الإدارة الأميركية تتناغم مع نتنياهو في لبنان على حساب وقف حرب غزة

22 سبتمبر 2024
نتنياهو قبيل لقائه هاريس في واشنطن، 25 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -

في لقاء مع الصحافة السبت في مدينة ويلمنغتون في ولاية ديلاور حيث يقضي الرئيس الأميركي جو بايدن إجازة نهاية الأسبوع، قال المستشار جيك سوليفان إن الإدارة الأميركية "ما زالت ترى أن هناك سبيلاً لوقف النار في غزة، إلا أنها ليست مستعدة الآن لوضع شيء على الطاولة" في هذا الخصوص. موقف متعارض مع خطابها الذي دأبت على التأكيد فيه أنها "تعمل ليلاً نهاراً" لتحقيق مثل هذا الاتفاق، لكونه يضمن إخلاء سبيل بعض المحتجزين، كما يساعد على خفض التوتر على الحدود مع لبنان، وبالتالي تسهيل التوصل إلى مخرج سياسي هناك. الآن، لم يعد اتفاق غزة مفتاح الحلحلة على هذه الحدود، بل "صرنا نعتقد أن هناك مساراً مختلفاً يؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، وبالتالي إلى حلّ يوفر الأمان للطرفين على جانبي الحدود"، كما قال سوليفان.

الحديث عن مثل هذا المسار جرى ربطه بتطورات الجبهة مع حزب الله في الأيام الأخيرة. قبل تفجير أجهزة بيجر واللاسلكي، ثم اغتيال قياديّين في حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، بقيت الإدارة الأميركية تعطي الأولوية لوقف إطلاق النار، رغم أنها عملياً تخلّت عنه بعد إفشال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مفاوضات القاهرة الأخيرة عبر افتعال مشكلة ممر صلاح الدين (فيلادلفي). اليوم، كشفت عن ذلك، وبما ينطوي على تناغم واضح مع نتنياهو، الذي أعلن أخيراً أن المعركة انتقلت إلى الشمال، وترجم الانتقال أخيراً بعمليتي التفجير والاغتيال. الإدارة الأميركية تجاهلت الأولى وباركت الثانية، من غير تحذير من التصعيد كما اعتادت عليه في حالات مشابهة. سوليفان اكتفى بتوصيف التصعيد الجاري بأنه "خطير"، ملوّحاً بمسار آخر لوقفه.

البيت الأبيض اعتمد منذ البداية النأي عن صدّ إسرائيل، وازداد تراخيه مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، خشية اندفاع نتنياهو باتجاه إشعال جبهات أخرى تهدد بإرباك الإدارة، والانعكاس سلباً على مرشحتها كامالا هاريس. للوهلة الأولى، ساد في أوساط المراقبين والخبراء العسكريين الاعتقاد أن عملية نوعية بحجم تفجير أجهزة الاتصال تكون عادة بمثابة تمهيد لتوغل عسكري واسع، باغتنام فرصة البلبلة التي يفترض أن يكون التفجير قد تسبب فيها. في المقابل، ثمة من لا يستبعد أن تكون إسرائيل قد توسلت هذه العملية الخطيرة بديلاً لمثل هذا التوغل الذي "غرقت في رماله في غزة"، والذي لا تنوي تكراره في لبنان الأوسع بساحته المفتوحة، من دون أن يشطب ذلك احتمال التوغل الإسرائيلي المحدود "لإقامة منطقة عازلة" داخل الأراضي اللبنانية.

لاستبعاد هذه السيناريوهات، اختارت إدارة بايدن على ما يبدو احتضان هذا البديل، بحيث يبقى الوضع في حدود حرب الاستنزاف بصورتها الراهنة، وبما لا يدفعها نحو الحرب الشاملة. وربما سوليفان كان يراهن بكلامه على مثل هذا المسار، علّه يقود بالنهاية إلى تسوية النزاع بصورة تعكس موازين القوى التي ترى واشنطن أنها ستكون لمصلحة إسرائيل. وبذلك، تكون الإدارة قد فصلت بين غزة وجنوب لبنان نزولاً عند رغبة نتنياهو الذي فرض هذا الفصل، وحمل واشنطن على القبول به حتى لا يفاجئها بعملية عسكرية واسعة.

لكن الفريق الديمقراطي، ومنه الإدارة، لا يثق بنوايا نتنياهو في ما يتعلق برغبته في تقديم خدمة للجمهوريين، عبر دفع التصعيد إلى درجة أعلى تفضح انحياز إدارة بايدن، وبما يمكن أن يرتد على هاريس بصورة مقاطعة الانتخابات في ولايات مفصلية فيها. وكان ذلك واضحاً في الأيام الأخيرة، حين اتسمت ردود الجمهوريين بالمزيد من تحريض إسرائيل على مواصلة التصعيد ضد حزب الله، كما أنهم يضعون الملامة على الإدارة في تقييد حركة الحكومة الإسرائيلية، في حين أن الإدارة الأميركية ذهبت في دعم إسرائيل خلال الحرب على غزة إلى حدود القفز فوق القوانين في دعهما وتسليحها، رغم ارتكاباتها المخالفة للقوانين الدولية والأميركية، وإلى الحدّ الذي حرك دائرة التفتيش في وزارة الخارجية لفتح تحقيق في هذا الخصوص. ومن المتوقع أن ينتهي التحقيق إلى تثبيت مثل هذه المخالفات، خاصة قانون "ليهي" الشهير الذي يحظر تقديم المساعدات للدول التي تنتهك القوانين في استخدامها الأسلحة الأميركية، والتي تعمل على منع وصول المساعدات الإنسانية في مثل أوضاع غزة. ويرجح أن تبادر جهات التفتيش في البنتاغون إلى فتح تحقيقات مماثلة. وبعد كل هذه التجاوزات المحتملة، تقول الإدارة الأميركية اليوم إنها ليست على استعداد حالياً لطرح شيء على طاولة وقف إطلاق النار.