أغلقت قوات الأمن كلّ مقارّ حركة النهضة في تونس، الثلاثاء، غداة توقيفها رئيس الحركة، راشد الغنوشي، في خطوة إضافية تمثل منعطفاً خطيراً في الصراع الدائر في تونس بين الرئيس قيس سعيّد الذي استفرد بالحكم منذ أكثر من عام ومعارضيه، وخصوصاً الغنوشي.
ويأتي القرار غداة توقيف الغنوشي بأيدي قوات أمنية دهمت منزله وقت الإفطار مساء الإثنين. وندّد الحزب بتوقيف زعيمه مطالبا السلطات بإطلاق سراحه فوراً.
والثلاثاء، قال القيادي بالحزب رياض الشعيبي لوكالة فرانس برس: "دخلت قوة أمنية إلى مقرّ الحزب الرئيسي وطالبت الموجودين فيه بالمغادرة وأغلقته". وتابع: "كما قامت قوات أمنية أخرى بغلق جميع مكاتب الحزب في البلاد ومنعت الاجتماع فيها".
في الأثناء، أكدت هيئة الدّفاع عن الغنوشي، والسّياسيّين الموقوفين معه أنّه "تمّ للّيلة الثّانية على التّوالي منع المحامين من حضور جلسة سماع منوّبيهم (موكليهم) بعد استدعائهم لذلك".
وفيما أعلنت الهيئة، في بيان لها، اليوم الأربعاء "أنّها رفضت كلّ الشّروط المخالفة للقانون والماسّة بالقواعد الإجرائيّة المعمول بها"، كشفت أنّها "قد قامت بمعاينة المنع عن طريق عدل منفّذ وأنّ المحتفظ بهم قد رفضوا الجواب في غياب هيئة دفاعهم".
وقالت الهيئة إنها تعلن "رفضها تزكية الخروقات القانونيّة التي شهدتها هذه القضيّة منذ انطلاقها".
كانت حركة النهضة أعلنت أنّ الغنوشي أوقف بأيدي وحدة أمنية دهمت منزله في العاصمة واقتادته إلى "جهة غير معلومة"، قبل أن تعلن أنه يخضع لاستجواب في ثكنة أمنية بالعاصمة.
وأعلنت وزارة الداخلية، في بيان، الثلاثاء أن توقيف الغنوشي سببه تصريحات أدلى بها وتندرج ضمن "أفعال مجرمة متعلقة بالاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة أو حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب".
وبيّنت الداخلية أنّ الغنوشي وأربعة أشخاص آخرين جرى إبقاؤهم على ذمة التحقيق.
غير أنّ سعيّد شدّد الثلاثاء في خطاب بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس قوات الأمن الداخلي على "أنّنا نطبّق القانون وكلّ قواعده وكلّ الإجراءات التي ينصّ عليها، ولا نريد أن نظلم أحداً ولا نريد أن نترك الدولة فريسة".
وطالب سعيّد القضاء بتأدية "دوره" في هذه المرحلة، "حتى يكون في موعد مع انتظارات التونسيين".
ومنعت وزارة الداخلية كلّ اجتماعات حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني في البلاد اعتباراً من الثلاثاء، وفقاً لوثيقة نشرتها وسائل إعلام حكومية.
ويلتحق الغنوشي في السجن بنائبيه، علي العريض ونور الدين البحيري، وعدد من القيادات الأخرى للحركة، وكذلك محمد القوماني وبلقاسم حسن ومحمد شنيبة، ومن قبلهم حبيب اللوز، وسيد الفرجاني، وقيادات جهوية، وكذلك قيادات سابقة مثل الوزير الأسبق محمد بن سالم وغيره، بالإضافة إلى التحقيقات المفتوحة في أكثر من ملف مع قيادات أخرى.
وتذكّر هذه التطورات بأجواء استهداف الحركة في تسعينيات القرن الماضي قبل الثورة، ما يؤكد أيضاً أن هناك مسعى واضحاً لضرب أكبر مكوّن من مكونات المعارضة التونسية لحكم سعيّد، وإصابة "جبهة الخلاص" بشلل نهائي، عبر استهداف كل قياداتها ومكوناتها الحزبية.
وفي أول رد فعل دولي على توقيف الغنوشي، قال الاتحاد الأوروبي، في بيان: "نتابع بقلق بالغ سلسلة التطورات الأخيرة في تونس وتوقيف راشد الغنوشي أمس والمعلومات حول غلق مقارّ الحزب"، مشدّداً على "أهمية احترام حقوق الدفاع".
وشدّدت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر، على أنّ توقيف الغنوشي "يأتي في إطار موجة اعتقالات مثيرة للقلق"، مشيرة إلى تمسك باريس بحرية التعبير واحترام سيادة القانون.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر بوزارة الداخلية لم تكشف هويته، أنّ قرار توقيف الغنوشي صدر بأمر من القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بتهمة "خطاب تحريضي".
ولم تعلّق السلطات القضائية في تونس على أسباب التوقيف الذي يأتي غداة تصريحات قال فيها الغنوشي إنّ "هناك إعاقة فكرية وأيديولوجية في تونس تؤسّس للحرب الأهلية".
وأضاف: "لا تَصوُّر لتونس بدون طرفٍ أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة".
من جانبه، أفاد رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة أحمد نجيب الشابي بأنّ قوات الشرطة "منعت تنظيم مؤتمر صحافي للجبهة اليوم ووضعت حواجز أمام مقرّ الحزب".
إلى ذلك، أوقِف قياديّان بحركة النهضة هما بلقاسم حسن ومحمد القوماني، وفق الشعيبي.
وتصاعدت الأزمة الداخلية في تونس منذ إطلاق حملة اعتقالات واسعة في 11 فبراير/ شباط الماضي، شملت قيادات معارضة من رموز "جبهة الخلاص" وأحزاب "النهضة" و"الكرامة" و"الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" و"تحيا تونس"، ومن مرجعيات مختلفة، ولحقت إعلاميين ومحامين وقضاة وبرلمانيين ورجال أعمال.
يسعى سعيّد إلى استكمال مشروعه السياسي القائم على نظام رئاسي معزّز ووضع حدّ للنظام البرلماني الذي أُقرّ إثر ثورة 2011 التي أطاحت نظام بن علي ووضعت البلاد على طريق انتقال ديمقراطي فريد في المنطقة.
منذ 25 يوليو/ تمّوز 2021 استأثر سعيّد بالسلطات، وعدّل الدستور لإنشاء نظام رئاسي على حساب البرلمان الذي لم يعد يتمتّع بصلاحيات فعلية.
والغنوشي الذي كان معارضاً شرساً لنظامي كلّ من الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، عاد إلى تونس من لندن بعد عشرين عاماً من المنفى. ودعمت حركة "النهضة" سعيّد في الانتخابات الرئاسية في 2019.
(فرانس برس، العربي الجديد)