وسط شروط متبادلة من الطرفين، لا يزال مسار تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري يراوح مكانه منذ أشهر، رغم حديث عن وساطة روسية في وقت سابق، وإمكانية عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.
ونقلت وسائل إعلام تركية عن أردوغان، اليوم الثلاثاء، خلال عودته من روسيا، ولقائه فلاديمير بوتين، قوله إن النظام السوري "لا يتبنى نهجاً إيجابياً تجاه تطبيع العلاقات" مع بلاده، مضيفاً أن تطبيع العلاقات "ممكنٌ إذا تحقق تقدم في مجال مكافحة الإرهاب، وكذا بشأن العودة الآمنة والطوعية للاجئين، إضافةً إلى المسار السياسي".
كما شدد الرئيس التركي على"ضرورة أن يتحرك النظام وفق الحقائق على الأرض"، وأكد على أهمية أن "يبتعد عن التصرفات التي تلحق الضرر بهذا المسار".
وقال إن: "الأسد يتابع من بعيد الخطوات المتخذة ضمن الصيغة التركية الروسية الإيرانية السورية".
فرص التطبيع
وأرجع أردوغان سبب عدم التقدم في عملية التطبيع إلى غياب "موقف إيجابي من الجانب السوري"، مؤكداً في الوقت ذاته على ثوابت أنقرة في هذه المفاوضات والمتمثلة في أمنها القومي على الحدود، موضحاً: "من غير الوارد تغيير نهجنا الذي يعطي الأولوية لأمننا حتى يتم القضاء على العناصر الإرهابية التي تهدد حدودنا ومواطنينا، وإزالة خطر النزوح السكاني".
الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، رأى في حديث لـ"العربي الجديد" أن فرص التطبيع بين تركيا والنظام "كانت ضعيفة جداً، لأن هناك الكثير من نقاط الضعف والكثير من التهديدات والتحديات، في مقابل الكثير من فرص ونقاط القوة"، مضيفاً أن هناك "مصالح تحتاجها تركيا من النظام، من الصعب جداً، ومن غير المتوقع، أن يستجيب لها النظام. أهمها ما يتعلق بعودة اللاجئين، والأمن القومي التركي، والمشاركة الفعلية في محاربة (القوى الانفصالية)، ونحن نعلم جميعاً من فهمنا طبيعة النظام أن هذا الأمر صعب جداً".
وأردف: "بالمقابل خضع النظام لضغوط روسية، رغم أنه كان يروج دائماً، عبر إعلامه، أن تركيا هي جزء من المؤامرة الكونية على نظامه، وهو ما أجبره على الدخول في المفاوضات لمصلحة روسية لأجل أن تستثمر موسكو رغبة أنقرة في التطبيع مع النظام من أجل تسويق تعويم النظام على المستوى العربي والإقليمي، لأن روسيا تحتاج هذا الهامش في رغبة أنقرة بتطوير العلاقات مع النظام من أجل أن تسوق ذلك لمن يستطيع أن يقدم الدعم المالي للنظام من الدول العربية. وهي (روسيا) لا تنتظر فعلياً أن تطبّع أنقرة علاقاتها مع النظام، لأنها لن تقدم أي دعم مالي أو اقتصادي ينقذ النظام من أزماته المستمرة التي تهدد وجوده".
وختم بقوله "أظن أن موسكو حصلت على هذا الأمر جزئياً، لكن في الوقت ذاته لن يفيد هذا الأمر لا روسيا ولا النظام، لأن الأسد بسلوكه كفيل بأن يعطل كل مسارات الحل، سواء مع تركيا أو مع الدول العربية".
الانسحاب التركي والدور الإيراني
يوم أمس، قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، إن "الاحتلال التركي في شمال سورية سينتهي، وتركيا تعلم أن انسحابها هو السبيل الوحيد لإعادة العلاقات بين البلدين إلى ما كانت عليه".
وأضاف المقداد، خلال المؤتمر الاستثنائي الخمسين لاتحاد المؤسسات العربية في دول أمريكا اللاتينية (فيا آراب)، في دمشق: "الاحتلال الأميركي للشمال الشرقي من سورية ونهبه لثرواتها، ودعمه للمجموعات الإرهابية الانفصالية، سينتهي بفضل نضال شعبنا في دير الزور والحسكة، جنباً إلى جنب مع الجيش السوري"، على حد تعبيره.
ويعكس موقف النظام المتكرر تجاه تركيا رفضه المضي في مسار التطبيع، دون انسحاب تركي من الأراضي السورية، والتي تقول أنقرة إنه جاء لحماية أمنها القومي، ومحاربة من تسميهم "القوى الإنفصالية"، ومنع تدفق المزيد من اللاجئين السوريين.
من جانبه يرى الباحث السياسي السوري درويش خليفة أن الدور الإيراني كان أكثر تأثيراً على النظام، وعائقاً أمام تقدم العلاقات التركية مع نظام الأسد، لأن طهران "تريد من جميع القوى الموجودة على الجغرافية السورية أو حتى القوى المحلية المناهضة لمصالحها الخروج من سورية، لتتفرد هي بإدارة النظام وتوجيهه"، مضيفاً أنه "طالما سمعنا تصريحات من مسؤولين إيرانيين وسوريين تابعين للنظام بأن لا تطبيع دون انسحاب تركي، وإنهاء دعم أنقرة للفصائل المعارضة".
ورأى خليفة أن النظام غير مستعجل للتطبيع مع تركيا، لأنه "يعلم أن أنقرة ليس لديها شيء لتقدمه، خاصة أن الأسد الآن يركز على التطبيع مع دول الخليج العربي، لإدراكه أن تركيا لن تقدم شيئاً من استثمارات وإعادة إعمار، بسبب العقوبات الأميركية والغربية وقانون قيصر".
واستبعد خليفة أن تتم عملية التطبيع بين أنقرة والنظام في "أمد قريب أو حتى متوسط"، لأنه لا مصلحة للنظام أو تركيا من هذا التطبيع، كما أن أنقرة "لديها أوراق قوية في الملف السوري، وليست مستعدة من جانبها لأن تنفذ مطالب النظام بالانسحاب".