يدور النقاش في ألمانيا هذه الأيام، بعد أعمال الشغب والعنف التي قام بها أنصار الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، حول اتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد ميول تعبئة القوى الراديكالية في البلاد، لا سيما وأن تقارير أميركية مختلفة أفادت أن أحداث الكونغرس تم التحضير لها مسبقا وحصلت بطريقة منظمة.
فمن وجهة نظر الخبير في معاداة السامية ميشائيل بلومه، فإن الصور أمام الكونغرس يمكن أن يكون لها تأثير متطرف على المشهد المحيط باحتجاجات كورونا في ألمانيا، واعتبر خلال تصريحات لصحيفة "شتوتغارتر تسايتونغ"، أن "حركة المؤامرة في الولايات المتحدة تشبه إلى حد بعيد الحركة في ألمانيا، حتى ولو كانت المخاطر أقل حاليا".
وبين بلومه، أن الناس "عندما تجد تراخيا لدى السلطة فإن سيادة القانون تتراجع".
ولم يتردد الباحث في فكر اليمين المتطرف بجامعة "غوتنغن"، ميشائيل لومان في مقابلة مع برنامج "إيه اردي كابيتال"، في الإشارة إلى أن ما حصل في برلين الصيف الماضي، قابل للمقارنة إلى حد ما بواقعة الكونغرس "لأن الموقف مشابه، فهناك كراهية وغضب تجاه الإعلام والسياسيين والديمقراطية، عدا عن أن هناك أساسا للمؤامرة الايديولوجية".
وهذا الأمر حذر منه أيضا نائب رئيس كتلة الحزب المسيحي الديمقراطي في البرلمان، يوهان فادفول، مطالبا بحماية الديمقراطية الضعيفة في البلاد وتحصينها، مستذكرا ما أقدم عليه سياسيون من حزب البديل، خلال نوفمبر الماضي، على تهريب ناشطين إعلاميين من اليمين إلى داخل البرلمان، وقاموا بمضايقة النواب على هامش جلسة عامة.
ولم تتأخر التعليقات للتساؤل عن كيفية الشعور بالأمان في أوروبا، بعدما تبين أن أقدم الديمقراطيات في العالم لم تكن محصنة ضد الهجمات؟ كل ذلك ولم ينس السياسيون الألمان بعد، وبينهم الرئيس فرانك فالتر شتاينماير ووزير الخارجية هايكو ماس، كيف لوح معارضو الديمقراطية من اليمين المتطرف ومتظاهرون آخرون بأعلام الرايخ خلال أغسطس الماضي على درج البرلمان.
وفي هذا الإطار، بينت شبكة التحرير الألمانية أن رئيس البرلمان فولفغانغ شويبله، وبعد دخول أنصار ترامب إلى الكونغرس بالقوة عمد إلى دراسة العواقب على البرلمان، وأعلن أخيرا أنه يقوم وبالتنسيق مع ضباط الأمن بحماية الكتل والبرلمان، كما ينسق مع شرطة ولاية برلين ووزارة الداخلية بدراسة النتائج التي يمكن استخلاصها من أحداث واشنطن لحماية البرلمان.
ولهذا الغرض فقد تم أيضا طلب تقرير من السفارة الألمانية في واشنطن يحدد كيفية حدوث التجاوزات والعنف أمام وداخل مبنى الكونغرس.
أثار ترحيب مؤيدي ترامب في ألمانيا قلق السلطات الأمنية
حتى إن وزيرة الدفاع آنيغريت كرامب-كارنباو، قالت أخيرا لصحيفة "دي فيلت"، إنه يجب تأمين حماية البرلمان ضد جميع الهجمات، مضيفة في حديثها أنه يمكن الملاحظة في جميع أنحاء العالم، وكذلك في ألمانيا يمكن بـ"وجود اتجاهات نحو التطرف، ولا يمكن استبعاد أن تشجع صور الشغب في واشنطن البعض في بلادنا. سيكون من الممكن مراقبة تصرفات البديل اليميني الشعبوي عن كثب عند مناقشة تدابير احتواء كورونا الاسبوع المقبل في البرلمان، الذي سعى في جلسات سابقة لإثارة وتأجيج الوضع".
إلى ذلك، أثار ترحيب مؤيدي ترامب في ألمانيا قلق السلطات الأمنية، حيث أبدى رئيس هيئة حماية الدستور في ولاية "تورينغن" شتيفان كرامر مع صحيفة "تاغس شبيغل"، خشيته من الهجمات على البرلمان، وعلى جميع برلمانات الولايات، بعد أن يحفز اقتحام الكونغرس اليمين المتطرف ومواطني الرايخ في ألمانيا، وبعدما تبين أن مناصري ترامب الألمان احتفلوا عبر شبكة الإنترنت بأحداث الشغب في واشنطن.
في المقابل، أبرزت التقارير الصحافية أن البديل يحاول أن ينأى بنفسه عن أعمال الشغب في واشنطن، ومن أن كتلة البديل تعتبر أن الشغب في واشنطن يشكل هجوما عنيفا على أعلى مؤسسات الديمقراطية في أميركا، وأن أي يشخص يقارن بين ما حصل في الكونغرس وبين تلك المظاهرات التي حصلت أمام مبنى البرلمان في برلين يلمح إلى أن الحزب يتعاطف مع هذه الأحداث، ويسيء استغلال الأحداث الفوضوية لأغراض سياسية حزبية في ألمانيا.
حتى إن نائبة حزب البديل بياتريكس فون شتورش اعتبرت أن الهجوم على مبنى الكونغرس كان هجوما على سيادة القانون.
وفي هذا السياق، قالت وزيرة العدل كريستين لامبرشت لصحيفة "هاندلبسلات"، إن أحداث الكونغرس "جرس إنذار، وسيكون أكثر إلحاحا، وبعد ما قيل عن أن أعمال الشغب في واشنطن تم تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يجب وضع التزامات ملزمة لمنصات الإنترنت في أوروبا من أجل حماية الانتخابات ومحو خطاب الكراهية واتخاذ إجراءات منهجية ضد الأكاذيب وأساطير المؤامرة، وسيكون الهدف حماية الديمقراطيات من المحرضين على الكراهية والعنف على الإنترنت".
تجدر الإشارة إلى أنه وبعد أعمال العنف في مبنى الكونغرس قامت شرطة برلين بتشديد تدابيرها الأمنية الوقائية للمباني الهامة في العاصمة، وقال المتحدث باسم الشرطة، إن ذلك شمل مبنى البرلمان الاتحادي ومباني تخص ممثليات الولايات المتحدة الأميركية.