تحاول سلطات الاحتلال استغلال الحرب على قطاع غزة، في محاولة فرض واقع جديد على المسجد الأقصى، يتيح لها المزيد من السيطرة على المسجد الذي كانت الانتهاكات الإسرائيلية بحقه أحد أسباب العملية التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وشددت سلطات الاحتلال من إجراءاتها المشددة على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تاريخ "طوفان الأقصى"، دون أن تسمح للمصلين الذين يتجمهرون عند أبوابه مع موعد كل صلاة، بالدخول، باستثناء العشرات الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والسبعين.
كذلك تمنع من يقطنون في بلدات وأحياء تعتبر بؤر مواجهة ساخنة مع الاحتلال، مثل العيسوية، ومخيم شعفاط، وسلوان، وجبل المكبر، وصور باهر، من الوصول إلى البلدة القديمة في القدس، فضلاً عن منع ما يقول الاحتلال إنهم "مطلوبون" من النشطاء والمرابطين، ومطلوبون لملفات ضريبية، من تجاوز حواجز الشرطة عند جميع أبواب المسجد الأقصى.
جيران الأقصى ممنوعون من الوصول إليه
الواقع أن المنع العشوائي للمقدسيين من الصلاة في أقصاهم، الذي كان سبباً رئيسياً لهجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يطاول كذلك من يقطنون بجوار المسجد الأقصى، كما الحال للقاطنين في حيّ الجالية الأفريقية عند باب الناظر أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى.
ويقول الناشط الحقوقي، أحد سكان الجالية، موسى قوس لـ"العربي الجديد"، إن "المنع يطاول الجميع. الوافدون إلى المسجد الأقصى من أحياء داخل البلدة القديمة، مثل باب حطة وحارة السعدية وحيّ الواد، يُخضَعون للفحص والتدقيق في بطاقاتهم".
ويضيف: "في جميع الحالات، يمنع الشبان من الدخول، بينما يسمح لعدد قليل جداً من كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم السبعين عاماً من اجتياز أول حاجز شرطي، قبل فحصهم على حاجز آخر مجدداً"، مشيراً إلى أن قوات الاحتلال تعيد بعضهم دون مبرر وسبب.
أما بالنسبة إلى القاطنين في حيّ الجالية الأفريقية حيث يتموضع جنود الاحتلال عند حاجز لهم، يوضح قوس أنه تطبق عليهم ذات الإجراءات، مشيراً إلى أن أغلب الشبان من أهالي الحيّ يمنعون من الدخول دون أن يسمح لهم بمناقشة الجنود في أسباب المنع.
كبار السن
بالقرب من شارع الواد المفضي إلى المسجد الأقصى، كان المواطن محمود مصطفى من بلدة العيسوية يحاول إقناع جنود الاحتلال بالسماح له بالدخول لأداء صلاة الظهر، لكن دون جدوى.
أحد أفراد شرطة الاحتلال دفعه بقوة وألقى ببطاقته الشخصية أرضاً، طالباً منه المغادرة في الحال.
ويؤكد مصطفى خلال حديث مع "العربي الجديد"، أنه فوجئ بالمنع، رغم أنه في الثامنة والستين من عمره، مبيناً أن الشرطي الذي فحص بطاقته قال له إنه ممنوع من الدخول، وإن عليه أولاً أن يغلق ملفه الضريبي في دائرة الإجراء والتنفيذ حتى يُسمَح له بالدخول.
إجراءات على موظفي الأقصى
كذلك يشتكي حراس المسجد الأقصى من القيود التي باتت تفرضها شرطة الاحتلال على دخولهم إلى المسجد الأقصى والالتحاق بأماكن عملهم منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ويقول أحد الحراس، الذي فضل عدم ذكر اسمه في حديث لـ"العربي الجديد": "غالباً ما نوقَف ونُفتَّش رغم إبرازنا ما يثبت أننا حراس، وهم يعرفوننا تماماً، لكن مع ذلك يجري إيقافنا وإعاقة دخولنا إلى باحات المسجد، بل إن الحارس الذي يأتي مبكراً قبل موعد التحاقه بوظيفته يمنع من الدخول حتى يأتي موعد مناوبته".
وتلتزم دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الصمت التام، دون تعليق على هذه التقييدات الجديدة التي تنذر بما هو أخطر بتهديد المسجد الأقصى.
وأكد مسؤول رفيع المستوى في الأوقاف، رفض الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، أنه "لا مجال للتصريح أو التعليق. ما يهمنا أن نضمن سير عمل الأوقاف، وتسهيل دخول حراسنا للالتحاق بعملهم تجنباً للقيود المشددة والحصار المستمر على المسجد، الذي لم يكن مسبوقاً في ما مضى".
وتابع: "نحاول تجنبهم (قوات الاحتلال) قدر الامكان، وفي اتصال واحد معهم أبلغونا بأنهم سيطبقون بعض التسهيلات، لكن ما حدث ويحدث حتى هذه اللحظة عكس ذلك تماماً".
واقع جديد لمحاولة السيطرة على الأقصى
ويعترف المسؤول في الأوقاف بأن اجراءات الاحتلال لا تسمح إلا بدخول أعداد ضئيلة جداً، جميعهم كبار في السن، من دخول المسجد الأقصى، مشيراً إلى أن صلاتَي الجمعة في الأسبوعين الأخيرين لم يشارك فيهما مجتمعتين أكثر من عشرة آلاف مصلٍّ، بينما كانت تصل أعداد المصلين في كل جمعة قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إلى أكثر من خمسين ألفاً.
في مقابل ذلك، يتحدث مسؤولو الأوقاف وحراسه عن استمرار اقتحامات المستوطنين اليومية للمسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الخاصة التي تمنحهم كامل الحرية لممارسة طقوسهم وصلواتهم التلمودية، وبمعدل يومي يصل إلى 120 مقتحماً.
ويخشى المسؤولون أن يستغل الاحتلال واقع المسجد الأقصى اليوم وما حدث من تطورات على مدى الأسبوعين الماضيين، لتنفيذ ما هو أخطر من حيث التقسيم المكاني للمسجد، الذي تنادي به جمعيات وجماعات الهيكل المتطرفة مدعومة بالحكومة اليمينية المتطرفة.