في الوقت الذي تعددت فيه الرسائل التركية التي تهدف لإذابة الجليد في العلاقات مع مصر، أخيراً، تستبعد مصادر دبلوماسية مصرية، حصول ما يمكن تسميته بـ"مصالحة شاملة بين البلدين"، خلال الفترة المقبلة.
وأعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الجمعة، بدء اتصالات دبلوماسية بين بلاده ومصر من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وعدم طرح البلدين أي شروط مسبقة من أجل ذلك. وأضاف، في تصريحات إعلامية، "بدأنا اتصالاتنا مع مصر على الصعيد الدبلوماسي"، مضيفاً "لدينا اتصالات مع مصر، سواء على مستوى الاستخبارات أو وزارة الخارجية". وأعلن أن "الأيام المقبلة ستشهد جولة مباحثات جديدة بين تركيا ومصر على المستويين الاستخباراتي والدبلوماسي".
لفت جاووش أوغلو إلى أن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط
وتابع جاووش أوغلو "لا يوجد أي شرط مسبق، سواء من قبل المصريين أو من قبلنا حالياً، لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئاً لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة". ولفت إلى أن "تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود في شرق البحر المتوسط إن سنحت الظروف". وأضاف "يمكننا توقيع اتفاقية مع مصر من خلال التفاوض على المساحات البحرية وفقاً لمسار علاقاتنا"، متابعاً: "تلقينا بإيجابية نشاط مصر في التنقيب ضمن حدودها البحرية في البحر المتوسط وفق احترام حدودنا"، لافتاً إلى أن مصر "احترمت الحدود الجنوبية لجرفنا القاري، حتى بعد توقيع اتفاق مع اليونان وأن مصر نفذت أنشطتها دون انتهاك حدودنا ونحن نعتبر ذلك خطوة إيجابية".
كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الجمعة، أن "تعاوننا الاقتصادي والدبلوماسي والاستخباراتي مع مصر متواصل، ولا يوجد أي مشكلة في هذا".
لكن مصادر دبلوماسية مصرية معنية بملف الأزمة مع تركيا، قالت لـ"العربي الجديد"، إن الحديث أو التوقعات التي يرددها بعض المراقبين، بشأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مصالحة بين البلدين، وعودة العلاقات، أمر مستبعد تماماً، على الأقل في الفترة القريبة المقبلة، مشددة على أن الأزمة بين البلدين عميقة بدرجة كبيرة يصعب معها القفز فوق الخلافات. وأضافت المصادر أن الاتصالات التي جرت بين مسؤولين في البلدين أخيراً، سواء على المستوى الاستخباري، أو الدبلوماسي، لا تهدف إلى مصالحة بأي مستوى من مستوياتها، ولكن الأمر بالأحرى يمكن تسميته بأنه يهدف إلى "تنسيق مصالح ليس أكثر"، في فترة يحتاج فيها الطرفان لبعضهما البعض في أكثر من ملف ثنائي، وإقليمي، ولاعتبارات عدة.
وتابعت المصادر "هناك الكثير من الملفات التي تتقاطع فيها علاقات البلدين. وربما ترى مصر في الوقت الراهن أنه توفيراً للإمكانات والجهود، ولعدم إهدار الطاقات، يمكن القبول بالتنسيق في الفترة الراهنة مع تركيا في تلك الملفات المتشابكة، خصوصاً بعد النجاح النسبي للتنسيق بين البلدين في الأزمة الليبية، وإن كان ذلك التنسيق لم يكن على المستوى المأمول، لاعتبارات كثيرة، لكنه أسفر عن تهدئة لعبت دوراً في نجاح جهود الحل السياسي".
وحول المعوقات التي تمنع التوصل لاتفاق مصالحة شاملة بين البلدين، أو تنسيق عالي المستوى، قالت المصادر إن "الأمر على درجة عالية من الصعوبة، فطبيعة نظام الحكم في تركيا معوّق أساسي، ومواقفه السابقة والمعلنة من الإدارة المصرية تمنع حتماً الذهاب إلى تنسيق شامل وتكامل في العلاقات". وأضافت المصادر "كذلك عدم إبداء أنقرة أي مبادرات من جانبها في ما يخص الملفات التي تناوئ بها القاهرة، وفي مقدمتها استضافة قنوات المعارضة التي تبث من على أراضيها، ورفض أنقرة التطرق لهذا الملف بشكل كامل في اتصالات استخباراتية جرت خلال الفترة الماضية، متعللة بأنها ليست لديها سلطة على تلك القنوات، وهو الأمر العاري تماماً عن الصحة".
