوات سورية الديمقراطية" في محيط السجن، بعد أن نشرت القوات الأميركية دبابات وعربات برادلي القتالية في محيط السجن، الذي لا يزال يشهد لليوم الرابع اشتباكات عنيفة.
عشرات القتلى والفارين
وكانت "قسد" قد أعلنت أمس مقتل 17 عنصراً من قواتها وعناصر قوى الأمن الداخلي والمتطوعين في المؤسسات الخدمية، منذ بدء هجوم تنظيم "داعش" على سجن الثانوية.
ووفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد بلغت الحصيلة الإجمالية للقتلى منذ الهجوم على السجن 123 قتيلاً، 77 منهم من تنظيم "داعش"، و39 من "الأسايش" وحراس السجن وقوات مكافحة الإرهاب و"قسد"، و7 مدنيين.
وحسب المرصد أيضاً، بلغ عدد الفارين من السجن الذين ألقي القبض عليهم حتى الآن 136 شخصاً، في حين لا يزال العشرات فارين، حيث لا يعرف العدد الحقيقي للسجناء الذين تمكنوا من الهرب من السجن، واصطحبوا معهم العشرات من العاملين في السجن كأسرى، وظهر بعضهم في شريط مصور بثّه التنظيم.
"داعش" يزعم قتل 200 من "قسد"
من جهته، زعم "داعش"، في بيان أصدره أمس السبت، أنه تمكن من قتل أكثر من 200 عنصر من "قسد"، وأطلق سراح أكثر من 800 سجين من سجن الثانوية، مؤكداً استمراره بالقتال "حتى النهاية".
ونقلت وكالة "أعماق" التابعة للتنظيم عن "مصدر عسكري" قوله إن عناصر التنظيم شنوا، مساء الخميس الماضي، "هجوماً واسع النطاق" على سجن الثانوية بشاحنتين ملغّمتين، فجرهما انتحاريان عند بوابة السجن وأسواره.
وأضاف أنه فور وقوع التفجيرين، شُنَّت هجمات من أربعة محاور على السجن، موضحاً أن الاشتباكات خارج الأسوار تزامنت مع سيطرة المساجين داخل السجن على مخزن السلاح وقتل وأسر العديد من الحراس، واقتحام السجن بعد هدم وإحراق جزء منه.
وتحدث عن إحراق نحو 25 آلية متنوعة والاستيلاء على 4 آليات دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة، مضيفاً أن الاشتباكات ما زالت جارية بين الطرفين على 3 محاور: داخل السجن وعند الأسوار وداخل الأحياء القريبة منه.
ونشر التنظيم الإرهابي مشاهد مصورة لما قال إنهم أسرى من "قسد"، إضافة إلى مشاهد تظهر عشرات القتلى قال إنهم من "قسد".
وفي تعليقه على هذه الإعلانات، قال مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" فرهاد الشامي إن الصور التي نشرها "داعش" للمختطفين تخص "العاملين بمطبخ السجن، وقد فقدت قواتنا الاتصال معهم خلال التصدي للهجوم الأول للخلايا الإرهابية على السجن".
وأكد المركز الإعلامي استعادة السيطرة على عدة نقاط في الجهة الشمالية لأسوار سجن الثانوية الصناعية، مشيراً إلى أن القوات تفضّل القبض على محتجزي "داعش" ممن يواصلون عملية الاستعصاء في المهاجع الشمالية للسجن وهم أحياء.
واشنطن: مكافحة تنظيم "داعش" من أهم أولوياتنا
وفي تعليقها على الأحداث الجارية، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم الأحد، التزام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإرساء الاستقرار في شمال شرق سورية، ودعم "قوات سورية الديمقراطية".
وقال تيري فلين، مدير فريق الاستجابة والمساعدة للانتقال في سورية، إن مسألة مكافحة تنظيم "داعش" هي من أهم أولويات سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية، وستستمر واشنطن وقوات التحالف الدولي بالعمل مع شركائها على الأرض لضمان هزيمة التنظيم.
وأضاف في تصريح لوكالة "نورث برس" المقربة من الإدارة الذاتية لمناطق شمال وشرق سورية "نعمل مع الشركاء لضمان الاستقرار في المناطق المحررة، لأن "داعش" يستفيد من انعدام الاستقرار، ويستمر بإلهام الإرهابيين حول العالم".
وحول الموقف الأميركي المعلن، قال حكمت حبيب، الرئيس المشترك للمجلس التشريعي في إقليم الجزيرة التابع لـ"الإدارة الذاتية" الكردية، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن "هناك "تقاعساً دولياً في إجراء محاكم لعناصر (داعش) الذين ارتكبوا جرائم بحق السوريين، لكن هذا الأمر لم يلق تجاوبا".
ووصف حبيب السجون التي يتم فيها اعتقال عناصر "داعش" بأنها "قنابل موقوتة"، ودعا في الوقت ذاته المجتمع الدولي لدعم "قسد" وتزويدها بالمعدات اللازمة، مشيرا إلى أن "قسد" الآن تحارب الإرهاب بدلا من العالم، ومن الواجب دعمها بجدية وليس التخلي عنها.
النظام يتهم "قسد" وقوات التحالف
من جانبها، دانت وزارة خارجية النظام السوري ما وصفته بـ"الأعمال التي أدت إلى نزوح آلاف المواطنين السوريين في محافظة الحسكة وزيادة معاناتهم".
وطالبت خارجية النظام السوري بانسحاب القوات الأميركية من شمال سورية الشرقي والقوات التركية من شمال سورية الغربي، معتبرة أن "ما تقترفه القوات الأميركية ومليشيات (قسد) أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية".
ونقلت وكالة "سانا" عن بيان للوزارة قوله: "ارتكبت عصابات (داعش) و(قسد) خلال الأيام القليلة الماضية مجازر بحق المدنيين، وتدميراً هائلاً في البنى التحتية بمحافظة الحسكة، وقد شاركت قوات الاحتلال الأميركي، وخاصة سلاح الطيران، بشكل همجي، في هذه الجرائم التي راح ضحيتها المدنيون الأبرياء، بمن فيهم كبار السن والأطفال والنساء من أبناء هذه المحافظة، التي عانت الكثير خلال السنوات الماضية نتيجة للممارسات الدموية لهذه الأطراف".
وأضافت: "أجبرت آلاف الأسر والعائلات على الرحيل مع أبنائها من منازلها بحثاً عن ملاذات آمنة في المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، وتلقت هذه الأسر العناية العاجلة من مأوى وأدوية ومياه نظيفة وأجهزة تدفئة ومواد إغاثية، على الرغم من الضائقة التي تمر بها المحافظة بشكلٍ خاص، وسورية بشكلٍ عام".
تصعيد في درعا
جنوبي البلاد، أصيب 8 أشخاص، بينهم اثنان بحالة خطرة، نتيجة قصف قوات النظام بقذائف الهاون على مدينة الحراك شرقي محافظة درعا.
وذكر موقع "تجمع أحرار حوران" أن قوات النظام قصفت أيضاً بلدة المليحة الشرقية من مواقعها في تل الخروف شرقي بلدة ناحتة، بريف درعا الشرقي.
وجاء ذلك عقب اشتباكات بالأسلحة الرشاشة بين مجهولين وقوات النظام على حاجزين عسكريين، أحدهما وسط بلدة المليحة الغربية، والثاني قرب بوابة اللواء الـ52 ميكا شرقيّ درعا.