تعتزم "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية، تشكيل أجسام سياسية وإدارية جديدة وفق مضامين ما أسمته بـ"العقد الاجتماعي"، وهو ما يعد بمثابة دستور مصغر للمناطق التي تقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، أعلنته أخيراً، إلا أنه لقي رفضاً واضحاً من المعارضة والنظام في سورية معاً، كونه يفرض أمراً واقعاً خارج إرادة السوريين.
"الإدارة الذاتية" تناقش خطوات "العقد الاجتماعي"
وناقشت "الإدارة الذاتية"، يوم الثلاثاء الماضي، خطوات تطبيق "العقد الاجتماعي" الذي أعلنت عنه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومنها تشكيل جسم المفوضية العليا للانتخابات، وإنشاء محكمة حماية "العقد الاجتماعي"، والمؤسسة العامة للرقابة المالية والمحاسبة في شمال وشرق سورية، وانتخابات البلديات.
ووفق مصادر إعلامية مقربة من "الإدارة"، ستتألف المفوضية المزمع تشكيلها، من 20 عضواً، يمثلون المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، على أن يتم اقتراح ثلث الأعضاء من مجلس العدالة الاجتماعية في "الإدارة الذاتية"، والثلثين الآخرين من "مجلس الشعوب الديمقراطية" ومجالس المقاطعات مع مراعاة المكونات والشرائح الاجتماعية، فيما بات يُعرف اصطلاحا بمنطقة "شرقي الفرات". ووفقاً لـ"الإدارة الذاتية"، فإن انتخابات البلدية ستُجرى في عموم المناطق بعد الانتهاء من إصدار قانون الانتخابات وتشكيل المفوضية العليا للانتخابات.
كما أعلنت أنها تعتزم تشكيل محكمة حماية العقد الاجتماعي، تتألف من 8 إلى 10 أعضاء من القضاة والعارفين بالقانون مناصفة في الاقتراح من قبل مجلس الشعوب ومجلس العدالة الاجتماعية، مع مراعاة تمثيل جميع المكونات الإثنية والدينية وتمثيل المقاطعات والمرأة. كما تعمل "الإدارة الذاتية" على تشكيل المؤسسة العامة للرقابة المالية والمحاسبة، والتي تتألف من 14 عضواً، وتشكيل لجنة لإعادة مشروع مسودة تحديد صلاحيات المجالس وتحديد العلاقة في ما بينها.
"العقد الاجتماعي" لقي رفضاً واضحاً من المعارضة والنظام في سورية معاً
وكان المجلس العام في "الإدارة الذاتية" التي تعد الجهاز الإداري لـ"قسد"، صادق أواخر العام الماضي على عقد اجتماعي اعتُبر بمثابة دستور مصغر للمناطق الواقعة تحت سيطرة هذه القوات التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي، نصّ من جملة ما نصّ على تغيير اسم الإدارة إلى "الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا"، ويتضمن سبع مقاطعات بموجب العقد الجديد. كما تم تعديل تسمية "المجلس العام" إلى "مجلس شعوب شمال وشرق سوريا".
ونصّ العقد الجديد في مواده على أن "الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا جزء من جمهورية سوريا الديمقراطية"، وأن "اللغات: العربية، الكردية، السريانية، هي لغات رسمية في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية"، وأن "الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا" تعتمد مبدأ استقلالية القضاء، و"تلتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وجميع لوائح حقوق الإنسان ذات الصلة".
وتُعرّف "الإدارة الذاتية" العقد الاجتماعي على أنه "مجموعة الأسس النظرية والعملية والقوانين والقواعد التنظيمية، التي توضع لتحدد العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتبين حقوق وواجبات الأفراد والمسؤولين داخل المجتمع". وتأسست "الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا" التي يهيمن عليها حزب "الاتحاد الديمقراطي"، عام 2013 لإدارة المناطق التي سيطرت عليها "وحدات حماية الشعب الكردية"، والتي أصبحت في 2015 الثقل الرئيسي لـ"قسد"، والتي تحكم اليوم نحو ثلث مساحة سورية يشكل العرب غالبية سكانه، ويعد الأهم لغناه بالثروات الزراعية والنفطية.