مصادر دبلوماسية مصرية: الأزمة بين البلدين عميقة إلى درجة كبيرة يصعب معها القفز فوق الخلافات
وقالت المصادر إن "ملف احتواء تركيا للإخوان الهاربين من مصر، وعلى غير ما يظن البعض، ليس ملفاً حيوياً في العلاقات بين البلدين. فما يعني مصر في المقام الأول في هذا الملف هو وقف الأعمال العدائية". واعتبرت أن "الإخوان وشخصيات سياسية مصرية معارضة للنظام الحالي تتواجد في كثير من الدول الأوروبية، من دون أن يمثل ذلك أزمة في العلاقات مع هذه الدول، ولكن مسألة أن تقوم بفتح المجال لهذه العناصر لممارسة أعمال سياسية مناوئة للنظام، وتساعدهم في ذلك، ثم تأتي لتطلب التنسيق وإقامة علاقات طبيعية، أمر مرفوض تماماً".
وكشفت المصادر أن الفترة الماضية شهدت اتصالات دبلوماسية على مستوى قيادات الصف الثاني في وزارتي الخارجية بالبلدين، بحثت أخيراً، إمكانية ترتيب لقاء بين وزيري خارجية البلدين، المصري سامح شكري، والتركي مولود جاووش أوغلو. وكانت مصر فتحت باب التفاهم مع تركيا في منطقة شرق البحر المتوسط الغنية بموارد الغاز الطبيعي، عبر إعلانها عن مناقصة للبحث عن الطاقة الهيدروكربونية، آخذة بعين الاعتبار حدود الجرف القاري لتركيا. وعلى الرغم من أن المناقصة التي أعلنتها الحكومة المصرية شملت المناطق الغربية في المتوسط، التي تم تحديدها بموجب الاتفاق المبرم بين القاهرة وأثينا، غير أن الخريطة المصرية تشير إلى أن المساحة الأخرى الواقعة شرق خط الطول 28، ترسم الحدود الجنوبية للجرف القاري التركي المشار إليها في الاتفاق التركي الليبي.
وخلال الفترة الأخيرة، قال مسؤولون أتراك إن أنقرة مستعدة لفتح فصل جديد مع مصر ودول الخليج، وطي صفحة الخلاف القائم معها منذ سنوات. وقال مستشار رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، ياسين أقطاي، إن "من يمشي إلينا خطوة نمشي إليه خطوتين"، في معرض تعليقه على تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن لشبكة "بلومبيرغ"، حول انفتاح بلاده على الحوار مع مصر. وأضاف أقطاي، في تصريحات إعلامية، إن حديث قالن جاء بعد بيانات وفعاليات من جانب مصر التي أعلنت أنها تحترم، وستعلن فعالياتها (يقصد أنشطة مصر للتنقيب عن الطاقة بشرق المتوسط) بحسب الترسيم التركي. وتابع "هذا هو المنتظر من مصر، التي رأت أن ذلك وفقاً لمصالحها أكبر، وبعد ما أعلنت هذا الشيء، من يأتي إلينا خطوة نمشي إليه خطوتين". واعتبر أن احترام مصر للحدود البحرية الجديدة لتركيا في شرق المتوسط "ستكون أحسن للطرفين، مصر وتركيا"، لكنه اعترف بـ"وجود خلافات وصعوبات بيننا، سياسية واقتصادية، لكن هذا شيء آخر، هذه مصالح البلدين، لا بد ألا تكون مرتبطة ببعضها".
وكان قالن قال، في تصريحات لشبكة "بلومبيرغ" أخيراً، إن "مصر قلب وعقل العالم العربي، ولديها دور مهم في المنطقة". ورأى أنه "يمكن فتح فصل جديد، ويمكن فتح صفحة جديدة في علاقاتنا مع مصر ودول الخليج الأخرى للمساعدة في السلام والاستقرار الإقليميين". وأكد أن تركيا مهتمة "بالتحدث مع مصر حول القضايا البحرية في شرق المتوسط، بالإضافة إلى قضايا أخرى في ليبيا وعملية السلام والقضية الفلسطينية".