أكثر ما لفت في زيارة نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، لواشنطن، أنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حرصت على حجبها قدر الإمكان عن الأضواء. وربما كانت تفضل أن تخفيها كلياً لولا معرفتها بأنّ واشنطن لا تحفظ الأسرار، وخاصة في مثل هذه الحالة. إعلان جدول أعمال الزيارة سُرِّب، ووزارة الخارجية أشارت إليه بصورة خاطفة، أمس الأربعاء، عندما سُئلت واكتفت بالقول إنّ الأمير "سيناقش مع المسؤولين في الإدارة قضايا هامة للعلاقات الثنائية"، من دون تفاصيل ولا أسماء. فيما كان المسؤول السعودي في تلك الأثناء قد التقى وزير الدفاع لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال مارك ميلي، ورئيس إدارة السياسات في الوزارة كولن كال، بالإضافة إلى مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان. ثم التقى وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، والمستشار ديريك شوليت. وقد انضم إلى الاجتماع بصورة مفاجئة وزير الخارجية أنتوتي بلينكن، وتناول البحث موضوعات أمنية، مثل مسألة وقف إطلاق النار في اليمن و"موضوع حقوق الإنسان والمساعدات إلى لبنان". ولوحظ أنه نأى عن إجراء لقاءات مع الكونغرس الذي تسوده أجواء غير ودية مع السعودية لأسباب تراوح بين حرب اليمن ومقتل الصحافي جمال خاشقجي.
المحادثات إجمالاً بقيت محاطة بتكتم شديد، ولو أنه كان من الواضح أنها تناولت مسائل أمنية عاجلة وحساسة، بحسب ما يشير مستوى وطبيعة اللقاءات التي جرت خلال الزيارة، وكونها اتصلت أساساً بالملفات الساخنة الراهنة في المنطقة، وبالتحديد حرب اليمن ومفاوضات فيينا النووية، وربما على الهامش موضوع أسعار النفط وخلافات "أوبك+" حول الإنتاج. الإشارات إلى هذين الملفين كانت ملحوظة في واشنطن، خلال الأيام الأخيرة، وبما يؤشر على تطورات متوقعة بشأنها، خصوصاً في فيينا. الوزير بلينكن قال إنّ هذه المفاوضات "ليست غير محدودة"، من غير أن يحدد لها سقفاً. من التفسيرات أن ملاحظته قد تكون من باب التلميح إلى أنّ النهاية قريبة.
في العادة، تحظى الزيارة الرسمية السعودية لواشنطن بكثير من الاهتمام العلني، ولا سيما في ظروف أمنية دقيقة. الاستثناء هذه المرة يرتبط بقضية مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. موقف الإدارة الملتبس منها خلق لها إشكالات وطرح علامات استفهام أميركية حول صدقيتها بخصوص موضوع حقوق الإنسان. وهذا شأن مربك لها محلياً، ولو أنّ هناك تفهماً في الساحة لتغليب مصالح أميركا على مثل هذه الالتزامات.
الرئيس بايدن المدرك لهذه المعادلة سبق له أن تعهّد باعتماد سياسة خارجية "تلتزم حقوق الإنسان والقيم الأميركية". ولوّح آنذاك في أثناء حملته الانتخابية "بفرض عقوبات" على الجهة المسؤولة عن اغتيال خاشقجي واحتمال وقف بيع الأسلحة "للمملكة عقاباً على تصفيته وبالطريقة التي جرت فيها".
ومع تسلّم بايدن السلطة، أفرجت إدارته عن خلاصة لتقرير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" أشار، وإن بصورة ضبابية، إلى مسؤولية ولي العهد السعودي في العملية. لكن بالنهاية، بقيت تعهدات الرئيس دون ترجمة. وعندما سئل عن هذا التراجع، قال إنه "لا سابقة" لمعاقبة مسؤول كبير لبلد تربطه بالولايات المتحدة "شراكة قوية". كان يمكن التذرع بهذه الحيثية لولا التزامه المسبق بخلافها. وزاد من الريبة بالصدقية أنّ إدارته رفضت الكشف عن كامل تقرير "سي آي إيه" حول خاشقجي.
في ظل شبح قضية خاشقجي جاءت زيارة الأمير خالد إلى واشنطن
في ظل شبح قضية خاشقجي، جاءت زيارة الأمير خالد لواشنطن. معها انفتحت سردية الاغتيال من جديد في بعض وسائل الإعلام، مع إضافة ما تردد أخيراً عن تزود "فرقة النمر" التي تولت العملية بالسمّ "من مصر". وكان التركيز فيها على تراجع الإدارة ومطالبتها بالكشف "عمّا تعرفه" عن القضية ومعلومات "سي آي إيه" حولها، فضلاً عن الإدانة التي صدرت عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" ونقدها للبيت الأبيض في هذا الموضوع.
إدارة بايدن تبدو في علاقة محرجة مع المملكة. لا غنى لها عنها، وفي ذات الوقت لا تقوى على المجاهرة باحتضانها كما كانت في السابق. المعلن عنها غير واقع حالها. تمشي فيها على حبل مشدود ريثما يُبَتّ بالاتفاق النووي مع إيران.