اعتقالات جماعة الخدمة في تركيا تعود إلى الواجهة: شبح متواصل للانقلابات

26 مايو 2024
توقيف مشتبه بالانتماء إلى جماعة الخدمة، أنقرة، 2018 (محمد سليم كركوتاتا/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في تركيا، تتزايد الإجراءات الأمنية والقضائية ضد جماعة الخدمة المحظورة، المتهمة بتدبير محاولة انقلاب في 2016، مع اعتبارها تهديدًا مستمرًا للحكومة.
- الاعتقالات الأخيرة تشمل مئات الموقوفين، بما في ذلك مجموعة مرتبطة بالمافيا، مع توسيع نطاق التحقيقات لكشف المزيد من الارتباطات داخل مؤسسات الدولة.
- منذ 2016، تم اتخاذ إجراءات ضد أكثر من 693 ألف شخص، مع تقارير عن محاكمات غير عادلة، مما يثير تساؤلات حول العدالة وحقوق الإنسان في تركيا.

تتسارع وتيرة الإعلان أخيراً عن اعتقالات تطاول مشتبهين في انتمائهم إلى جماعة الخدمة المحظورة في تركيا، في ظل حديث عن محاولة جديدة من الجماعة لاستهداف الحكومة التركية والتحالف الحاكم (التحالف الجمهوري) عبر سلك القضاء، ما يعيد مسألة عمل جماعة الخدمة في تركيا إلى الواجهة في تركيا مجدداً، خصوصاً أنها متهمة بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2016.

يُذكر أن الجماعة التي يتزعمها الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، مجتثة من مؤسسات الدولة، عبر عمليات التوقيف والاعتقال وأحكام السجن عقب المحاولة الانقلابية، ويبدو أنها صفحة لم تطوَ بعد بسبب التوقيفات المستمرة. وتشمل تلك التوقيفات، خلال الفترة الأخيرة، مئات الموقوفين، بعد إعلان بدء محاكمة مجموعة رجل المافيا أيهان بورا كابلان، المعتقل منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، وعلاقته بمديرين في القضاء والأمن، وتورطهم في تهريب شاهد سري للشهادة ضد الحكومة وانكشاف الأمر، ما يتبع ذلك من توسيع التحقيقات وانتظار صدور نتائجها.

وتعود فصول القضية في أنقرة إلى تصريحات منسوبة إلى الشاهد السري الفار خارج تركيا سردار سرت تشليك، المفرج عنه والمتورط مع عصابة بورا كابلان، توجّه التهم إلى شخصيات حكومية من حزب العدالة والتنمية والحركة القومية في قضية المحاولة الانقلابية. وأدت التحقيقات إلى توقيف معاون رئيس فرع مكافحة الجرائم المنظمة بأنقرة مراد تشليك، والمعاون الثاني شوكت دميرجان، والآمر في القسم نفسه أوفوق غولتكين، ضمن مجموعة من سبعة مشتبه فيهم، الذين يواجهون تهم "محاولة التأثير في موظف القضاء أو الخبراء أو الشهود"، و"كشف السرية عن المهام الموكلة".

وتشكّل عملية هروب سرت تشليك، في نوفمبر/ تشرين الثاني، وانكشافها أخيراً صدمة لدى دوائر الدولة، على إثر مساعدة الموقوفين، ومنهم كبار مديري الأمن في عملية هروبه، وذلك بنقله بواسطة سيارة إسعاف من حبسه المنزلي قبيل دقائق من توقيفه بقضية قتل، ليُنقَل لاحقاً إلى إسطنبول، ومنها إلى الحدود وتهريبه خارج تركيا. وتتطلب هذه العملية تنسيقاً دقيقاً ومعرفة بمجريات القضية، وهو ما يقلق السلطات التي تتعمّق في التحقيقات بالقضية.

