كان من المقرر أن يستضيف "مركز زوار مبنى الكونغرس"، ليل الأربعاء الماضي، نشاطا بمناسبة الذكرى الـ75 لنكبة فلسطين، أعدت له النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، الفلسطينية الأصل، إلا أن رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفن مكارثي تحرك قبل 24 ساعة من الموعد وحجز القاعة ذاتها التي كان من المقرر إقامة هذا النشاط فيها.
وحجز مكارثي القاعة، وهو صاحب القرار بشأن مقرّ الكونغرس وملحقاته، لعقد لقاء نيابي (ديمقراطي – جمهوري) يكون على شكل "احتفال بمرور 75 سنة على العلاقات الأميركية الإسرائيلية". واتضح لاحقًا أن الإطاحة بالنشاط الفلسطيني كانت وراءه مجموعة من الحاخامات من أنصار ومؤيدي إسرائيل، إذ دعت إلى نسفه بحجة أن النائبة طليب التي أشرفت على تنظيمه تصنِّف إسرائيل بأنها دولة "فصل عنصري".
وقال مكارثي بالمناسبة إنه طالما بقي في منصبه هذا "فإننا سندعم حق إسرائيل في تقرير مصيرها وحقها في الدفاع عن النفس بشكل لا لبس فيه". فيما يشير الجانب المبطن من كلامه إلى أنه سيبقى أيضاً حريصا على تخريب وعرقلة أي محاولة لرفع اسم فلسطين في الكونغرس.
بدورها، أكدت النائبة طليب أن هذا الإجراء لن يسكتها وأنها ستعمل على تحديد موعد آخر لإحياء هذه الذكرى.
وما يزيد من جلافة عملية "الخطف" هذه أنها تأتي في ظلّ مناخ من "التنكر الإلغائي الترامبي" للفلسطينيين في الكونغرس، خاصة جناحه الجمهوري، مقابل "احتضان فاقع وشبه أعمى" لاستباحات إسرائيل.
لا يعد الانحياز في الكونغرس للدولة العبرية جديدًا، لكن كانت هناك مساحة، ولو ضيقة على الأقل، لتفهم الوضع الفلسطيني، وإن على الورق. الآن هذه المساحة لم يعد لها أثر يذكر في الكونغرس، وعلى الأرجح أن سياسة غض النظر التي اعتمدتها إدارة بايدن إزاء هذه الاستباحات، ساهمت في تعزيز النعرة ضد الفلسطينيين إلى حد الخروج عن النمط المتوارث، حتى عندما كان الجمهوريون في البيت الأبيض أو في موقع الغالبية بمجلسي الكونغرس.
إذ وعلى سبيل المثال، جرى قبل أيام طرح مشروع قرار في مجلس النواب "لتهنئة إسرائيل بعيدها الـ75"، خلافا للمعتاد، تجاهل تماماً ذكر الفلسطينيين وتطرق فقط إلى السلام بين إسرائيل و"الدول الأخرى المجاورة". ورفض الجمهوريون أي إشارة إلى حل الدولتين كما كان يجري في السابق، إذ اقتصرت الإشارة إلى "اتفاقيات أبراهام" فقط.
وقد صوت المجلس بالإجماع على مشروع القرار باستثناء 18 من النواب الديمقراطيين الذين يسمونهم باليسار أو "الاشتراكيين"، بهدف عزلهم وتعزيز النفور منهم.
بعدما تحدث مكارثي في الكنيست، الأسبوع الماضي، أثناء مشاركته مع زعيم الأقلية الديمقراطية حكيم جيفريز في احتفالات إسرائيل بهذه المناسبة، وعد بدعوة نتنياهو لإلقاء خطاب أمام الكونغرس، كما حصل في زمن أوباما.
أما إدارة بايدن فتتعامل مع الانتهاكات الإسرائيلية بردود "بائسة" عززت الحديث عن ضعفها، تجلّى ذلك في أوضح صوره في قضية الشهيدة الصحافية شيرين أبو عاقلة التي عاد ملفها إلى الأضواء هذا الأسبوع، مع صدور تقرير المنسق الأمني الأميركي الجنرال مايكل فنزل بعد سنة على مقتلها.
وفي هذا السياق، تقول وزارة الخارجية الأميركية إن المنسق لم يأت بجديد على الخلاصة التي توصل إليها التحقيق الذي أجراه الجيش الإسرائيلي ومفاده أن "الجيش الإسرائيلي تسبب (على الأرجح) بقتلها، لكن (من غير قصد)". إذ اكتفى ناطق باسم الخارجية بهذه الكلمات القليلة عن التقرير الذي يبدو أن فيه أكثر من "على الأرجح" وأبعد من "غير قصد".
ورفض المتحدث الدخول في فحوى التقرير، ما عزز الشكوك بثبوت جرم القتل المتعمد الذي لا يراد كشفه. ويدعم هذا الانطباع أن أحد أعضاء مجلس الشيوخ، وهو السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين، طلب من وزارة الخارجية إيداع نسخة من التقرير للكونغرس، ما يعكس التشكيك بالخلاصة التي بدت أقرب إلى "اللفلفة".
ويلتقي تكتم الإدارة بشأن أبو عاقلة مع فجاجة الكونغرس في توفير الغطاء لاستباحات إسرائيل المنفلتة هذه الأيام والتي لا تحتمل حتى مجرد التذكير بالنكبة. ولو كان بإمكان مكارثي إلغاء النشاط الذي ستقوم به الأمم المتحدة، يوم الإثنين القادم، "لتثبيت" حصول النكبة، ما كان ليبخل بذلك، إلا أنه لحسن الحظ لا يستطيع.