تمرّ العلاقة بين النظام المصري والكنيسة القبطية في الوقت الراهن بـ"أزمة مكتومة" كما وصفها برلماني قبطي مقرّب من الكنيسة، تحدث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم ذكر اسمه.
أزمة مكتومة بين الكنيسة والحكومة
وبحسب البرلماني القبطي فإن الأزمة بدأت بعد مفاوضات قادتها إحدى جهات الدولة السيادية مع مسؤولين كنسيين، بشأن بعض "الأوقاف" التابعة للكنيسة، والتي تقع في نطاق مناطق ومشروعات ترغب الحكومة باستغلالها في مشاريع اقتصادية، وتشارك فيها أطراف خارجية، ومنها دول خليجية.
وأوضح البرلماني، أن الكنيسة "رفضت المساس بالأوقاف التابعة لها، على الرغم من استدلال المسؤولين بإحدى الجهات السيادية، بموقف وزارة الأوقاف، التي وقفت إلى جوار الدولة المصرية في الأزمة الاقتصادية بأوجه مختلفة، جميعها مرتبط بالأوقاف الواقعة تحت سلطتها".
وأضاف البرلماني: "شهدت الفترة الماضية وساطة من جانب بعض قيادات أقباط المهجر، بين قيادة الكنيسة في مصر، والجهة السيادية التي تدير التفاوض معها، ودعوا البابا تواضروس، إلى دراسة المقترحات المقدمة من الدولة بشأن الأوقاف القبطية، التي ترغب إحدى الجهات السيادية بالبحث عن صيغة تضمن عدم وقوفها عقبة أمام إتمام الاتفاقات الخاصة ببعض الاستحواذات الخليجية، في ظل حاجة الدولة المصرية إلى مبالغ هائلة وسيولة دولارية كبيرة في الوقت الراهن، للوفاء بالالتزامات الخاصة بخدمة الدين".
برلماني قبطي: الدولة منحت الكنيسة قطعة أرض مساحتها 3 آلاف متر
وأوضح البرلماني أن "من بين المقترحات التي طرحت من جانب الجهة السيادية المصرية لحل الأزمة، كان مبادلة تلك الأوقاف، بمساحات أخرى من الأراضي بعدد من المدن الجديدة، وامتدادات المحافظات".
وكشف أن الدولة "قدمت مبادرة لتهدئة الأجواء والغضب داخل الكنيسة، في أعقاب حريق كنيسة أبو سيفين، وما تبعه من حرائق بعدد من الكنائس والأديرة"، موضحاً أن الدولة "منحت الكنيسة قطعة أرض مساحتها 3 آلاف متر، من أملاك الدولة بمنطقة إمبابة، لإقامة كنيسة كبيرة عليها تلائم أعداد الأقباط بالمنطقة، بدلاً من الكنيسة القديمة التي احترقت، بعد ما كشف التقرير الهندسي الذي أعدته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، عدم سلامة المبنى، نظراً لصغر مساحته، ووجوده في شارع ضيق للغاية، لا يتلاءم مع الأعداد المترددة على الكنيسة في المناسبات المختلفة".
وأشار النائب إلى أن "رسائل أخرى وصلت إلى قيادة الكنيسة، مفادها أنه في حال وافقت على التنازل عن أوقاف الكنيسة محل الأزمة، فإن الدولة ستطرح ما يمكن تسميته بمشروع كبير لإعادة النظر في موقف بعض الكنائس المماثل لكنيسة أبو سيفين في إمبابة، لجهة البحث عن بدائل أكثر ملاءمة لأعداد الأقباط في المناطق التي تنتشر فيها الكنائس".
يذكر أن مجلس الشيوخ المصري وافق في نهاية إبريل/ نيسان 2021، على مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن الوقف الخيري، وتمت إحالته إلى مجلس النواب، لمناقشته والتصويت على مواده، لاستغلال أموال الأوقاف الخيرية في مشروعات اقتصادية.
ويمهد القانون لاستثمار أموال الأوقاف في مصر، إذ يمنح وزير الأوقاف سلطة التصرف في هذه الأموال، وتوجيهها لصالح إقامة المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بدعوى معاونة الدولة في ملف التطوير، وهو ما يثير مخاوف من مصير الأموال، في حال ما أصبحت تحت تصرف الحكومة.
الأوقاف المسيحية في مصر
وكشفت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في وقت سابق أن هيئة الأوقاف القبطية تتولى الإشراف على إدارة 4667 فداناً، بالإضافة إلى مئات المباني، ومساحات أخرى لا تزال محل نزاع مع وزارة الأوقاف المصرية.
وفي أعقاب حادث حريق كنيسة أبو سيفين بمنطقة إمبابة بالجيزة، في 13 أغسطس/آب الحالي، والذي راح ضحيته 40 مصرياً، بينهم أكثر من عشرة أطفال، لمحت بعض الشخصيات القبطية البارزة في مصر إلى "أياد خفية" تقف وراء الحريق، الذي تبعه الإعلان عن حرائق محدودة بعدد من الكنائس والأديرة في محافظات مختلفة منها المنيا، وأسيوط.
وعقب حريق كنيسة أبو سيفين، فجر رجل الأعمال المعروف بقربه من قيادة الكنيسة الأرثوذكسية، نجيب ساويرس، حالة من الجدل بتعليقه على الحادث بالقول: "إنه لم يرِد كتابة تعزية قبل معرفة تفاصيل الحادث الذي أسفر عن 41 حالة وفاة و14 مصاباً".
وكتب ساويرس على حسابه الشخصي على "تويتر": "لم أرِد أن أكتب تعزية قبل أن أعرف تفاصيل الحادث، لأننا في صعيد مصر لا نقبل العزاء قبل أن نعرف التفاصيل وأن نعرف الفاعل. الله هو المنتقم. وهو الذي سيأتي بحق الضحايا. عزائي لمصر كلها بكل المسلمين والمسيحيين، لأن كل من يعبد الله حزين".
وزاد من التكهنات بشأن طبيعة العلاقة في الوقت الراهن بين الكنيسة والسلطات في مصر، تصريحات للأسقف العام الأنبا أرميا، رئيس المركز الثقافي القبطي، المعروف بعلاقاته القوية بالأجهزة الأمنية المصرية، والتي طالب خلالها "الدولة بضرورة الحذر من الأحداث الأخيرة لحريق بعض الكنائس في توقيتات منتظمة، وأن الأمر يحتاج للتكاتف معاً من أجل الحفاظ على أمن مصر".
وأضاف الأنبا أرميا في كلمته أن "الفترة الأخيرة شهدت أحداثاً تحتاج إلى تفسير، بعد حادث كنيسة إمبابة، حيث وقعت بعض الحرائق في كنائس مختلفة في أوقات منظمة ومواعيد محددة، ومن دون الخوض في الأسباب، لكن هو جرس إنذار للدولة المصرية يجب الانتباه والحذر".
وتابع أرميا أمام حشد من الأقباط بإحدى الكنائس، في 22 أغسطس الحالي: "لن نتحدث عن الأزمة الاقتصادية أو ارتفاع الأسعار، لأن العالم كله يعانى منها، ولكن نتحدث هنا عن أحداث لا يجب على الدولة أن تفقد فيها أحباءها الذين وقفوا بجوارها، لأن ما يحدث أمر خطير، يحتاج للتكاتف والتحرك، ونثق في الله العادل الذي يدبر كل شيء".
مصر مطالبة بتسديد 30 مليار دولار قبل نهاية العام الحالي
ويواجه النظام المصري، أزمة اقتصادية طاحنة، ووفقاً لخبراء اقتصاد بارزين، فإن الدولة مطالبة بتسديد 30 مليار دولار قبل نهاية العام الحالي، غالبيتها تقع تحت بند خدمة الدين في الموازنة العامة، وهو الأمر الذي دفع الحكومة المصرية، إلى السماح لصناديق استثمار خليجية، بالاستحواذ على عدد من الشركات الكبرى المملوكة للدولة.
وبحسب تقارير صحافية، فقد استحوذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، في الشهر الحالي، على حصص في 4 شركات مصرية مدرجة في البورصة، الأربعاء الماضي، بقيمة 24.89 مليار جنيه، أي نحو 1.3 مليار دولار.
وامتلكت الشركة السعودية المصرية، وفقاً للصفقات الجديدة، 25 في المائة من "إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية" و19.82 في المائة من شركة "أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، و25 في المائة من "مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو)" و20 في المائة من "الإسكندرية لتداول الحاويات".
وفي إبريل الماضي استحوذت "القابضة إيه دي كيو" أحد صناديق أبوظبي السيادية، على حصص في 5 شركات مقيّدة ببورصة مصر في مقابل نحو 1.8 مليار دولار من مصارف حكومية مصرية.