ولم يتوقّف الحديث في تركيا عقب ذلك عن محاولات انقلابية عبر مؤسسات حكومية أسوة بعام 2013، بإصدار جماعة الخدمة في تركيا حينها، من خلال مؤسسات القضاء، أوامر بالقبض وتفتيش أبناء وزراء ومسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكن الحكومة تمكّنت من التصدي لتلك المحاولة، ليعود الحديث حالياً عن المحاولة المماثلة بعد اكتشاف ارتباط مديري الأمن بعصابة كابلان.

يأتي ذلك في وقت يتصاعد الحديث فيه من خلال تسريبات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن قاتلي الأكاديمي سنان أتيش، وهو كان رئيس منظمة النسل القومي (أولكو أوجقلاري)، بعملية اغتيال عام 2022 ينتمون إلى حزب الحركة القومية، وأن زعيمها دولت باهتشلي يقف خلف الاغتيال، وذلك وسط تأخر بدء المحاكمة وتنظيم مذكرة الادعاء. كذلك فإن التسريبات تشمل هوية الفاعلين ومشاهد من عملية الاغتيال، وهو ما يُعتبر بالنسبة إلى باهتشلي، حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمراً مثيراً للغضب ودافعاً لإطلاق تصريحات حادة تنعكس اليوم في تكثيف التحقيقات والملاحقات، فيما لم تحسم قضية الاغتيال هذه بعد في التحقيقات والقضاء.

توقيفات تطاول جماعة الخدمة في تركيا

وتترجم هذه التطورات بتنفيذ عمليات توقيف واسعة في عموم تركيا بحق أشخاص مشتبه في انتمائهم إلى جماعة الخدمة، وإعلان وزير الداخلية علي يرلي كايا، الأسبوع الماضي، اعتقال 544 شخصاً بشبهة الانتماء إلى الجماعة في 62 ولاية تركية مختلفة ضمن عمليات أمنية. كذلك تشمل العمليات توقيف 63 مشتبهاً فيهم، الثلاثاء الماضي، في قضيتين: الأولى تتعلق بـ44 شخصاً أغلبهم موظفون بالقطاع العام في 28 ولاية، بأوامر من النيابة العامة في أنقرة، والثاني تتعلّق بـ19 مشتبهاً به في قضية فساد لصالح جماعة الخدمة في تركيا طاولت امتحانات قبول موظفين تعود لعام 2012، وتشمل 18 ولاية، بأوامر النيابة العامة في أنقرة.

تم اتخاذ إجراءات قضائية ضد 693162 شخصاً في ملف مكافحة جماعة الخدمة

وتدفع الاعتقالات والتوقيفات إلى التساؤل عن أعداد الموقوفين والمعتقلين والمحكومين، مع إعلان وزير العدل يلماز تونج، رسمياً في 13 يوليو/ تموز الماضي، إحصائيات الوزارة حول مكافحة جماعة الخدمة في تركيا منذ المحاولة الانقلابية في عام 2016 وحتى الآن. وتقول الإحصائيات إنه "اتُّخِذَت إجراءات قضائية بحق 693162 شخصاً، ولا تزال التحقيقات مستمرة مع 67893 شخصاً، وتستمر المحاكمات الابتدائية لـ 26667 شخصاً".

ويضيف تونج أنه عندما ننظر إلى القرارات النهائية، فالأحكام الصادرة تدين 122632 شخصاً، وهناك قرارات أخرى تخصّ 33983 شخصاً، بالإضافة إلى ذلك ونتيجة التحقيقات هناك قرار بعدم الملاحقة بحق 344848 شخصاً، وببراءة 97139 شخصاً، ويوجد حالياً 12108 مدانين في المؤسسات القضائية.

