لاقت التعديلات الجديدة على قانون الأحزاب في الأردن، انتقادات عديدة، واعتبر حزبيون ومراقبون أنها تفرض شروطاً قاسية على الأحزاب، خصوصاً أنه من المتوقع أن تُحدث تغييراً عميقاً في الخريطة الحزبية، يرى بعض السياسيين أنها تستهدف أحزاباً معارضة ناشطة منذ عقود.
وبعد إصدار القانون الجديد في الجريدة الرسمية في 14 إبريل/نيسان الماضي، والذي جاء في إطار تحديث المنظومة السياسية في الأردن، والذي شمل أيضاً قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية التي وسّعت صلاحيات الملك، شهدت الساحة السياسية في البلاد نشاطاً من قبل أحزابٍ قائمة وأخرى تحت التأسيس (55 حزباً قائماً، وحوالي 20 قيد التأسيس) للإيفاء بشروط القانون الجديد الذي تشدّد في مسألة المؤسسين وعقد المؤتمر التأسيسي واشتراط ضمّ نسبة 20 في المائة من النساء والشباب.
قانون الأحزاب الجديد بالأردن: نوايا معلنة ومبطنة
الأمينة العامة لحزب "الشعب الديمقراطي" الأردني (حشد)، النائبة السابقة عبلة أبو علبة، قالت في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القانون الجديد للأحزاب السياسية، تضمّن شروطاً على الأحزاب، سواء الناشئة أو القديمة، لم تكن واردة في القانون السابق، الأمر الذي يطرح سؤالاً مشروعاً حول هدف التغيير الذي وقع في مواد القانون الجديد.
تشدّد قانون الأحزاب في مسألة المؤسسين وعقد المؤتمر التأسيسي واشتراط ضمّ نسبة 20 في المائة من النساء والشباب
وتساءلت أبو علبة: "ما هي الحكمة من اشتراط تقديم ألف عضو ثمّ عقد مؤتمر وجاهي بنصف هذا العدد، وإذا لم يتحقق هذا الشرط، على درجتين، يعتبر الحزب منحلاً؟ واعتبرت أن الرسالة الموجهة "سلبية جداً وتتضمن توجهاً رسمياً بالاستمرار بالتضييق على الأحزاب السياسية وربما دفعها للاندثار".
ولفتت النائبة السابقة إلى أن "الأحزاب القومية واليسارية قدّمت وجهة نظرها في مذكرات تفصيلية إلى كل من مجلس النواب والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والرأي العام، ولكن الإصرار الرسمي على بقاء هذه الشروط أفصح عن النوايا السلبية تجاه الأحزاب السياسية القائمة ذات اللون اليساري والقومي تحديداً". ورأت أن "جميع الأحزاب السياسية القديمة تستطيع تلبية هذه الشروط، ولكن الجهود الإدارية المطلوبة كبيرة ولا داعي لها أصلاً".
أما حول فكرة الاندماج بين الأحزاب من أجل تخطي هذه الشروط، فرأت أبو علبة أن "هذا مطلب متعسف يتنافى مع مبدأ التعددية السياسية، والأصل أن الاندماج بين الأحزاب يقوم على التماثل السياسي والبرامجي ويبقى اختيارياً لدى كل حزب، وليس ضرورة من أجل تجاوز الشروط الواردة في القانون".
وبرأي الأمينة العامة لحزب "الشعب الديمقراطي" الأردني، فإنه "قد اتضح بما لا يقبل الشك أن القانون الجديد ينطوي على مناورة كبرى من أجل إعادة إنتاج النخب السياسية ذاتها في المواقع التنفيذية والتشريعية وذلك من خلال أحزاب لها برامج واتجاهات متماهية مع المؤسسة الرسمية، ويدعمها قانون الانتخابات النيابية الجديد الذي ربط الفوز في الانتخابات بنسبة حسم 2.5 في المائة من مجموع المقترعين".
وفي الوقت نفسه، رأت أبو علبة أن هناك العديد من المواد الإيجابية في قانوني الأحزاب والانتخابات، "تتعلق بتشجيع النساء والشباب على الانخراط في الحياة السياسية"، لافتة رغم ذلك إلى أن تفعيل هذه المواد "مرهون بالإجراءات".
تساؤلات مشروعة حول تجاوز فوبيا الأحزاب
بدوره، رأى الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني، مراد العضايلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قانون الأحزاب "يجب أن يكون قانون حريات وألا يتضمن اشتراطات أو عقوبات"، مضيفاً أن الأهم في تنمية الحياة الحزبية "ليس قانون الأحزاب الذي ينظم عملية التسجيل وقوننتها، بل إن "المشكلة الأساسية ترتبط بعوامل أهمها المناخ السياسي، فالتدخل الأمني في الحياة المدنية يجعل قانون الأحزاب بلا تأثير".
