لا تخفي بعض الأحزاب السياسية في تونس المساندة والموالية للرئيس قيس سعيّد ولمسار 25 يوليو/ تموز 2021 قلقها من تهميشها في المشهد السياسي الجديد، الذي لم يعد فيه للأجسام الوسيطة دور واضح بعد إصدار سعيّد لدستور 2022، وسنّه قانوناً انتخابياً يقوم على الأفراد.
وتدرك الأحزاب التي ما زالت داعمة لمسار 25 يوليو 2021 موقف الرئيس سعيّد من الأجسام الوسيطة والأحزاب السياسية، حيث يعتبرها سبباً في ما بلغته البلاد من أزمات خلال العشرية الماضية، واتضح أن موقف الرئيس المناهض للأحزاب لا يقف عند المعارضة فقط، لأنه لا يستقبل، ولا يستشير، ولا يشرك حتى المساندين له.
وازداد قلق الأحزاب المساندة حول مستقبل هذه التنظيمات والكيانات السياسية التي أقصيت من مختلف المحطات الانتخابية بشكل غير مباشر عبر المرسوم الانتخابي، لتجد نفسها خارج سباق المجالس المحلية، فيما تمكنت من حصد بعض المقاعد بصعوبة في مجلس الشعب.
وقال المتحدث الرسمي باسم "حركة الشعب" أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن في حركة الشعب كنا منذ البداية ناقدين لمسار 25 يوليو 2021، وهذا لا يعني أننا نرفضه، نحن ندعمه، ولكن لنا قراءة ورؤية نقدية خاصة في ما يتعلق بالشقين الاقتصادي والاجتماعي، لأن عملية خلق الثروة وتعبئة الموارد حسب مبادرتنا منسجمة مع رؤية رئيس الجمهورية، ولكنه مضاد لما تقدمه الحكومة من رؤى"، مشدداً على أن "الحكومة تكرر وتنقل ما كان موجوداً في العشرية الماضية، وهو ما يتصادم مع ما يرفعه الرئيس من شعارات، وهذا أهم انحراف نراه متمثلاً في الحكومة وممارستها الضعيفة".
وبيّن عويدات أن "الأحزاب السياسية يجب أن تلعب دورها، لا أن تكون غائبة، ونحن في "حركة الشعب" نعتبر أن دور الأحزاب يجب أن يكون فاعلاً بأن تقدّم الأفكار والحلول، وتؤطر وتنظم الحياة السياسية"، حسب تفسيره.
من جهته، اعتبر المحلل والناشط السياسي أحمد الغيلوفي في تعليق لـ"العربي الجديد" أن "هذه الأحزاب تدفع اليوم ضريبة مواقفها، فبعد أن جرّبت الديمقراطية خلال عشر سنوات، واكتشفت أن وزنها الانتخابي والاجتماعي لا يمكّنها من تواجد كبير في مجلس النواب، تستطيع من خلاله أن تمارس السلطة، انقلبت على أعقابها، واختارت نظاماً ديكتاتورياً على شاكلة نظام (الرئيس التونسي السابق زين العابدين) بن علي و(الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي، ريثما تدخل مع صاحب السلطة في شراكة ولو جزئية، حتى في قليل من السلطة".
وأضاف الغيلوفي: "بعد ثلاث سنوات، بلغت هذه الأحزاب مرحلة اليأس الكبير من تحقيق أي مكسب من علاقتها بقيس سعيّد، فهو لم يلتفت إليها، بينما "حركة الشعب" تردد منذ ثلاث سنوات طلب الحوار وتكوين حكومة سياسية تشارك فيها الأحزاب الموالية لهذا المسار".
وتابع المتحدث: "بعد يأسها، لم يعد لها أي حل سوى المعارضة، فهي مرتبكة لأنها ليست أحزاب حكم، ولا هي موجودة في الحكومة، ولا في المعارضة، في المقابل هي تتحمل كل أوزار قيس سعيّد ما دامت اختارت مساندته".
