أبعدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الأحد، الأسير المقدسي المحامي صلاح حسن الحموري إلى فرنسا بطائرة خاصة، مستبقة جلسة خاصة للبت النهائي في الاستئناف ضد قرار الإبعاد، التي كانت ستعقد مطلع الشهر المقبل.
وفي رسالة مسجلة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، قال الأسير الحموري، قبيل إبعاده إلى فرنسا: "هذه هي رسالتي الأخيرة قبل أن أغادر وطني، أبناء شعبي الفلسطيني الصامد، تحية للوطن، فلسطين (...) أتوجه بهذه الرسالة وأنا أتعرض لتهجيرٍ قسري واقتلاعٍ من وطني، معتقداً هذا العدو أنه بممارسة هذا التهجير والتطهير العرقي ينتصر علينا، إن فلسطينيتنا خيارٌ واختيار، وفاء وانتماء، أرض وذاكرة، مكان وزمان، فلا قرار تهجير قسري وتطهير عرقي يرهبني، ولا يردعنا ولا يردنا عن خيارنا بالمقاومة، ولا قوة فوق الأرض تستطيع أن تقتلع فلسطين وشعب فلسطين من عقولنا ووجداننا".
وأضاف الحموري: "أنا أغادرك اليوم يا وطني مجبراً ومكرهاً، أنا أغادرك اليوم من السجن إلى المنفى، لكن تأكد جيداً أنني سأبقى كما عهدتني، وفياً لك وحريصاً على حريتك، سأحملك معي أينما كنت، ستبقى أنت بوصلتي الوحيدة، وإلى أن نلتقي مجدداً وأعانقك في القدس والجليل وحيفا، لك أن تطلب مني ما تشاء، وأعاهدك أن أبقى جنديك الوفي أبداً.. أبداً أبداً".
وأكد والده، حسن الحموري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إبعاد الاحتلال نجله إلى فرنسا دون إبلاغ العائلة مسبقاً بعملية الإبعاد، التي علمت بها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
واتهم والد الأسير الحموري السلطات الفرنسية، وفي مقدمتها الرئيس إيمانويل ماكرون، بالتآمر مع الاحتلال ضد نجله. ولم تتحرك السلطات الفرنسية طوال الفترة الماضية لمنع إبعاد الحموري.
وأكد والد الأسير المبعد أن العائلة ستلاحق سلطات الاحتلال في الخارج، واصفاً ما جرى بأنه يمهد لمزيد من قرارات الطرد والترحيل للفلسطينيين من أراضيهم.
وكانت عائلة الأسير صلاح الحموري قد عبّرت في حديث سابق لها مع "العربي الجديد" على لسان والده، أول أمس الجمعة، عن خشيتها من أن تُبعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي نجلها المعتقل إدارياً إلى فرنسا، مستغلةً انشغال العالم بمونديال قطر لكرة القدم، محاولة استباق موعد محاكمته للنظر في قضية إبعاده في الأول من العام القادم.
وكانت محكمة الاحتلال الإسرائيلية في سجن الرملة قد أجّلت موعد البت في قضية سحب بطاقة هوية صلاح الحموري وترحيله إلى فرنسا، قبل أسبوعين، إلى الأول من العام القادم.
وكانت وزيرة الداخلية الإسرائيلية إيليت شاكيد، قد أعلنت في وقت سابق قرارها شطب إقامة الحموري بالقدس بحجة خرقه "الولاء لدولة إسرائيل"، بينما قررت إبعاده إلى فرنسا قبل نحو أسبوعين.
وكانت سلطات الاحتلال قد جددت في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي الاعتقال الإداري بحق الحموري (37 عاماً) لمدة ثلاثة أشهر، وذلك قبيل الإفراج عنه، علماً أنها اعتقلته عقب اقتحام منزله في بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة، في السابع من مارس/ آذار الماضي، وحولته للاعتقال الإداري فترتين متتاليتين.
وصلاح الحموري ناشط حقوقي ومحامٍ، متزوج امرأة فرنسية وأب لطفلين، وهو أسير سابق تحرر ضمن الدفعة الثانية لصفقة "وفاء الأحرار" التي أبرمتها حركة "حماس" عام 2011، وتعرض بعدها لمضايقات كبيرة على يد سلطات الاحتلال، حيث مُنع من دخول الضفة الغربية، واعتُقِل إدارياً، وأُبعِد عن القدس، وسُحبت الهوية المقدسية منه، بالإضافة إلى إبعاد زوجته وطفله الوحيد عن فلسطين إلى فرنسا.