وأكد العضايلة أن حزب "جبهة العمل الإسلامي" قادر على تجاوز الاشتراطات الجديدة للقانون، "لكننا عندما نتحدث عن القانون ننطلق من المشهد العام".
ولفت في هذا السياق، إلى أن "تطور الحياة الحزبية يرتبط بالبيئة التشريعية والمناخ السياسي، فالبيئة التشريعية ترتكز على قانون الانتخاب ونظام تمويل الأحزاب، والأمر الآخر مرتبط ببيئة العمل السياسي وعدم التدخل الأمني"، مشدداً على أن "المناخ السياسي الحالي في الأردن من تضييق على الحريات، لن يؤدي إلى قيام حياة حزبية تنافسية برامجية صحيحة"، وأن "هندسة الأحزاب لن تنتج حياة حزبية".
وشدّد الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" الأردني على أهمية عدم ملاحقة المتحزبين أمنياً، وعدم خوفهم على أرزاقهم ووظائفهم، مضيفاً أن هناك "شعوراً شعبياً بأن المتحزب يتضرر هو وأولاده وأقاربه". واعتبر أن قوانين التحديث السياسي "لم تحدث حتى الآن تغييراً حقيقياً في واقع الممارسة السياسية".
مراد العضايلة: المشكلة الأساسية ترتبط بالمناخ السياسي والتدخل الأمني في الحياة المدنية
من جهته، اعتبر النائب السابق وأحد الأعضاء المؤسسين لمشروع حزب "إرادة" (قيد التأسيس) مصطفى ياغي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القانون الجديد يشكل دافعاً لكل الأحزاب، المسجلة وقيد التأسيس وفق أساس برامجي، للمشاركة في السلطة والانتخابات خاصة البرلمانية بعد تخصيص 41 مقعداً للأحزاب، إضافة إلى المنافسة على المقاعد المحلية.
ورأى ياغي أن القانون الجديد "جاء ليؤكد أن البرلمانات لن تستعيد عمقها أو تقوم بدورها التشريعي والرقابي إلا من خلال عمل حزبي برامجي منظم"، مضيفاً أن "النهوض الوطني من خلال هذا العمل ليس فقط الحصول على مزايا كان يوفرها القانون القديم من خلال نظام تمويل الأحزاب، بل أن تكون تلك الامتيازات مرتبطة بالإنجاز وحجم التنوع، ومحاولة تمكين الشباب والنساء".
وبحسب ياغي، فإن القانون الجديد جاء "بإضافة مهمة، وهي تجريم من يتعرض للعمل الحزبي، وبالتالي تجاوز مرحلة الخوف والفوبيا والإسقاطات السابقة المتعلقة بأذهان الناس عن العمل الحزبي".
وحول حزب "إرادة"، قال ياغي إن الحزب حاول العمل بطريقة مختلفة عن الآخرين، ولم يركز على النخب، بل انطلق للمحافظات والبوادي والمخيمات، لتأكيد أهمية الحياة الحزبية في المرحلة المقبلة، ونشْر أفكار ومبادئ الحزب لاستقطاب الناس الذين يتوافقون معها.
ولفت النائب السابق إلى أن عدد أعضاء حزب "إرادة" وصل حالياً إلى حوالي 1300، وجميعهم شركاء في التأسيس وبناء الحزب، مشيراً إلى أن هناك من يتفاعل مع القانون الجديد، لكن ما زال هناك الكثيرون الذين يعيشون بعقلية الماضي في النظر للحياة الحزبية، فيما هناك من وصل به الأمر إلى الإحباط تجاه مختلف السياسات الحكومية.
جدل دائم حتى الانتخابات الأردنية المقبلة
أما الأمين العام للحزب "الديمقراطي الاجتماعي" الأردني، النائب السابق وعضو مجلس الأعيان الحالي جميل النمري، فقال في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن القانون الجديد بذاته "لا يحدث تحولات، ولا ينشئ أحزاباً قوية، وهذه عملية تعتمد على الأحزاب نفسها ومشاريع الأحزاب، وإرادة الدولة بنشوء أحزاب تمثل مختلف التيارات الرئيسية في المجتمع".
وأضاف النمري أن قانون الأحزاب "وضع محددات من أجل منع تفتت الأحزاب والحد الأدنى للمؤسسين، وهي بمثابة إعادة تأسيس حتى للأحزاب الموجودة والفاعلة، حيث سيُعامل جميع الأعضاء القدامى والجدد كمؤسسين في الحزب الذي سيعاد ترخيصه".
