الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية... حكام إسرائيل فوق الجميع

12 يوليو 2023
استخدمت الشرطة القوة ضد المتظاهرين في تل أبيب أمس (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

يتمسك الائتلاف الحكومي في إسرائيل بتمرير مشروع قانون إلغاء حجة "المعقولية" بالقراءتين الثانية والثالثة لتصبح قانوناً سارياً، بما يمنح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والوزراء مساحة للتحرك من دون حسيب أو رقيب، وهي الحكومة التي تضم متهمين بقضايا فساد على رأسهم نتنياهو.

وبكلمات أبسط يمنح القانون حال إقراره، المنتخَبين إمكانية فعل ما يريدون، في إطار الصلاحية التي توفّرها لهم مناصبهم في المؤسسات والدوائر المختلفة، أو الإحجام عن خطوات معيّنة دون أن تكون المحكمة العليا قادرة على إلغاء قراراتهم، أو إلزامهم بشيء، حتى لو رأى القضاة أنها غير معقولة.

السياسيون في الائتلاف وضعوا أنفسهم فوق المحكمة

ومن الناحية العملية يحاول السياسيون في الائتلاف وضع أنفسهم فوق المحكمة العليا، وكأن الحكومة تقول إنها هي من يحدد كيف يجب أن تتعامل المحاكم معها، وهي وحدها الجهة التي تحدد ما هو صحيح وما هو غير صحيح، وما هو مقبول وما هو غير مقبول، الأمر الذي يمس بجهاز القضاء واستقلاليته.

يدّعي الائتلاف بأن مشروع القانون سيعزز قوة المنتخبَين

ويدّعي الائتلاف الحاكم بأن مشروع القانون يأتي لتعزيز قوة منتخبي الجمهور، وهو ما شدد عليه أيضاً وزير القضاء ياريف ليفين، في خطابه في الهيئة العامة للكنيست، مساء أمس الأول الاثنين، قبيل التصويت على القانون بالقراءة الأولى، مشدداً على أن المنتخَبين، الذين يستمدون قوتهم من الشارع، أحق باتخاذ القرارات من القضاة.

فتح الباب على الفساد

في المقابل فإن إقرار القانون قد يفتح الباب على الفساد في الكثير من المجالات والتعيينات والقرارات في مختلف المؤسسات، خصوصاً مع تغييب المحاكم التي تلعب دوراً رقابياً أيضاً.

وإن كان الهدف المعلن تحجيم دور المحكمة العليا لأن قادة خطة تقويض القضاء يرون في توجههم العام بأنها تتدخل في أمور ليس من حقها التدخل فيها، خاصة ما يتعلق بإلغاء قرارات يتخذونها، فثمة أهداف أخرى غير معلنة، قد يستفيد منها نتنياهو، والوزير السابق وزعيم حزب "شاس" أرييه درعي وغيرهما.

في حالة نتنياهو مثلاً، المتهم بقضايا فساد، قد يجد، في حال إدانته لاحقاً، طريقاً للالتفاف على أي قرار قضائي مستقبلي يمنعه من شغل منصب رئيس الحكومة أو الترشح مرة أخرى. وفي حالة درعي، كمثال آخر، قد يمكّنه القانون من العودة لإشغال حقيبة وزارية، وهو الذي شغل منصب وزير الصحة ووزير الداخلية لدى تشكيل حكومة نتنياهو الحالية، لكن المحكمة العليا قضت بعدم شرعية هذا الأمر كونه مدان بالتهرب الضريبي. وفي حال سن القانون سيكون بالإمكان إعادته بقرار من الحكومة ورئيسها. وينسحب هذا الأمر على مسؤولين آخرين وقضايا أخرى.

يضاف إلى هذا أن الكثير من أقطاب الحكومة واليمين عامة، يرون أن لدى المحاكم ميولاً يسارية، ويعتبرون القانون خطوة استراتيجية. ويتماشى هذا مع محاولة الحكومة فرض أجندتها على عملية تعيين القضاة، وقبل ذلك السيطرة على لجنة تعيين القضاة، في محاولة للتأثير على قرارات المحاكم وتوجهاتها.

التغول في انتهاك حقوق الفلسطينيين

وعلى مستوى التوجهات السياسية قد يمنح القانون الحكومة مساحة أكبر للتحرك، والتغول في انتهاك حقوق الفلسطينيين، والاعتداء على أملاكهم ومصادرتها، واتخاذ قرارات تُمعن في التمييز والعنصرية ضد فلسطينيي الداخل من دون أن يكون هناك إمكانية لإلغاء القرارات. وإن كانت المحكمة العليا ليست بالفعل واحة عدل، عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، فإنها قد تنفع في بعض القضايا التي ترفعها جمعيات ناشطة في مجال حقوق الإنسان، أو قد تبدي رأياً نقدياً فيها.

قد يمكن القانون درعي من العودة لإشغال حقيبة وزارية
 

كما قد يعكس الخلاف بين المعارضين والمؤيدين للقانون، شيئاً من الصراع الداخلي، على المستوى المدني والاجتماعي والسياسي، بين من يميل لدولة دينية ومن يميل أن تكون علمانية، وبين من يميل لتعزيز الاستيطان وإدارة الصراع وبين الباحثين عن حلول.

على صعيد آخر، قد تأخذ المحاكم أو بعض المنظّمات برأي من يشغل منصب المستشار القضائي للحكومة في قضايا معيّنة. وهنا نجد أن الحكومة الحالية على خلاف كبير من المستشارة الحالية غالي بهراف ميارا بسبب التباين في المواقف وآرائها التي لا تعجب مكوّنات الحكومة، ما يعرّضها لانتقادات واسعة، وصلت حد توعد أطراف في الائتلاف الحكومي وحزب "الليكود" باتخاذ قرار بالإطاحة بها بعد إلغاء حجة "المعقولية".

ولن تتمكن المحكمة العليا في هذه الحالة من إعادتها. وهذا يعني أن القانون الجديد قد يشكّل أرضية خصبة لقرارات انتقامية أيضاً. وقد تتخذ الحكومة قراراً بإرجاء الانتخابات، ولن تجد من يردعها، وقد يتضرر الاقتصاد بسبب قرارات مسؤولين وتنعدم المنافسة في الأسواق بسبب تفضيل وزراء جهة على أخرى، أو حرمان جهة من دخول السوق من دون سبب مقنع، وقد يطاول الفساد مشاريع الإسكان والأراضي وطريقة تسويقها للجمهور. وفي النهاية قد يجد المسؤولون طريقاً معبّدة تمكنهم من اتخاذ أي قرار بدون عقبات وبدون خشية من العواقب، وبدون تفكير بأن هناك من سيلغيها أو سيحاسبهم.