ويلفت إلى أن هناك 2605 محكومين و826 معتقلاً، أي يوجد في السجون ما مجموعه  15539 معتقلاً ومداناً على أنهم أعضاء في جماعة الخدمة، مبيناً أن القضاء يؤدي دوراً مهماً بشكل خاص في قضايا الانقلاب، وفي 289 قضية انقلابية فعلية، وسط الحكم على 1634 عضواً في الجماعة بالسجن المؤبد المعزز، وعلى 1366 شخصاً بالسجن مدى الحياة. وتشمل الأحكام السجن المؤقت على 1891 شخصاً، فيما هناك 4891 شخصاً في الجماعة مدانين في قضايا انقلاب فعلية، وفي الوقت نفسه فإن 2870 شخصاً لم يُدانوا في هذه القضايا، إلى جانب 964 شخصاً معاقباً. وبما أن الأرقام الرسمية تعود إلى 10 أشهر، يمكن إضافة مئات وربما آلاف الأشخاص الذين يشملهم التوقيف خلال الفترة الحالية، بإعلان مزيد من التوقيفات.

ويتحدث تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش عن تركيا الصادر في يناير/ كانون الثاني 2023، عن أن "هناك عشرات الآلاف من الأشخاص يُزعم أنهم ينتمون إلى الحركة التي يقودها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، والتي تحمّلها الحكومة مسؤولية محاولة الانقلاب العسكري وتعتبرها منظمة إرهابية ويشار إليها باسم منظمة فتح الله الإرهابية". ويضيف التقرير أنه "لا يزال يُكشَف عن تعرضهم (المنتمون إلى الجماعة) لمحاكمات غير عادلة على جرائم تقع في نطاق قانون مكافحة الإرهاب".

وإضافةً إلى مسألة الملاحقات الداخلية المتواصلة بحق الجماعة، سواء في المؤسسات الحكومية بالكشف عن الارتباطات مع قيادات الجماعة، أو من خلال استخدام برامج اتصالات مستخدمة من قبل الجماعة بشكل خاص، أو من خلال الملاحقات التي تحصل خارج تركيا، يدور الحديث باستمرار عن اعتقالات تجري على الحدود التركية مع اليونان، بشأن محاولات عبور الحدود بشكل غير نظامي. يتبع ذلك إعلان السلطات التركية، خلال مايو/ أيار الحالي، توقيف 21 شخصاً في أكثر من عملية لعناصر مرتبطين بتنظيمات محظورة أغلبهم من جماعة الخدمة، وذلك في ولاية أدرنة الواقعة على الحدود التركية مع اليونان.

تشدّد السلطات الأمنية التركية

وعن عودة ملف جماعة الخدمة في تركيا بشكل مكثف أخيراً إلى الواجهة، يقول الكاتب والصحافي التركي غونغور يافوز أصلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بين الحين والآخر تتزايد الاعتقالات بشبهات الانتماء إلى الجماعة بعد ظهور معلومات ووثائق جديدة، وخصوصاً الاعترافات، من قبل الجهات الأمنية". ويضيف أنه "من وقت لآخر تظل الجهات الأمنية متشددة في ما يتعلق باحتمال أن تكون بعض العناصر الموجودة داخل الشرطة مرتبطة بالجماعة".

غونغور يافوز أصلان: جماعة الخدمة لا تزال موجودة في بعض مؤسسات الدولة

وبرأي يافوز أصلان، فإنه "ليس من المتوقع حصول انقلاب كبير مسلح بسبب ضعف وجود الجماعة في القوات المسلحة، لكن لا تزال موجودة ولو نسبياً في بعض مؤسسات الدولة، والحكومة تعمل على القضاء عليها".

من ناحيته، يقول الصحافي والكاتب التركي جلال دمير، في الموضوع نفسه لـ"العربي الجديد"، إن "الاعتقالات الأخيرة للمشتبه فيهم بارتباطهم بجماعة الخدمة ليست جديدة، إذ إن الوحدات الأمنية ذات الصلة والمخابرات تقوم بهذا العمل دائماً". لكنه يلفت إلى أن الاعتقالات، وخصوصاً تلك التي تتخذ من أنقرة مقراً لها، تتزايد في الآونة الأخيرة، وربما تتسارع أكثر قليلاً بسبب قضية أيهان بورا كابلان".

المساهمون