"العقد الاجتماعي"... مقدمة لفرض الأمر الواقع
ورفض كل من النظام والمعارضة السورية هذا العقد الذي يُنظر إليه على أنه مقدمة أو خطوة باتجاه فرض وقائع سياسية لا يمكن تجاوزها في أي تسوية سياسية للقضية السورية وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
ورأت هيئة التنسيق الوطنية، والتي يُنظر إليها باعتبارها الممثلة لمعارضة الداخل السوري والمنخرطة مع الائتلاف الوطني السوري المعارض في "هيئة التفاوض"، أن العقد "تجاوز للقرار 2254 الهادف إلى التغيير السياسي عبر التفاوض"، معتبرةً ذلك "محاولة لفرض مستقبل مسبق الصنع كأمر واقع خارج إرادة السوريين وخياراتهم"، وفق بيان. ورأت الهيئة في العقد الاجتماعي "استقواءً بالقوة العسكرية للولايات المتحدة والغرب وتجاوزاً للإجماع الوطني السوري"، معتبرةً أنه "لا يحق لأي قوة عسكرية أو سياسية مهما كان دورها أن تحدد مستقبل سورية"، و"إنما يتم تحديده عبر الدستور المقبل وشكل النظام السياسي المستقبلي، من خلال آليات ديمقراطية وانتخابية، وبمشاركة جميع السوريين".
هيئة التنسيق: العقد الاجتماعي استقواء بالقوة العسكرية للولايات المتحدة والغرب
وفي السياق، رفض المجلس الوطني الكردي "العقد الاجتماعي" الذي طرحته "الإدارة الذاتية" واعتبره بمثابة "قطع الطريق أمام أي شراكة حقيقية مع المجلس"، في إدارة الشمال الشرقي من سورية.
كما رفض "المجلس الإسلامي السوري" التابع للمعارضة العقد الذي أعلنت عنه "الإدارة الذاتية" وقال في بيان إنه يشكل "مشروع انفصال مبطّن".
"الإدارة الذاتية" تدافع عن نفسها
وأكد الرئيس المشترك لمكتب العلاقات في حزب "الاتحاد الديمقراطي" سيهانوك ديبو، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية" منذ بداية تأسيسها "حرصت على مراعاة التنوع الإثني القومي أو الديني والمذهبي، في جميع مؤسساتها شمال وشرق سورية". وأشار إلى أن الأكراد السوريين "تم تهميشهم وحرمانهم من حقوقهم الأساسية منذ بداية الأزمة السورية، لكن الإدارة الذاتية تأخذ بعين الاعتبار التنوع وخصوصاً بين الأكراد والعرب، وتعتبره مسألة استراتيجية في المفوضة العليا للانتخابات، وفي محكمة حماية العقد الاجتماعي، وفي المؤسسة العامة للرقابة المالية والمحاسبة".
وأعرب ديبو عن اعتقاده بأن رفض الكثير من الأطراف السورية للعقد الاجتماعي الذي أعلنته الإدارة "لا ينمّ ولا يعكس الحقيقة الموضوعية لحجم الأزمة السورية، إنما يعكس جانب الرفض غير المبرر للإدارة الذاتية الديمقراطية كشكل وصيغة ونموذج متقدم وفعّال لحل الأزمة السورية بشكل مستدام".
سيهانوك ديبو: لا يمكن منع الشعب بمناطق الإدارة الذاتية من تنظيم شؤونه الداخلية
وحمّل ديبو المعارضة السورية و"السلطة في دمشق" مسؤولية انسداد العملية السياسية السورية. وقال حول ذلك: "يتحملون أيضاً هذا التدخل الكبير الأجنبي المبالغ فيه من قبل بلدان إقليمية ودولية في الشأن السوري". ورأى أن "الإدارة الذاتية حافظت على السيادة السورية بشكل كبير"، داعياً إلى حوار بين الأطراف السورية لحل الأزمة. وأشار كذلك إلى أن "الإدارة الذاتية" أجرت أكثر من تجربة انتخابية خلال السنوات الماضية، بما فيها انتخاب مجالس الإدارة المحلية والبلديات. وتابع: "لا يمكن لأحد أن يمنع الشعب في مناطق الإدارة الذاتية من تنظيم شؤونه الداخلية، وسوف نحاول قدر الإمكان إشراك الآخرين في هذه العملية وتطوير واقع الإدارة الذاتية كي يكون بالفعل شكلاً متقدماً من أشكال حل الأزمة السورية".
وتسيطر "قسد"، التي تحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على قسم كبير من محافظة الرقة، بما فيه مدينة الطبقة الاستراتيجية، إضافة إلى شريط القرى على الضفة الجنوبية من نهر الفرات الممتد من قرية شعيب الذكر غرباً، إلى قرية كسرة شيخ الجمعة شرقاً.
ويمتد نفوذ "قسد" على كامل ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات الغني بالنفط، إضافة إلى معظم محافظة الحسكة مترامية الأطراف في شمال شرقي سورية، والتي تضم أكبر حقول النفط، والتي تعد المصدر الرئيسي لتمويل هذه القوات و"الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرقي سورية. كما تسيطر على منطقة منبج غربي نهر الفرات ومنطقة تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي.
وكانت "قسد" خسرت في عام 2018 منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال غربي حلب، لصالح المعارضة السورية. وخسرت في 2019 مدينة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريفها شمال الرقة، ومنطقة رأس العين، شمال غربي مدينة الحسكة.