يفتح اعتذار ولي العهد الأردني السابق، الأمير حمزة بن الحسين، وطلبه "الصفح" أخيراً، في رسالة وجّهها إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الباب أمام العائلة المالكة في الأردن، لترتيب أوراقها من جديد، وإغلاق ملف الخلاف تماماً مع الأمير، إثر قضية "أحداث الفتنة" التي كشف عنها في شهر إبريل/نيسان الماضي، واتهم الأمير حمزة بالتورط فيها، والمشاركة في مخططات هدفها زعزعة أمن الأردن ونظام الحكم، ما جعله يخضع منذ ذلك الحين للإقامة الجبرية.
وجاءت رسالة اعتذار الأمير الأردني، بحسب ما أكد الديوان الملكي الأردني أول من أمس، عن "تصرفات" سابقة بدرت منه، في سياق ما يعرف بقضية "الفتنة"، حين أعلنت الأجهزة الأمنية في إبريل الماضي، أنها تابعت عبر تحقيقات شمولية مشتركة حثيثة، تحركات لولي العهد السابق ومسؤولين آخرين، تستهدف أمن الوطن واستقراره، بحسب الرواية الرسمية. وأدين شخصان آخران بالقضية، هما رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، اللذان يقضيان عقوبة السجن.
رسالة الأمير حمزة بن الحسين
وأشار الأمير حمزة، في رسالته، بشكل صريح، إلى مصطلح الفتنة الذي استخدمته الحكومة والجهات الرسمية لتوصيف القضية، ما يدل على تراجع من قبله، عن النقد الذي كان يوجهه لنهج إدارة الدولة.
تفتح الرسالة إمكانية العفو والصفح عن باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد، المسجونين بقضية الفتنة
وتنبئ الرسالة التي أتت بعد عام كامل من اتهام الحكومة وأجهزتها للأمير حمزة بمحاولة السعي للانقلاب، بأن هناك ترتيبات جديدة داخل الأسرة المالكة، وأن ملك الأردن عبدالله الثاني قرّر التعامل معه داخل نطاق الأسرة، فيما لا يزال مصير عوض الله، والشريف حسن بن زيد، غامضاً، على الرغم من أن إمكانية العفو والصفح عنهما أصبحت أكبر.
وقال الأمير حمزة في الرسالة المنسوبة إليه ونشرها الديوان الملكي أول من أمس: "أخطأتُ يا جلالة أخي الأكبر، وجلّ من لا يخطئ. وإنني إذ أتحمل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر مني من مواقف وإساءات بحق جلالة الملك أو بلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك الذي اعتدنا عليه من جلالتك". وأضاف الأمير حمزة: "أعتذر من جلالتك ومن الشعب الأردني ومن أسرتنا عن كل هذه التصرفات التي لن تتكرر".
وقال بيان الديوان الملكي الأردني، إن "إقرار الأمير حمزة بخطئه واعتذاره عنه يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، على طريق العودة إلى دور أصحاب السمو الأمراء في خدمة الوطن وفق المهام التي يكلفهم بها جلالة الملك".
تنظيم العلاقة داخل الأسرة المالكة
وتعليقاً على الرسالة، اعتبر وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها "تؤشر إلى أن موقف الأمير حمزة خلال الفترة الماضية، لم يكن سليماً، وهذا ما تضمنته رسالة الاعتذار الموجهة إلى الملك".
ورأى المعايطة أن الرسالة "تعني أيضاً إغلاق هذا الملف بشكل كامل". وبرأيه، فإن علاقة الأمير بالملك "لم تصل إلى مراحل جيّدة خلال الفترة الماضية، على الرغم من رسالة الأمير السابقة (5 إبريل 2021)، وأن الأمير طلب عودة العلاقات الشخصية مع الأسرة المالكة إلى مجاريها ليعود كباقي الأمراء، ضمن ما تحدده الأعراف والدستور، وعدم الخروج عن النطاق السياسي المحدد".
توقع متابعون حدوث ترتيبات جديدة داخل الأسرة المالكة، لها علاقة بتحديث قانون الأسرة المالكة
واعتبر المعايطة أن هناك فصلاً كبيراً بين الأمير ومسار محاكمة باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد، مذكّراً بأنه مع بدء القضية، أوكل العاهل الأردني، أمر الأمير حمزة، إلى عمّه الأمير الحسن بن طلال، فيما ذهبت الطرفان الآخران إلى المحكمة، ما يعني أن المسارين منفصلان.
واعتبر الوزير الأردني الأسبق أنه "لا يمكن ربط التطورات والرسالة بمنظومة الإصلاح السياسي، لكن توقيت الرسالة مهم، ويغلق باب التصيّد واستغلال قضية الأمير من قبل بعض الأطراف ومحاولة جعلها قضية ضاغطة على الدولة".
وفي السياق، رأى الباحث الاستراتيجي الأردني عامر السبايلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه بالإمكان اعتبار الرسالة بأنها "خطوة تنقلنا إلى مرحلة إغلاق هذه الأزمة التي كانت مفتوحة، خصوصاً أن هذا يتعلق بأمر حسّاس وبالأسرة المالكة، وبعلاقات داخل العائلة خرجت إلى السطح والرأي العام".