واستدرك قائلاً: "يبدو أن هؤلاء بدأوا يفهمون أن مشروع سعيّد هو إقصاء الأحزاب، فقد غرّهم الطمع، وأعماهم عن حقيقة سعيّد الذي يؤمن بأن كل المشاكل متأتية من التمثيل السياسي للنخب التي تنقسم لأحزاب واتحادات، وأن الشعب يعرف ما يريد، وتنطلق العملية من الشعب وغياب الوساطة بين الحاكم والشعب، ومشروع سعيّد يقوم على أنقاض هذه الحزيبات الموجودة في تونس".
وبين المحلل والناشط السياسي ذاته أن "أحزاب المساندة متورطة في هذا المسار منذ بداياته، ومنها من استفاق متأخراً على أضغاث أحلام الوصول إلى الحكم بعد التخلص من خصمها السياسي الذي عجزت عن إبعاده عبر صناديق الاقتراع، فعادت كارهة إلى مربع الدفاع عن الديمقراطية، بعد أن اكتوت بنيران التضييقات والملاحقات والاعتقالات، وهناك بعض أحزاب الموالاة التي تجتمع في نزعة أيديولوجية تعادي الإسلام السياسي عموماً، وتبحث عن اجتثاثه من المشهد بأي سبيل، وهي رغم تحجيمها وتقزيمها بالتشريعات والممارسة، ما زالت تواسي بعضها عبر مغازلة السلطة في كل قراراتها، مع محاولات بين الفينة والأخرى لوضع قدم خارج السفينة عبر تخريجة "المساندة النقدية"".
وفي السياق، أكد الوزير السابق وأمين عام حزب "حركة تونس إلى الأمام" عبيد البريكي، في تصريح لإذاعة موزاييك على هامش مؤتمره الذي اختتم الأحد، أن "السلطة التنفيذية لم تقدم إشارة صريحة إلى أن دور الأحزاب انتهى، لكن على أرض الواقع جرى تهميش الأحزاب الداعمة لمسار 25 يوليو وعن وعي، لا في مستوى التشاور، ولا في مستوى الحديث والتحاور حول آفاق المؤسسات العمومية، أو حول آفاق تونس في علاقة بالدعم، وحول التوجهات التي ستنتهجها الدولة بشأن القضايا الحارقة والتخطيط للأولويات، وهذا يعني موضوعياً إقصاء لتلك الأحزاب".
وأضاف البريكي أن "الديمقراطية لم تنتهِ في تونس كما لن تنتهي الأحزاب"، معتبراً أن "تشريك الشعب في اختيار ممثليه عبر الانتخابات، حتى إن كانت النسبة ضعيفة، هو دليل تواصل الديمقراطية في تونس".
من جهته، أوضح أمين عام "حركة الشعب" زهير مغزاوي، على هامش المؤتمر نفسه، أنهم "أرادوا أن يكون مسار 25 يوليو مساراً تصحيحياً، ولكن الانحرافات بدأت تطل من كل حدب وصوب". وأضاف أن "مسؤولية الأحزاب السياسية، وخاصة التقدمية، جسيمة، في وقت يراد فيه للأحزاب أن تنتهي".
اتحاد الشغل ينبه من "تكميم الأفواه ومناخات الرعب"
ونبّه الاتحاد العام التونسي للشغل مما وصفه بـ"تنامي التعدّيات على الحقوق والحريات بالإصرار على تسليط المرسوم 54 على رقاب التونسيات والتونسيين لتكميم الأفواه وإشاعة أجواء الخوف ومناخات الرعب"، مؤكدا رفضه "ضرب كلّ نفس احتجاجي والتقييد على حرية التعبير والصحافة والتفكير"، كما جدّد المطالبة بـ "سحب المرسوم 54 سيئ الذكر، ووجوب احترام استقلالية القضاء وعدم الزج به في المعارك السياسية، ورفض محاكمة المواطنين بمجرّد قرار سياسي أو تصريح إعلامي دون استنادات أو قرائن".
