تشكّل الاعتقالات التي تقوم بها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المسيطرة على منطقة شمال وشرق سورية، هاجساً لدى شبان قرى وبلدات المنطقة، لا سيما في محافظتي دير الزور والرقة شرقي البلاد، حيث نشط تنظيم "داعش" هناك إبان سيطرته في سورية، إذ توجّه "قسد" وأذرعها الأمنية للشبان الذين تعتقلهم تهم الانتماء لـ"داعش"، أو التعاون مع خلاياه النشطة التي تنفذ هجمات بين فترة وأخرى.
ويشتكي الأهالي من كون اعتقالات "قسد" تلك بمعظمها كيدية، لا أساس لها على أرض الواقع، معتبرين أنها تستهدف رافضي مشروع "الإدارة الذاتية" الكردية لشمال وشرق سورية، التي تعد "قسد" ذراعها العسكرية، ويقود الأكراد صفوفها الأولى، في حين أن غالبية سكان المنطقة هم من المكون العربي.
اعتقالات "قسد" تستهدف رافضي مشروعها
ويتعرض الشبان المعتقلون للتعذيب في سجون "قسد"، فيما ارتفعت أصوات الأهالي بأن أجهزة "قسد" الأمنية تمارس العنف لسحب الاعترافات من المعتقلين لإيجاد مبرر لاعتقالهم أو الحكم عليهم قضائياً بالسجن، فيما قضى بعض المعتقلين تحت التعذيب. ودقّ هذا الأمر ناقوس الخطر لدى الأهالي خوفاً على حياة أبنائهم، وهو يحذر من انتفاضة جديدة من قبل الأهالي ضد تلك القوة المدعومة من الولايات المتحدة.
قضى بعض معتقلي "قسد" تحت التعذيب
وفي 19 فبراير/شباط الحالي، أبلغت "قسد" ذوي أحد المعتقلين في سجونها بوفاته بعد اعتقال دام أكثر من 7 سنوات، من دون توضيح أسباب الوفاة، ومن دون أي تعليق أو وعود بالتحقيق والمحاسبة من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
حينها، قالت شبكة "مراسل الشرقية"، وهي شبكة محلية مهتمة بأخبار المنطقة الشرقية من سورية، إن "قسد" أبلغت ذوي الشاب بشار محمد السلامة بوفاته في سجونها، مبينة أنه كان معتقلاً لدى "قسد" منذ عام 2017. وشدّدت الشبكة على أن الشاب مدني ولم ينتسب إلى أي فصيل مسلح ويتحدر من مدينة القورية شرقي محافظة دير الزور، شرقي سورية.
وأشارت الشبكة إلى أن شقيق بشار الأكبر توفي أيضاً تحت التعذيب في سجون "قسد" في الحسكة أثناء محاولته الدخول إلى مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" المعارض والحليف لتركيا، في الشمال السوري، مبينةً أن شقيقه من عناصر "الجيش الحر" السابقين في محافظة دير الزور.
وفي تصريح سابق لـ"العربي الجديد" حين إبلاغ "قسد" ذوي المعتقل عن وفاته، قال الناشط عبد الحكيم البخيت، مسؤول شبكة "عكيدات نيوز" العاملة في منطقة ريف دير الزور، إن "موضوع اعتقالات قسد التعسفية، خصوصاً في منطقة دير الزور، أصبح أمراً معتاداً جداً"، مؤكداً أن "بشار ليس أول قتيل تحت التعذيب في سجون قسد، فهناك العشرات من أبناء المنطقة الذين اعتُقلوا وعادوا إلى ذويهم جثثا هامدة بعد اعتقال دام أسابيع أو أشهرا أو سنوات".
علاوي: "قسد" تلجأ إلى ضبط الأمن من خلال الترهيب بالاعتقال
وأوضح البخيت أن "قسد سلّمت قبل مدة شاباً مدنياً من أبناء قبيلة العكيدات، يتحدر من مدينة الشحيل في ريف دير الزور الشرقي، إلى ذويه جثة هامدة بعد اعتقال دام قرابة ثلاثة أشهر". وتابع بأن "حالات الوفاة نتيجة التعذيب داخل سجون قسد أو الإهمال الطبي الذي يؤدي إلى الوفاة هي حالات متكررة، ووثقنا عشرات الوفيات من أبناء محافظة دير الزور الذين توفوا في سجون قسد".
وأشار البخيت إلى أن "قسد دائماً ما تُلفق تهماً للأشخاص، الذين يعارضون مشروعها، بالانتماء أو التعامل مع تنظيم داعش بالدرجة الأولى، والتهمة الثانية هي التعامل والتخابر مع الجيش الوطني السوري وتركيا"، مشيراً إلى أن "قرى وبلدات دير الزور تشهد بشكلٍ أسبوعي حملات أمنية من قبل قسد، يُعتقل خلالها العديد من المدنيين، بينهم مسنون ونساء، من دون أي محاسبة لا من التحالف الدولي ولا من جهة ثانية راعية لقسد في المنطقة".
