"الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية: التهديدات التركية والضغوط الأميركية

07 يونيو 2024
مقاتلة من "قسد" في الحسكة، يناير 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية أجلت الانتخابات البلدية من يونيو إلى أغسطس استجابةً لطلبات توسيع الفترة الدعائية وضمان مشاركة المنظمات الدولية لمراقبة الانتخابات، وسط ضغوطات محلية ودولية لضمان انتخابات حرة ونزيهة.
- التهديدات التركية بعملية عسكرية ضد "قسد" في حال إجراء الانتخابات، وموقفها الرافض لأي خطوة قد تؤدي إلى تأسيس إقليم كردي في شمال شرق سورية، أثرت بشكل كبير على قرار التأجيل.
- التحديات السياسية والعسكرية تواجه "الإدارة الذاتية" في محاولاتها لتنظيم انتخابات بلدية كخطوة نحو الفيدرالية، بما في ذلك الرفض الشعبي في مناطق غير كردية والمواقف المتباينة للأطراف الإقليمية والدولية.

أعلنت "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية، أمس الخميس، أنها ستؤجل انتخابات بلدية كان من المقرر أن تجريها في شهر يونيو/حزيران الحالي في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية، "استجابةً لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية". وتشير الوقائع إلى أن "الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية بسبب عدم الترحيب الأميركي بهذه الخطوة، والتهديد التركي بشنّ عملية عسكرية لتقويض هذه الإدارة.

"الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية

وأعلنت "المفوضية العليا للانتخابات" التي كانت شكّلتها "الإدارة الذاتية"، في بيان لها أمس، أن "الإدارة الذاتية" تؤجل موعد انتخابات البلديات التي كانت مقررة في 11 يونيو الحالي، في مناطق سيطرة هذه الإدارة التي تعدّ الذراع الخدمية والمدنية لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وذلك إلى شهر أغسطس/آب المقبل. ووفقاً لما ورد في بيان المفوضية فإن الإرجاء جاء "استجابة لمطالب الأحزاب والتحالفات السياسية التي طالبت بالتأجيل بموجب كتب رسمية"، مشيرة إلى أن الأحزاب علّلت طلبها بـ"ضيق الوقت المخصص للفترة الدعائية، ولتأمين المدة اللازمة لمخاطبة المنظمات الدولية لمراقبة سير الانتخابات".

أعلنت "الإدارة الذاتية" أنها تؤجل الانتخابات البلدية إلى شهر أغسطس/آب المقبل

ومن الواضح أن "الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية بسبب فشلها في تأمين غطاء محلي وإقليمي ودولي لخطوتها التي لاقت رفضاً من جميع الأطراف المعنية بالشأن السوري، ومقاطعة من أبرز القوى الفاعلة في المشهد السوري الكردي، وأبرزها المجلس الوطني الكردي. ولم ترحب واشنطن، وهي الداعم الأبرز لقوات قسد، بهذه الخطوة لأن "أي انتخابات تجرى في سورية يجب أن تكون حرّة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، وفق تصريح صدر قبل أيام من نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل. 

موقف
التحديثات الحية

كما جدّدت أنقرة تهديدها بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد قوات قسد في حال مضت الأخيرة في طريق إجراء الانتخابات. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأسبوع الماضي، إن بلاده لن تتردد في التحرك في حال القيام بهذه الخطوة. واعتبر إجراء الانتخابات "تحركاً عدائياً" ضد تركيا وتهديداً لوحدة أراضيها، في رسالة كانت واضحة بأن أنقرة لن تسمح بأي خطوة يمكن أن تؤسس لإقليم ذي صبغة كردية في شمال شرق سورية، ترى أنه من الممكن أن يدفع الأكراد في تركيا للمطالبة بإقليم مماثل. وتعتبر تركيا قوات قسد امتداداً سورياً لحزب العمال الكردستاني وتشنّ ضدها عمليات قصف جوي بالمسّيرات بين وقت وآخر، مستهدفة منشآت وكوادر قيادية فيها.

