وافق أمس السبت الذكرى الثامنة لبداية التدخل العسكري الروسي في سورية، الذي شكل نقطة تحوّل أنقذت نظام بشار الأسد من سقوط حتمي كان ينتظره، بعد أن فقد أكثر من ثلثي الجغرافيا السورية، وأوقف تقدم المعارضة عسكرياً.
ومنذ ذلك الحين، بدأ مسلسل تمكين روسيا النظام من استعادة السيطرة على معظم المناطق التي خسرها من المعارضة، من خلال استخدام القوة المفرطة بأشد أنواع الأسلحة فتكاً، وارتكاب عشرات المجازر بحق المدنيين السوريين، ما خلف عشرات آلاف القتلى، وتسبب بدمار مدن بأكملها، وتشريد وتهجير ملايين السوريين خارج مدنهم وبلداتهم.
وبالتوازي مع التدخل العسكري الروسي، بدأت موسكو بالعمل على تمكين وإعادة تأهيل النظام سياسياً، مقابل تقليص دور المعارضة السياسية، وذلك بالعمل على عدة مستويات تزامناً مع استمرار استعمال القوة العسكرية المفرطة، والتي كانت تستهدف بالدرجة الأولى السكان المدنيين والبنى التحتية لمناطق سيطرة المعارضة.
فعلى مستوى تأهيل النظام، عمل الروس على تسويق النظام كمحارب للإرهاب وكحامٍ للأقليات في سورية من إرهاب تنظيم "داعش"، وذلك من خلال جرّ التنظيم إلى حدود مناطق الأقليات الدرزية في السويداء والأقليات الإسماعيلية في ريف حماة الشرقي، وارتكابه مجازر في تلك المناطق لتصبح المعادلة إما النظام أو "داعش".
كما ابتكر الروس مسار أستانة (مفاوضات برعاية روسيا وتركيا وإيران)، الذي مكّنوا من خلاله النظام من استعادة ريف حمص الشمالي ومحيط دمشق وغوطتها، ومحافظتَي درعا والقنيطرة، بالإضافة إلى ريف حماة الشمالي وريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي.
كما تمكنوا من خلال هذا المسار من تجميد مسار الحل السياسي الذي أقره مجلس الأمن من خلال القرار 2254 عام 2015، القاضي بوضع خريطة طريق للانتقال السياسي وعقد مفاوضات بين النظام والمعارضة، لينتهي المطاف بإقناع الدول العربية بإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية.
أما على مستوى تجميد دور المعارضة التي لا تزال تسميها موسكو "معارضات"، فقد ساهمت روسيا بتشكيل عدد من المعارضات التي تتوافق مع سياستها وأقحمتها ضمن أجسام المعارضة السورية، خصوصاً هيئة التفاوض.
وادعت بشكل دائم عدم تمثيل هيئات المعارضة القائمة لكل المعارضة السورية، وعملت باستمرار على اللعب على عامل إضاعة الوقت في إحراز أي تقدم في مسارات حل القضية السورية سياسياً، مستغلة تراجع الاهتمام الدولي بها.
لكن بالمقابل فإن دخول التدخل العسكري الروسي في سورية عامه التاسع أدى إلى استنزاف روسيا اقتصادياً، كما أنه ورطها بجرائم ضد الإنسانية ستبقى تلاحقها، خصوصاً أن هذا الاستنزاف المادي والأخلاقي حصل من دون أن تتمكن موسكو من تثبيت نظام الأسد.
كما أنه يحصل بالتوازي مع خروج سكان من داخل مناطق سيطرة النظام بتظاهرات ضده تطالبه بالرحيل، ووصول الاقتصاد السوري إلى مرحلة الانهيار.
كل هذا يثبت لمن يعتقد أن النظام في روسيا يتعامل مع موضوع الحفاظ على النظام السوري كمصلحة روسية أنه مخطئ حتى اللحظة، لأن الأمر الواضح حتى الآن هو أن نظام فلاديمير بوتين يتعاطى مع نظام بشار الأسد كشريك في الإجرام.