قدم جهاز الاستخبارات العسكري الدنماركي "إف إي" تصورا قاتما عن مستقبل أفغانستان، بعد 19 سنة من مشاركة البلد في الحلف الأميركي لإسقاط حكم "طالبان" بعيد هجمات 11 سبتمبر/أيلول في 2011.
ووفقا لتقريره السنوي لتقييم المخاطر، والذي كشف بعض محتوياته اليوم الاثنين، فإن الجهاز، المنوط به العمل الخارجي وتقديم التقارير للمستوى السياسي، يرى أنه "بعد 19 عاما من الحرب في أفغانستان تقترب (حركة) طالبان من تولي السلطة أكثر من أي وقت مضى".
توقع وتقدير الاستخبارات الدنماركية، العاملة على أرض أفغانستان منذ 21 ديسمبر/كانون الأول 2001 في عمليات سرية سميت "عملية الكريسمس" لم يكشف عنها إلا في 2012، يأتيان "على خلفية توصل الأميركيين إلى اتفاقية مع طالبان لخروج باقي القوات الأميركية بحلول 30 إبريل/نيسان العام القادم، وبالتالي انسحاب بقية القوات الغربية، بما فيها الدنماركية".
ويرجح الجهاز الأمني أن طالبان "ستستولي على السلطة، أو قد ينتهي الأمر بأفغانستان إلى حرب أهلية شاملة". ووصف وزير الخارجية الدنماركي ييبا كوفود (يسار وسط)، بعد اطلاعه على تقييم مخابرات بلده، الوضع الأفغاني القادم بأنه "قاتم".
ويذهب التقييم السنوي لمخاطر السياسات الأمنية إلى قراءة المستقبل الأفغاني باعتباره يشكل "هزيمة للقوى الغربية التي شاركت في الحرب، فلم تنتصر الولايات المتحدة الأميركية والحلفاء الغربيون، وسيكون هناك منعطف جديد لمنتصرين آخرين متمثلين بحركة طالبان، وبالطبع لن تكون الدنمارك إلى جانب هذا المنتصر في تسارع ملحوظ لكسب الحركة وتقدمها في كل مكان". وعلى الرغم من تيقن الاستخبارات العسكرية الدنماركية من أن "الإيجابية تبدو أقل احتمالية، فإن الجيش الحكومي (الأفغاني) من غير المرجح حسمه للأمور، وقد تغرق البلد في حرب أهلية أوسع نطاقا، مع تدفق المزيد من الأسلحة والمقاتلين، وقد ينتهي ذلك أيضا خلال سنوات قليلة بعودة طالبان للحكم".
ويهتم الساسة الدنماركيون، الذين فقدت بلادهم عشرات من جنودها في حرب أفغانستان، بنواح أخرى مرتبطة بتوقع "حرب أهلية"، إذ يفيد التقدير الأمني أنه "من المرجح أن تؤدي التطورات تلك إلى أزمة إنسانية وتدفقات لاجئين، بالإضافة إلى تقوية الإسلاميين المتشددين"، بحسب تقرير الاستخبارات.
يذهب التقييم السنوي لمخاطر السياسات الأمنية إلى قراءة المستقبل الأفغاني باعتباره يشكل هزيمة للقوى الغربي
وتعاني كوبنهاغن بالأصل من تدفق آلاف الأفغان طلبا للجوء، كحال جيرانها الأوروبيين، وينتظر آلاف منهم في اليونان وعلى حدود دول الاتحاد الأوروبي. ويأمل بالتالي سياسيو الدنمارك أن "يراجع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قرارات ترامب بالانسحاب التام من أفغانستان، لما في ذلك من تأثير سلبي على بقية قوة الناتو التي تعتمد بالكلية على الحماية الأميركية في ذلك البلد"، بحسب ما نقلت "بوليتيكن" اليوم الاثنين.
وفي السياق، أكد وزير الخارجية كوفود، حسب "بوليتيكن" أيضا، أن تقييم الاستخبارات "لا يمكن الاختلاف معه، فهو جاد ويقدم صورة مستقبل قاتم، ومع ذلك لا يعتريني شك بأننا مع بقية التحالف الغربي سنبقي على مسؤولياتنا في أفغانستان، مع تأكيد مواصلة الالتزام الدولي لتجنب ما توصل إليه تقييم جهاز الاستخبارات الدفاعية".
ويرى كوفود "ضرورة استمرار الضغط على جميع الأطراف، ليس أقلها طالبان، لحملهم على الدخول بإخلاص في مفاوضات السلام بين الحركة والحكومة الأفغانية"، مذكرا في الوقت عينه بما سماه "التكلفة الكبيرة التي دفعناها، سواء في الأرواح أو الموارد، ولا يجب التعايش بعد ذلك مع الإرهاب في أي مكان في العالم، وسيكون هناك كفاح عالمي ضده، وهذا وعد نطلقه مع الحلفاء".
ورغم قتامة الصورة المستقبلية التي تقدمها أجهزة الاستخبارات، يُذكر مسؤول السياسة الخارجية لكوبنهاغن بما سماه "إنجازات"، "فأمور كثيرة تطورت بفضل التدخل في أفغانستان، إذ ارتفع متوسط الأعمار من 44 سنة إلى 61 سنة، وانخفض معدل وفيات الأمهات (المنجبات) بنحو 80 في المائة، واليوم يرتاد المدارس 10 أضعاف ما كان قبل 2001، مع ملاحظة أن 39 في المائة من تلامذة المدارس من الفتيات"، بحسب جردة كوفود للوجه الآخر من صورة 19 سنة من تدخل بلاده مع الأميركيين لإسقاط حكم "طالبان".
من جهته، رأى وزير الخارجية السابق مارتن ليدغورد، من حزب "راديكال"، يسار وسط، والذي صوت لصالح تدخل بلاده في حربي أفغانستان والعراق، أنه "تم ارتكاب أخطاء في أفغانستان، وهذا يجب أن نقوله بصراحة لنتعلم منها". ورغم إعرابه عن عدم ندمه على تصويته لصالح تدخل بلاده في الحرب الأفغانية آنذاك، يذكر ليدغورد أنه " لو كان بالإمكان تغيير الأشياء لكنت راجعت إرسال جنودنا إلى هلمند (حيث قتل فيها بضربة واحدة 38 جنديا دنماركيا من أصل 43)". ورغم ذلك، يؤكد ليدغورد أن "البديل عن تدخل الغرب بعد الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001 كان أسوأ".
المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب "فينسترا" الليبرالي، يمين الوسط، مايكل أستروب ينسن، ورغم قبوله بما جاء في التقرير الأمني، يرى أنه "لا يجب القبول باستيلاء طالبان على الحكم، وعلينا أن نكون قادرين على التدخل إذا دعت الحاجة".
ويأمل طرفا السياسة الدنماركية، في معارضة يمين الوسط والحكم في يسار الوسط، أن تكون السياسة الأميركية الجديدة، بعد تسلم بايدن الرئاسة، إعادة تقييم الانسحاب التام من أفغانستان "قبل التوصل إلى اتفاق سلام في البلد"، رغم اتفاقهما على أن "الأميركيين بالطبع لن يقوموا بعملية حشد عسكري إضافي في أفغانستان مستقبلا".