يُذكر أن الحموري كان قد أمضى في الاعتقال أكثر من 9 سنوات، على عدة فترات متقطعة، الأولى عام 2001 لمدة 5 أشهر، وفي عام 2004 حوّلته سلطات الاحتلال للاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر، ثم اعتُقل لمدة 7 سنوات عام 2005، وفي عام 2017 أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله إدارياً لمدة 13 شهراً، كذلك منعته من دخول الضفة الغربية لمدة عامين.
ويتعرض الحموري لحملة ممنهجة من قبل سلطات الاحتلال، بدءاً من اعتقاله الإداري والتعسفي والتجسس على هاتفه ومراقبته، ووصولاً إلى سحب إقامته المقدسية، حيث إنه خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، صدّق المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ووزير القضاء الإسرائيلي على قرار سحب هوية الحموري، وحرمانه الإقامة في القدس بحجّة "خرق الولاء" لدولة الاحتلال.
هيئة شؤون الأسرى تستنكر قرار الإبعاد
وفي السياق، أدانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، في بيان صحافي، اليوم الأحد، قرار الإبعاد التعسفي والجائر بحق المحامي والحقوقي صلاح الحموري إلى فرنسا وسحب هويته المقدسية، الذي أصدرته محكمة الاحتلال بحقه بذريعة "خرقه الولاء لدولة إسرائيل".
وأوضحت الهيئة أن جيش الاحتلال كان قد أعاد اعتقال حموري خلال شهر مارس/ آذار الماضي، بعد اقتحام بيته في بلدة كفر عقب، وصدر بحقه أمر اعتقال إداري جُدِّد عدة مرات، ليُكمل 9 أشهر متتالية في الاعتقال الإداري من دون توجيه تُهم محددة بحقه، واحتجزه الاحتلال خلال فترة اعتقاله في معتقل "هداريم".
وأضافت أن حموري تعرض خلال السنوات الماضية للملاحقة والتضييق والاعتقال عدة مرات، فضلاً عن الحملة الممنهجة بحقه التي جرت من خلال التجسس عليه ومراقبة هاتفه، وتندرج هذه الإجراءات المنفذة ضده تحت الاستهداف الواسع للمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين الحقوقيين، ولا سيما المقدسيين، وذلك بهدف النيل من إرادتهم ومنعهم من ممارسة دورهم المجتمعي في التوعية والدفاع عن حرية الأفراد وحقوقهم.
وأكدت الهيئة أن هذه السياسة الجائرة بحق المقدسيين، التي تتمثل بقرارات الإبعاد والاعتقالات المتكررة والغرامات الباهظة والأحكام العالية، جزء من نهج الاحتلال القائم على التطهير العرقي والتهجير القسري في القدس، ومواصلة حصار المدينة المقدسة وعزلها عن محيطها، وصولاً إلى إفراغها من سكانها الأصليين، وتهويدها وتغيير معالمها الديمغرافية والجغرافية والتاريخية.
وبالإضافة إلى أن سياسة إبعاد المواطنين تُعتبر مخالفة صريحة للقانون الدولي، ومن أقسى العقوبات المحظورة وغير المشروعة، وتمثل انتهاكاً خطيراً للمواثيق والأعراف الدولية وتشكل جريمة ضد الإنسانية.
وزارة الخارجية الفرنسية تعارض قرار الإبعاد
من جانبها، أدانت وزارة الخارجية الفرنسية، الأحد، قرار السلطات الإسرائيلية المخالف للقانون بترحيل المحامي المقدسي الأسير صلاح الحموري إلى فرنسا.
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان صحافي، إنه "منذ اعتقال الحموري، اتخذت فرنسا إجراءات كاملة، بما في ذلك على أعلى مستوى في الدولة، لضمان احترام حقوق السيد صلاح الحموري، واستفادته من جميع سبل الإنصاف القانونية، وتمكينه من أن يعيش حياة طبيعية في القدس، حيث ولد ويقيم ويرغب في العيش".
وتابعت: "كما اتخذت فرنسا خطوات عديدة مع السلطات الإسرائيلية للتعبير بأوضح طريقة ممكنة عن معارضتها لطرد فلسطيني مقيم في القدس الشرقية، وهي أرض محتلة بالمعنى المقصود في اتفاقية جنيف الرابعة".
وقالت الخارجية الفرنسية: "لقد بذلت خدمات وزارة أوروبا والشؤون الخارجية في باريس، والقنصليات الفرنسية العامة في القدس وتل أبيب، وكذلك السفارة الفرنسية في إسرائيل، كل جهد ممكن لتزويده بكل مساعدة ممكنة من خلال الزيارات القنصلية العديدة، إن وزارة أوروبا والشؤون الخارجية على اتصال دائم بأسرة السيد الحموري".