تزامناً مع معركة الإعداد للانتخابات التشريعية والرئاسية التي لم تتضح معالمها أو مصيرها بعد في ليبيا، تعالت أصوات الأحزاب السياسية المغيبة عن المشهد، مطالبة بعدم إقصائها مرة أخرى عن صناديق الاقتراع.
وفي ما قد تكون محاولة لتوحيد الصف وتعميق التأثير في المشهد المعقد، نشطت أخيراً عدة أحزاب وبرزت في صور تكتلات حزبية جمعت حتى بعض الخصوم، كحزبي تحالف القوى الوطنية والعدالة والبناء، اللذين سيطرا سابقاً على جزء كبير من مسار الجسم التشريعي إبان وجود المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق).
وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2022، أعلن الحزبان مع أحزاب: الجبهة الوطنية، والتغيير، وليبيا النماء والعمل الوطني، وتيار يا بلادي، وتكنوقراط ليبيا، عن تأسيس شبكة تواصل، وقبل ذلك، في مايو/ أيار 2022، أعلنوا عن تأسيس "تجمع الأحزاب الليبية" من 24 حزباً.
وعلى وقع مساع لم تنجح بعد لإعداد قاعدة دستورية أو قوانين انتخابية من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، واستناداً إلى الضغط السياسي المتصاعد للمجتمع الدولي الذي يشدد على ضرورة أن تكون القواعد توافقيّة، بهدف إنهاء النزاع وإنتاج أساس دستوري مقبول يقود أطراف النزاع للتعجيل بإجراء الانتخابات، أجرى تكتل "تجمع الأحزاب الليبية" عدة لقاءات خلال الأيام الماضية، لبحث مصير العملية السياسية، بما فيها الانتخابات.
وطالب التكتل، في بيان صدر عنه إثر انتهاء اجتماعاته، مساء أمس الثلاثاء، بأن تُشرّع أي قاعدة دستورية للانتخابات دور الأحزاب في العملية السياسية، باعتبار العمل الحزبي أساساً للممارسة الديمقراطية، مشككاً في أن تكون قوانين الانتخابات مقبولة "ما لم تقر مشاركة الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية، وفق نظام القوائم الحزبية لأغلبية مقاعد البرلمان، وبما يضمن حق المستقلين في الترشح أيضاً".
وشدد التكتل على ضرورة حذر البعثة الأممية من أن يتم تهميشه في مسارات التشاور وبلورة الحلّ الذي تقوده الأمم المتحدة، معبراً عن رفضه لما وصفه بــ"العبث بمقدرات الدولة ومستقبلها، واختزال المشهد السياسي في كيانات ومجموعات بعينها".
ورغم مشاركة الأحزاب في أول تجربة انتخابية تشريعية في ليبيا عام 2012، إلا أنها اسُتبعدت من الترشح في انتخابات عام 2014، التي انتجت مجلس النواب الحالي، والأخير استبعدها من الترشح أيضاً عند إصداره للقوانين الانتخابية التي كانت تمهد للانتخابات التي لم تجر في نهاية عام 2021، فيما لم يوضح التعديل الثالث عشر، الذي أقره مجلس النواب الأسبوع الماضي، وضع الأحزاب في العملية الانتخابية المقبلة.
ويرجح رئيس حزب صوت الشعب والناطق باسم تكتل "تجمع الأحزاب الليبية" فتحي الشبلي استمرار ترسيخ إبعاد الأحزاب عن المشهد السياسي بناءً على القوانين السابقة التي منعتها من الترشح في الانتخابات، وقال متحدثاً لـ"العربي الجديد"، إن "الذين صاغوا القانون لم يملكوا أي خبرة أو تجربة، ولم يستعينوا بخبرات من سبق، وكان القصد من البداية تفريغ الأحزاب من أي محتوى أو حصانة، ومنع مشاركتها في الحياة السياسية".
ويعتبر الشبلي أن اشتراط قوانين الانتخابات السابقة حصول المرشح للانتخابات التشريعية على مؤهل جامعي "أكبر دليل على إقصاء فئات كالفلاح والعامل وفئات أخرى من المشاركة السياسية".
ويطرح الشبلي سبباً آخر لضعف دور الأحزاب، وهو فقرها المالي وعدم دعم الدولة لها، ما يشكل وفق قوله "خطراً، لأنه تتم الاستعانة بالمال الفاسد"، إلا أنه يستدرك بالتأكيد على نضج العمل الحزبي، مستنداً في ذلك إلى أن الرؤى التي باتت تطرحها الأحزاب "تصب في صلب وعمق الحل"، على حد قوله.
ومن جهته، يقدر رئيس حزب التغيير جمعة القماطي أن الاستمرار في إبعاد الأحزاب "وراءه الأطراف السياسية المتنفذة في المشهد، والتي وصلت إلى مواقعها بصفة فردية أو مدعومة من قبل أطراف جهوية أو قبلية أو مناطقية أو عائلية".
وكل من سبق ذكرهم، وفق القماطي، "لا يملكون برنامجاً أو مشروعاً سياسياً ولا رؤية سياسية، وتحركهم المصالح الشخصية وثقافة التعامل مع الدولة كغنيمة، وبالتالي هم لا يريدون إفساح الفرصة أمام الأحزاب، لأنها ستطرح مشروعاً سياسياً ورؤيا وبرامج، وتكون كتلاً داخل البرلمان، وبالتالي ينتهي دور الأفراد والمشاريع الفردية".
ويتوقع القماطي أن تسير القاعدة الدستورية المنتظرة أو القوانين التي ستنظم الانتخابات التشريعية القادمة على نهج منع الترشح نفسه على أساس القوائم الحزبية، "ما لم يكن هناك ضغط حقيقي من الأحزاب نفسها والمجتمع الدولي والأطراف الفاعلة المدنية والشعبية"، معتبراً أن استبعاد الأحزاب "أفسح المجال أمام الاختيار على الأساس القبلي والجهوي والمناطقي".
ويلفت القماطي إلى أن التجربة الحزبية "وليدة في ليببا"، موضحاً بالقول: "كان هناك انقطاع وتغييب للعمل الحزبي على مدى 60 سنة، بل كان هناك تجريم له بحكم القانون طيلة حكم القذافي، وبالتالي لم تتجذر التجربة في المجتمع الليبي، ولم تنتشر أفقياً وتستقطب وتبني قواعد شعبية".
ومع إقرار القماطي بوجود العمل الحزبي، إلا أنه يراه محدوداً بسبب ضعف إمكانيات الأحزاب وتخلي الحكومات المتعاقبة عنها. ومع كل ذلك، يعتقد القماطي أن صوت الأحزاب "بات مسموعاً في الأشهر الأخيرة"، وذلك بعد تنسيقها في مجموعات وشبكات، وتجدد ظهورها الإعلامي.
وتمنح لجنة شؤون الأحزاب بوزارة العدل بالحكومات الليبية المتعاقبة تراخيص إنشاء الأحزاب، ومنحت حتى نهاية العام الماضي تراخيص لقرابة الـ70 حزباً موزعة في أنحاء البلاد، أكثرها لا تعرف له فاعلية ولا انتشار.