ويعتبر سكان منطقة شمال وشرق سورية، بغالبيتهم العربية، من أبناء العشائر والقبائل العربية، وتنذر اعتقالات "قسد" بأزمات تقوم على الثأرية وتفاقم الحنق على "قسد" و"الإدارة الذاتية" من قبل سكان المنطقة.
وليل الجمعة الماضي، اعتقلت الاستخبارات التابعة لـ"قسد"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، خلية تتألف من 6 أشخاص، بتهمة الانتماء لـ"داعش" وتنفيذ عمليات اغتيال في مدينة الحسكة في أقصى شمالي وشرقي البلاد. وبحسب المعلومات التي نقلها المرصد، فإن المعتقلين يتحدرون من مدينة درعا، وجرت مداهمة منزلهم واقتيادهم إلى مركز أمني.
وفي منتصف الشهر الحالي، داهمت دورية تابعة لـ"قسد" منزلاً في مدينة الشحيل بريف دير الزور الشرقي واعتقلت من فيه، وذلك بتهمة الانضمام إلى المسلحين المحليين في القتال ضد "قسد".
ولفت مدير مركز "الشرق نيوز" الإخباري فراس علاوي إلى أنه منذ سيطرة "قسد" على منطقة شرق الفرات، لجأت إلى سياسة الاعتقالات والترهيب، موضحاً أن تلك الاعتقالات تأتي من دون محاكمات أو مذكرات قانونية أو تحقيقات رسمية، وتحكمها العشوائية.
جوان محمد: لا بد من وجود قبضة أمنية لأن الأجهزة الأمنية تتعامل مع أعتى التنظيمات الإرهابية
وأضاف علاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التهمة الرئيسية في أعقاب تلك الاعتقالات هي الانتماء لتنظيم داعش"، مشيراً إلى أن "نسبة كبيرة من الشبّان الذين يُعتقلون ليس لهم أي انتماء لداعش، بل إن منهم من كان في صفوف المعارضة سابقاً، وقاتل التنظيم".
وأوضح علاوي أن "الاعتقالات تحصل لأسباب كيدية، بسبب خلافات عشائرية سابقة، أو الأذية أو المنافع والغايات الشخصية، وأحياناً عن طريق الخطأ أو المعلومات الخاطئة، حتى إن التحالف الدولي أخطأ في العديد من المرات من خلال الاعتقالات، حينما نفذ عمليات إنزال كبيرة لاعتقال أشخاص متهمين، وتبين إما أن المعلومات خاطئة حول انتماء الأشخاص، أو أنه لا يوجد متهمون من الأساس". ولفت إلى أن "قسد تريد ضبط المنطقة أمنياً، وإظهار فرض السطوة، لكن ليست لديها آلية واضحة لذلك، لا سيما أن السواد الأعظم من أبناء المنطقة لا يقبلون قسد، وبالتالي تلجأ إلى هذه السياسة من خلال الترهيب بالاعتقال، وهي سياسة أثبتت فشلها".
قبضة أمنية لملاحقة "داعش"
من جهته، قال الرئيس المشترك لاتحاد المحامين التابع لـ"الإدارة الذاتية" في إقليم الجزيرة جوان محمد إن النظام القضائي في شمال وشرق سورية تأسس عام 2013، أي مع ولادة مشروع "الإدارة الذاتية"، وهذا النظام قائم على المحاكم ولديه أصول وقوانين وإجراءات ضابطة تعمل على أعلى المستويات، وهذه المحاكم مفتوحة أمام جميع المواطنين في المنطقة.
وأوضح محمد، لـ"العربي الجديد"، أنه "إبان سيطرة داعش ما بين 2014 و2019، كان لا بد من وجود قبضة أمنية مع انتشار داعش لفرض الاستقرار، وحتى بعد ذلك، والتحقيقات التي قامت وتقوم بها الجهات الأمنية هي تحقيقات دقيقة وتقوم بشكل احترافي". ونفى وجود اعتقالات تعسفية، "لكن لا بد من وجود قبضة أمنية لأن الأجهزة الأمنية تتعامل مع أعتى التنظيمات الإرهابية"، وفق قوله.
ولفت محمد إلى أن "مرحلة التحقيقات قبل المحاكمة تتم بشكل دقيق قبل إحالة المتهمين إلى "محاكم الدفاع عن الشعب"، وأيضاً هناك مراجعات لمن يثبت عدم تورطهم، وحدثت وساطات عشائرية للإفراج عن معتقلين وموقوفين لم يتورطوا بشكل مباشر في دماء المدنيين، وأُطلق سراح عدد كبير منهم، بالإضافة إلى أن الأجهزة الأمنية والمحاكم والأجهزة القضائية تفتح مكاتبها أمام المراجعين للشكاوى في حالة الظلم ومراجعة الملفات، وأيضا محاكم الدفاع عن الشعب متاحة أمام الناس من خلال توكيل المحامين للاستفسار عن الموقوفين بكل شفافية"، بحسبه.