وفي بيان صادر عن مكتبه التنفيذي، اليوم الأربعاء، دان الاتحاد "سياسة التفرّد بالموقف والقرار التي تنتهجها السلطة في ملفّات مراجعة قوانين الشغل وإصلاح المنظومة التربوية وإصلاح المؤسّسات العمومية، وتسيير الصناديق الاجتماعية والتصرّف في مقدراتها بما يهدّد وجودها وتوازناتها وخدماتها، وكذلك في الضمان الاجتماعي عموما، وفي تغيير القوانين والأنظمة الأساسية للوظيفة العمومية والقطاع العام بإقصاء الاتحاد باعتباره الممثّل الشرعي للأجراء، بهدف تمرير مشاريع وبرامج غامضة، وضرب الحقوق وسحب المكاسب واستغلال الأزمة العامّة لتمرير ما سمّته الحكومات المتعاقبة بالقرارات الموجعة".
وسجّل البيان "تصاعد الهجمة ضدّ الاتحاد العام التونسي للشغل وضدّ مناضلاته ومناضليه باستعار وتيرة المحاكمات الكيدية والطرد التعسفي، والإحالات على مجالس التأديب والنُّقل الظالمة، والتضييق على العمل النقابي وغلق باب الحوار الاجتماعي والمعاقبة الجماعية للأجراء، على غرار حجز أجور آلاف المعلّمين ظلما وتعسّفا وشنّ حملات التشويه والتشهير والتجييش والتحريض".
وقال الاتحاد إن هذه التضييقات "جاءت ردا على وضوح موقف الاتحاد الرافض لضرب الحريات وتصحير الحياة السياسية والنزوع نحو الاستبداد والتسلّط". معتبرا أن هذه الحملات غايتها "شيطنة النقابيين، وترذيل العمل النقابي، وتهيئة الرأي العام لضرب الاتحاد العام التونسي للشغل".
ودان الاتحاد في بيانه "ما يتعرّض له الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربية وأساسا في قطاع غزّة منذ 130 يوما من حرب إبادة تشنّها آلة الدمار الصهيو-أميركية أودت بحياة ما يفوق 28 ألف شهيد وأكثر من 100 ألف جريح، عدا الدمار الذي لحق المباني والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية، ويندّد بتواطؤ أنظمة التطبيع المساهمة في العدوان النازي للكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني".
وثمن المكتب التنفيذي الموسّع "هبّة أحرار العالم لنصرة أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها وعجائزها"، داعيا المجتمع الدولي والعربي إلى "التحرّك سريعا لوقف المجزرة الدموية التي تريد الصهيونية استكمالها في رفح، حيث يتكدّس مئات الآلاف من المهجّرين لغاية تقتيلهم أو دفعهم إلى النزوح النهائي عن غزّة، وتوطينهم خارج فلسطين تطبيقا لمشاريع الصهيونية للاستفراد بغزّة وضمّها كاملة إلى بقية الأراضي المحتلّة".
وأكد البيان على خطورة "سعي الصهيونية، بمساعدة بعض الأنظمة العربية، إلى فرض التطبيع مع الكيان المحتلّ في كامل الوطن العربي ومنه تونس"، مطالبا بـ"ضرورة الإسراع بسنّ قانون يجرّم التطبيع، ويحصّن بلادنا ويدعّم صمود المقاومة".
ودعا الاتحاد، الهياكل النقابية وكافّة الشغّالين، إلى "المشاركة المكثّفة في التجمّع العمّالي الذي سينجز يوم السبت 02 مارس/ آذار المقبل بساحة القصبة، والتجنّد لإنجاحه دفاعا عن الحقّ النقابي والمطالبة باحترام مقوّمات الحوار الاجتماعي وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة"، مهيبا بهم "الاستعداد لكلّ المحطّات النضالية الممكنة في كنف الوحدة والمسؤولية والروح النضالية التي تربّى عليها النقابيات والنقابيون، وعدم التأثّر بمحاولات الإرباك والتشويش والتشويه التي لن تزيد هياكل الاتحاد إلاّ صمودا وعزما وتصميما على النضال".