وأضاف السبايلة أنه "اليوم، نستطيع القول إن بوابة هذا الخلاف قد أغلقت"، مشيراً إلى أن الرسالة "تؤسس لمرحلة مقبلة"، متوقعاً أن يلي ذلك "حدوث تغيرات في إدارة هذا الملف، خصوصاً بالنسبة للمسائل المنظمة للعلاقة داخل الأسرة المالكة، لاسيما لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث في المستقبل".
وحول ذلك، شدّد النائب الأردني السابق نبيل غيشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، على أن رسالة الأمير حمزة "هي مصالحة لتنقية الأجواء داخل الأسرة المالكة، وزيادة تلاحمها وإغلاق الملف نهائياً"، معتبراً أن "الرسالة هي اعتذار، والاعتذار في الثقافة الأردنيين دفع ديّة". وتوقع بدوره، أن "تكون هناك ترتيبات جديدة داخل الأسرة المالكة، لها علاقة بتحديث قانون الأسرة المالكة لعام 1937، والذي أقرّ عندما كان الأمير عبدالله الأول أميراً لشرق الأردن، وهو قانون لا يزال سارياً".
وتوقع غيشان تحديث القانون، وتحديد الواجبات والحقوق المالية (داخل الأسرة المالكة)، مضيفاً أنه "لا يجوز لأحد منازعة الملك في ملكه كما نصّ الدستور، والذي أعطى الملك حق تعين ولي العهد". وذكّر بأن الملك عبدالله عيّن ابنه الأمير الحسين ولياً للعهد، وهي "عملية دستورية تامة، كما كان قيام العاهل الأردني الراحل الحسين بن طلال، بتعيين الملك عبدالله ولياً للعهد، مستبعداً أخاه الأمير الحسن بن طلال"، بحسب توضيحه.
ولفت غيشان إلى أن المادة السابعة من قانون الأسرة المالكة في الأردن، تنص على أنه يحق للملك "أن يراقب ما ينفقه أي عضو من أعضاء الأسرة المالكة من المبلغ المخصص لذلك العضو في الميزانية، كما أن له حقّ إلغاء كامل هذه المخصصات أو جزء منها بصورة مستديمة أو إلى أجل معين".
كما تنص المادة 13 على أنه "إذا ارتكب أحد أعضاء الأسرة المالكة أموراً خطيرة تخل بكرامة رتبته الملوكية، فللملك أن يصدر أمراً بإخراج ذلك العضو من الأسرة المالكة لعدم جدارته بالانتساب إليها". ويترتب على تنزيل أحد أعضاء الأسرة المالكة من الذكور بالصورة المذكورة "إخراج زوجته من الأسرة المالكة التي انتمت إليها بسبب زواجها منه، إلا أن ذريته تبقى في الأسرة المالكة ما لم يؤمر بخلاف ذلك صراحة"، بحسب القانون.
وتوقع غيشان تفعيل "مجلس العائلة"، وهو من دون نصّ قانوني حالياً، مرجحاً إعداد نظام لهذا المجلس لتحديد الواجبات والمهام لأعضاء الأسرة المالكة، وللالتزام بالدستور، ولمزيد من الشفافية التي تتوافق مع الإصلاحات السياسية الأخيرة التي شهدها الأردن.
ويأتي اعتذار الأمير حمزة أول من أمس، بعد مرحلة أخذ وردّ بين أطراف العائلة المالكة ومحاولة توظيف الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لذلك، خصوصاً أن الأمير كان ظهر في مناسبات عدة قبيل بروز قضية الفتنة، منتقداً طريقة إدارة شؤون البلاد، وذلك خلال جلسات تمت دعوته إليها، ووجه الأمير خلالها انتقاداته للسياسات والقرارات الحكومية التي قال إنها أفقرت المواطنين.
يذكر أن الأمير حمزة من مواليد عام 1980، وهو الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني، والابن الأكبر للملك الراحل الحسين بن طلال من زوجته الرابعة الملكة نور. نصّب الأمير حمزة ولياً للعهد بعد وفاة والده الملك الحسين بن طلال، وتولي الملك عبدالله الثاني (ولي العهد آنذاك) سلطاته الدستورية ملكاً على الأردن في شباط/فبراير 1999. واستمر الأمير حمزة في منصبه ذاك حتى 28 كانون الأول/ديسمبر 2004، حين أعفي منه، وعيّن الأمير الحسين، نجل الملك عبدالله، ولياً للعهد.
وفي 12 يوليو/تموز الماضي، قضت محكمة أمن الدولة الأردنية بسجن الرئيس السابق للديوان الملكي باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد، لمدة 15 عاماً، لكل منهما، في القضية ذاتها التي أصبحت معروفة إعلامياً بـ"قضية الأمير حمزة" أو قضية الفتنة. وكانت لائحة الاتهام قد أكدت أن هناك ارتباطاً وثيقاً يجمع الأمير حمزة، مع المتهمين المتابعين في القضية، لمساعدتهما في كسب التأييد الخارجي لتدعيم موقف الأمير في الوصول إلى سدة الحكم.