باب موارب لواشنطن

ولم يسبق أن اجتمع موقف المعارضة السورية والنظام السوري على أمر في المشهد السياسي للبلاد كما اجتمع على رفض هذه الانتخابات، التي كان من المقرر إجراؤها في نحو ثلث مساحة سورية تسيطر عليه قوات قسد التي تشكل وحدات "حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي. ورأى الجانبان أن إجراء الانتخابات يدفع باتجاه تقويض وحدة البلاد، ويعزز الوضع القائم منذ عدة سنوات، حيث تحولت سورية إلى مناطق نفوذ تفصل بينها حدود جغرافية وترتبط بمعابر، وهو ما يؤسس للتقسيم الفعلي في حال استمراره فترات طويلة.

وتعليقاً على تأجيل الانتخابات البلدية في شمال شرق سورية وربما إلغائها، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية بسبب تلويح أنقرة باستخدام القوة، وهو ما "كان عاملاً رئيسياً في التأجيل"، مردفاً بالقول: "أعتقد أن الضغط الأميركي والأوروبي على الإدارة كان وراء التأجيل أيضاً. الغرب لا يريد إغضاب تركيا لأسباب كثيرة باتت معروفة". وأعرب عن اعتقاده أن الإرجاء "ربما خطوة من قبل واشنطن لإبقاء الباب موارباً أمام عودة محتملة للنظام السوري إلى شمال شرق سورية ليكون صاحب السلطة الفعلية مستقبلاً". وقال: "أرى أن واشنطن لا تريد تقسيم سورية كيلا تثير مخاوف عربية أيضاً".

فراس رضوان أوغلو: الغرب لا يريد إغضاب تركيا لأسباب كثيرة

وكانت "الإدارة الذاتية" قد وضعت، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما وصفته بـ"العقد الاجتماعي"، ما عد بمثابة دستور مصغر للمناطق التي تقع تحت سيطرتها، أسّس لإجراء الانتخابات البلدية في مناطق سيطرتها، إلا أن محاولتها لم تنجح. وخططت "الإدارة" الكردية لتنظيم انتخابات بلدية ومجالس مدن تمهيداً لانتخابات "مجلس الشعوب الديمقراطي" ليكون أعلى سلطة تشريعية بمثابة البرلمان للمنطقة التي تسيطر عليها، وهو ما نُظر إليه أنه خطوة نحو فرض نظام فيدرالي في سورية يجد رفضاً من المعارضة والنظام معا.

وربما يفتح فشل "الإدارة الذاتية" في إجراء الانتخابات الباب مجدداً أمام مفاوضات مع النظام لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية والذي بات يُعرف بشرق الفرات، والذي يضم أهم ثروات البلاد الاقتصادية. وكانت جرت جولات حوار برعاية روسية بين الإدارة والنظام في دمشق، إلا أنها لم تحقق أي نتائج، إذ تبحث هذه الإدارة عن اعتراف دستوري بها ودمج قوات قسد في المنظومة العسكرية للنظام الذي يرفض أي شروط ويطالب باستعادة المنطقة كاملة.

وفي السياق، رأى مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية" تؤجل الانتخابات البلدية التي كانت تستعد لإجرائها لأسباب عدة، مضيفاً أنه "لم يكن هناك توافق إقليمي على الانتخابات، لذا خشي القائمون على الإدارة الذاتية من ردّ فعل أوروبي وأميركي في حال القيام بهذه الخطوة". وأعرب عن اعتقاده أن الإرجاء جاء للحصول على موافقة إقليمية ودولية، أو أممية، لإضفاء الشرعية على نتائج هذه الانتخابات. وأشار إلى أنه "كان هناك رفض شعبي واسع للانتخابات في مناطق سيطرة قوات قسد، وخصوصاً في المناطق الخالية من الوجود السكّاني الكردي مع بروز معطيات تشير إلى فوز الأحزاب والشخصيات المرتبطة أو التابعة لهذه القوات". 

وتضع "قسد" يدها على نحو ثلث مساحة سورية، فهي تسيطر على قسم كبير من محافظة الرقة، بما فيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية شعيب الذكر غرباً إلى قرية كسرة شيخ الجمعة شرقاً. كما تسيطر على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة في شمال شرق سورية، التي تضم أكبر حقول النفط، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات، عدا عن سيطرتها على منطقة منبج غرب نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي.