الاحتمالات العسكرية لاجتياح إسرائيل لبنان من الجولان

21 سبتمبر 2024
جنود إسرائيليون في الجولان، 8 مايو 2024 (عمير ليفي/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله يثير تكهنات حول توغل إسرائيلي بري في جنوب لبنان أو عبر جبهة الجولان، مما قد يضغط على النظام السوري للانخراط في الحرب رغم التزامه الحياد.
- جبهة الجولان حافظت على هدوئها منذ 1974، رغم بعض الخروقات التي تم ضبطها برعاية روسية، واستمرت الضربات الإسرائيلية على مواقع إيران وحزب الله في سوريا.
- النظام السوري لم يمارس دوره في "محور المقاومة" مباشرة بل عبر وكلاء، وروسيا تلعب دوراً في ضبط جبهة الجولان، والوضع الاقتصادي المتردي يجعل الدخول في حرب أمراً خطيراً.

مع احتدام المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، وبروز احتمال حصول توغل إسرائيلي بري في جنوب لبنان، أثيرت توقعات وتحليلات باحتمال لجوء إسرائيل إلى محاولة الالتفاف على قوات الحزب من جبهة الجولان السوري المحتل، تجنباً للاصطدام مع البنية التحتية التي بناها الحزب خلال السنوات الماضية في جنوب لبنان. وحتى مع استبعاد هذا الاحتمال، فإن جبهة الجولان قد تنزلق للحرب، في حال تطورت المواجهة بين حزب الله والاحتلال إلى حرب مفتوحة، الأمر الذي سيشكل ضغطاً على النظام السوري للانخراط بالحرب على الرغم من تجنبه ذلك حتى الآن، والتزامه منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي موقف "الحياد". وذكرت بعض التحليلات والقراءات أن العملية البرية الإسرائيلية المحتملة من الجولان ستستهدف الوصول إلى حاصبيا وراشيا والبقاع الغربي، وهي مناطق ليست محسوبة على حزب الله وتضم طوائف متعددة. وكانت هذه المنطقة، وتحديداً منطقة السلطان يعقوب، شهدت معركة في حرب 1982 ضد القوات الإسرائيلية التي تكبدت حينذاك خسائر كبيرة، وسحبت الفصائل الفلسطينية جثث جنود إسرائيليين عُرضت في شوارع مخيم اليرموك قرب دمشق، ما دفع وزير الأمن الإسرائيلي وقتها آرييل شارون لتوعد مخيم اليرموك بالانتقام والخراب.

تاريخ جبهة الجولان

ومنذ التوقيع على اتفاقية فك الاشتباك بين الجانبين السوري والإسرائيلي عام 1974، حافظت جبهة الجولان على هدوئها المطلق تقريباً، ولم يختلف الأمر بعد اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، باستثناء بعض الخروقات البسيطة والتي جرى ضبطها برعاية روسية في 2018. وتعهدت روسيا بسحب الأسلحة الثقيلة وإبعاد المليشيات الموالية لإيران عن خط فك الاشتباك، من دون أن يمس ذلك الضربات الإسرائيلية في سورية والتي استهدفت غالباً مواقع إيران وحزب الله في سورية. وقاوم الأسد ضغوطاً من إيران وحزب الله لفتح جبهة الجولان بعد حرب غزة، على الرغم من حدوث بعض الإطلاقات لصواريخ أو طائرات مسيّرة سقطت في أماكن مفتوحة بالجولان.


أسعد الزعبي: مسرح العمليات في الجولان لا يسمح بالخرق إلا في مناطق محدودة

وقال المحلل السياسي محمد جزار، لـ"العربي الجديد"، إن سياسة النظام في سورية، منذ عهد حافظ الأسد، كانت تقوم على عدم ممارسة دوره في "محور المقاومة" مباشرة، بل عبر الوكلاء من خلال دعم حركات المقاومة الفلسطينية أو حزب الله، لكن مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، فَقَد النظام في دمشق الكثير من أوراقه الإقليمية، وانتقلت القيادة في محور المقاومة إلى ايران التي باتت تتقاسم مع روسيا الهيمنة على سورية نفسها. وأضاف أن هناك دوراً روسياً في ضبط جبهة الجولان وإبعاد المليشيات التابعة لإيران عن الحدود وفق تفاهمات سابقة بين موسكو وتل أبيب، في إطار حرص روسيا على تجنيب النظام السوري الانزلاق إلى حرب شاملة مع إسرائيل تطيح بمكاسب تدخلها العسكري في سورية. ولفت جزار إلى أن روسيا أقامت نحو 14 نقطة مراقبة على حدود الجولان خلال السنوات القليلة الماضية، بغية ضبط الحدود، فضلاً عن تسيير دوريات عسكرية روسية في المنطقة. وتابع أنه فضلاً عن الدور الروسي، هناك الردع الإسرائيلي، إذ وجهت إسرائيل رسائل عبر أطراف عدة للنظام في دمشق بأنه سيكون هدفاً، برموزه ومنشآته الحيوية، في حال تدخّل أو سمح لإيران ومليشياتها باستخدام الأراضي السورية لشن هجمات على إسرائيل.

ووفق جزار، إضافة لهذه العوامل هناك الوضع الاقتصادي المتردي في سورية، وخصوصاً في مناطق سيطرة النظام، موضحاً أن الدخول في حرب سيفاقم هذه الأوضاع، ما قد يشكل خطورة على النظام الذي بالكاد يستطيع اليوم تسيير الحياة اليومية، وسط أزمات خانقة ومتفاقمة في الطاقة والخدمات المختلفة، في ظل العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على النظام. وحول إمكانية حصول التفاف إسرائيلي على حزب الله من جبهة الجولان، قال العميد المنشق عن جيش النظام، عبد الله الأسعد، لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير المستغرب أن تقوم إسرائيل بعملية التفاف من جبهة الجولان، خصوصاً أن لها سوابق في هذا الإطار، إذ توغلت قوات إسرائيلية خلال السنوات الماضية مرات عدة داخل الأراضي السورية في مناطق قرى جبل الشيخ، وقامت بعمليات اختطاف، وفي منطقتي بيرعجم والبريقة، عمدت القوات الإسرائيلية إلى توسيع السياج الحدودي باتجاه الأراضي السورية". وأضاف الأسعد أن "اتجاه الهجوم الرئيسي لجيش الاحتلال حتى الآن هو باتجاه مواقع حزب الله في جنوب لبنان، من دون استبعاد قيام إسرائيل بعمليات التفاف من مناطق أخرى لكن لم تبرز مؤشرات فعلية حتى الآن على عمل عسكري وشيك من جبهة الجولان، لكن لا يمكننا التكهن بما لدى إسرائيل من خطط قتالية في هذا الإطار، وهذا يخضع لمجريات المعركة وتطوراتها".

وحول حجم القوات السورية الموجودة في القطاع المحتمل أن تتوغل منه القوات الإسرائيلية في حال قررت الالتفاف على حزب الله من الأراضي السورية، أوضح الأسعد، الذي خدم سابقاً في جبهة الجولان، أنه يوجد حالياً لواءان من قوات النظام في تلك المنطقة معروفان باسم "نطاق الحيطة"، وهما اللواء 90 في القطاع الشمالي واللواء 61 في القطاع الجنوبي، وهما لواءا مشاة يخضعان لمراقبة قوات الأمم المتحدة بناء على اتفاقية الفصل لعام 1974. وأوضح أن منطقة الخرق المحتملة هي في قطاع اللواء 90، مشيراً إلى أن هذا اللواء ليس في جاهزية كاملة، ولا تتجاوز جاهزيته 15% من حجم القوات، نتيجة الانشقاقات وتحويل الكثير من عناصر اللواء باتجاه معارك النظام مع المعارضة. إضافة إلى أن الدبابات التي يملكها اللواء قديمة وأغلبها من طرازي "تي 55" و"تي 62"، بينما أغلب الدبابات الحديثة التي بحوزة النظام موجودة لدى الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والفرق المحيطة بدمشق، والمكلفة بحماية النظام، وليس مواجهة عدو خارجي.

وأعرب الأسعد عن اعتقاده أنه في حال حصول توغل إسرائيلي من هذه المنطقة، فإن اللواء الذي لا يتجاوز حجمه الحقيقي حجم كتيبة، غير قادر إطلاقاً على صد مثل هذا التوغل وسيتعرض للإبادة بالضربات الجوية الإسرائيلية. ولفت إلى وجود نحو لواء من "جيش التحرير الفلسطيني" (قوامه المجندون الفلسطينيون في سورية) الخاضع لجيش النظام السوري في سفوح جبل الشيخ، لكنه تعرض للتآكل أيضاً بعد عام 2011، وهو مجهز بأسلحة فردية خفيفة فقط. وأضاف الأسعد أن إيران وحزب الله حاولا خلال السنوات الماضية إيجاد أرضية عسكرية للعمل ضد إسرائيل من جبهة الجولان، عبر تجهيز نقاط وقواعد عسكرية متعددة، من دون التمركز فيها بغية استخدامها عند الحاجة نقاطَ ارتكاز ودعم لعمليات ميدانية محتملة. وتركزت تلك الأنشطة في منطقة حضر، وفي التلال على طريق دمشق ـ درعا القديم باتجاه الجولان، حيث أقامت هناك كما يعتقد مراصد ونقاط استطلاع متقدمة.


محمد جزار: روسيا أقامت نحو 14 نقطة مراقبة على حدود الجولان

انعدام جاهزية قوات النظام

من جهته، أيّد العميد أسعد الزعبي المنشق عن قوات النظام ما قاله الأسعد بشأن عدم جاهزية قوات النظام لصد أي توغل إسرائيلي في منطقة الجولان. وقال الزعبي لـ"العربي الجديد" إن مسرح العمليات في الجولان لا يسمح بالخرق إلا في مناطق محدودة، لافتاً إلى أنه يوجد لواءان من قوات النظام في المنطقة، هما اللواء 90 واللواء 61، وقوامهما عناصر من المليشيات المدعومة من إيران بما يفوق عدد المجندين السوريين. وأوضح أنه في الخطوط الخلفية توجد فرق النسق الأول، وهي الفرقة العاشرة في قطنا، والفرقة الأولى في الكسوة والفرقة التاسعة في الصنمين والفرقة الخامسة في إزرع والفرقة السابعة في زاكية، وهذه الفرق من المفترض أن تشكل نصف دائرة إحاطة لمنطقة الجولان، لكن المسألة الأساسية تتعلق بمدى جاهزية هذه الفرق، ولا تتجاوز نسبة الاستكمال في هذه الفرق 40% بسبب الانشقاقات والخسائر.

ولفت الزعبي إلى أنه لا يمكن المقارنة من ناحية التسليح والتدريب بين هذه القوات والجيش الإسرائيلي حيث التفوق كبير لصالح إسرائيل، إضافة إلى التفوق العددي، ويمكن لإسرائيل اختراق هذه الجبهة بسهولة. وأوضح ان إسرائيل تميل دائماً للسيطرة على المرتفعات، ولدى إسرائيل أعلى قمتين في جبل الشيخ، وهذه ميزة لها. وأضاف أن التضاريس لا تسمح لإسرائيل بعملية الالتفاف إلا من منطقتين، وهما الوصول إلى قطنا ومن ثم الصبورة وصولاً إلى الحدود اللبنانية، أو انتقال القوات الإسرائيلية الموجود على قمم جبل الشيخ مباشرة إلى الأراضي اللبنانية عبر مزارع شبعا باتجاه الجنوب اللبناني. ورجح الزعبي أن تلجأ إسرائيل إلى عمليات الإنزال خلف خطوط الخصم ومحاصرة قواته المتقدمة لإجبارها على الانسحاب أو الاستسلام بعد قطع خطوط الإمداد عنها. وعبّر عن اعتقاده بأن إسرائيل قد لا تحتاج إلى التوغل من جبهة الجولان لأن لديها بدائل عسكرية أخرى، وربما يكون دافعها إذا فكرت بهذا الخيار، التخلص من المليشيات الإيرانية على الحدود السورية، أكثر منه مقتضيات خوض المعركة مع حزب الله.

المساهمون