ورأى النمري أن المشكلة تكمن خصوصاً "في التمويل المتواضع جداً، مقارنة بالدور الذي ستضطلع به الأحزاب"، مطالباً بتحويل التمويل كأداة تحفيز لتوحيد الأحزاب المتشابهة، وتوسيع الديمقراطية الحقيقية داخل الأحزاب". وأضاف أنه "كحزب ديمقراطي اجتماعي، نحاول أن يكون كل يسار الوسط في إطار موحد، إضافة إلى جذب الشباب للعمل الحزبي"، محذراً من أن "التحشيد للمنتسبين من دون دراية بلون الحزب من أجل الترخيص نهاياته بائسة".
ومن حيث المبدأ، شدّد عضو مجلس الأعيان على أنه "يجب ألا تكون هناك اشتراطات على تأسيس الحزب، لكن اللجنة التي صاغت القانون أرادت بعث رسائل من أجل التطوير والتقدم وجعل ذلك ملزماً، في الأعداد والمشاركين من النساء والشباب وسكان المحافظات"، مضيفاً أنه "كحزب لا نرى في ذلك عائقاً لتكوين الأحزاب، ونحن قبلنا الشروط، وهي شروط معقولة لحزب يريد أن يشارك في السلطة".
النمري: الحديث عن دعم حكومي أو هندسة وتصنيع أحزاب حكومية لا يخدم تلك الأحزاب التي تنالها هذه السمعة
وحول هندسة الأحزاب، اعتبر النمري أن "الحديث عن دعم حكومي أو هندسة وتصنيع أحزاب حكومية لا يخدم تلك الأحزاب التي تنالها هذه السمعة"، مستبعداً أن تكون "الدولة أو الجهات الأمنية قادرة على صناعة أحزاب حقيقية، إذا لم يحدث ذلك من قبل الفاعلين والمشاركين". ورأى أن "المطلوب من الدولة عدم إعاقة العملية، وأن تنثر أجواء ثقة بالعملية الحزبية وتبديد المخاوف من العمل الحزبي والمشاركة السياسية".
ومن المتوقع أن يغيّر القانون الجديد واقع الحياة الحزبية في الأردن، وطبيعة الحياة السياسية، في ظل توقعات بحصول الأحزاب المقربة من السلطة على النسبة الأكبر من المقاعد المخصصة للأحزاب. لكن الجدل حول القانون سيبقى قائماً حتى تكشف الانتخابات المقبلة "إدارة ونتائج" واقع الحياة السياسية الجديدة في البلاد.
وعن ذلك، قال الكاتب الصحافي والمحلل السياسي، ماجد توبة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تطوير الحياة الحزبية لا يعتمد على قانون الأحزاب بشكل وحيد، بل قانون الانتخاب، وهو الأهم، والمدخل الحقيقي للعمل السياسي والحزبي والبرلماني الصحيح؛ فالقانونان متكاملان، إضافة إلى ضرورة إشاعة أجواء الحرية، وتوفير بيئة حاضنة وصديقة للعمل الحزبي من خلال إجراءات ومواقف رسمية تجاه الأحزاب وليس كالواقع الحالي والمواقف السلبية تجاه العمل الحزبي وخصوصاً المعارض.
ولفت توبة إلى أن أبرز الانتقادات للقانون الجديد اشتراط عدد كبير من المؤسسين، مضيفاً أن هناك من رأى أن ذلك محاولة لاستهداف بعض الأحزاب القائمة التي يصعب عليها تكييف أوضاعها، علماً أن المهم هو "إنتاج الحزب وعمله ومبادئه وأفكاره، التي تنعكس على الانتخابات، وليس العدد مهماً".
ورأى توبة أن القوانين الجديدة فيها إيجابيات وتطور مقارنة بالقوانين السابقة، خصوصاً قانون الانتخاب والقائمة العامة، لكن هناك حاجة لبيئة تدعم العمل الحزبي. أما الأهم، فهو "وجود إرادة سياسية حقيقية تدعم العمل الحزبي من مختلف الفئات والمنطلقات الفكرية"، بحسب قوله.
ولفت الكاتب الصحافي إلى أن بعض المشاهدات والقرارات حتى بعد إقرار قوانين تحديث المنظومة السياسية، تكشف عن عداء للعمل الحزبي في الأردن، كما أن هناك محاولة لتخليق وتصنيع أحزاب قريبة من السلطات، تستحوذ على الكعكة التي طرحت في القوانين الجديدة.