قدم 11 باحثاً في الجلسة الأولى من المنتدى السنوي لفلسطين، في دورته الأولى التي افتتحت، صباح اليوم السبت، أوراقهم في ثلاث ندوات تناولت الاستعمار الاستيطاني وفلسطين في القانون والسياق الدوليين.
"الاستعمار الاستيطاني: حالة فلسطين"
في المسار الأول من الجلسة، جاءت ورقة نديم روحانا، أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الصراع، بعنوان "الملّاك والمستأجرون في الدولة اليهودية: المواطنة الاستعمارية الاستيطانية والوطن وحق الانتماء".
ورأى الباحث أنه في حين افترض المشروع الصهيوني الرامي إلى إقامة دولة يهودية حصرية في فلسطين، منذ إنشاء إسرائيل في عام 1948، ملكية يهودية حصرية للوطن، على غرار ملكية الأرض، فإن التعبير الصريح عن هذا الأمر في الخطاب السياسي الناشئ يساهم في الوضوح المفهومي لطبيعة المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، من حيث العلاقة بين اليهود والفلسطينيين الأصليين، والمواطنة في سياق استعماري استيطاني، ومسألة الحق الأساسي في الانتماء بحسب الصهيونية.
وفرّق الباحث، في هذا الصدد، بين الانتماء إلى الدولة بوصفها بنية سياسيةً، والانتماء إلى الوطن باعتباره موقعاً للتوظيف العاطفي الوطني الفردي والجمعي.
محو الآخر
وتناولت كارولين لاند طالبة الدكتوراه في كلية الدين واللاهوت ودراسات السلام، كلية ترينيتي في دبلن، "الاستعمار الاستيطاني ومحو الآخر: بناء سرديات الهيمنة".
استكشفت الورقة كيف أن إسرائيل، باعتبارها نظام حكم استعمارياً استيطانياً تنتج وتنشر الروايات المتعلقة بالمجتمع المدني الفلسطيني ومقاومته.
ولهذا الغرض، تمحورت الورقة حول دراسة حالة تركّز على منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الست التي صنفت "منظمات إرهابية" في إسرائيل و"منظمات غير قانونية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ أواخر عام 2021.
وبيّنت لاند أن المنطق الداخلي للاستعمار الاستيطاني، كما هو منظم حول مبدأ القضاء، كان محورياً في تسمية المنظمات الست. فقد قام النظام السياسي الاستيطاني، عبر مراحل مختلفة من التوسع ونزع الملكية، ببناء رواية "إرهابية" كاذبة حول المجتمع المدني الفلسطيني ونشرها، استناداً إلى منظور الاستثنائية والإنكار.
وعلى هذا النحو، قالت إن بناء السردية كان بمثابة مراكمة في محو النظام السياسي الاستيطاني المستمر لروايات السكان الأصليين، وفي الوقت نفسه إضفاء للشرعية على المشروع الاستيطاني نفسه واستراتيجياته المستخدمة.
الدوافع والعنف
في الخطاب الذي يطبّع الغزو والسيطرة الاستعماريين ويبررهما ويروج لهما، تلقى الطبيعة القومية المزعومة للمشروع الصهيوني اهتماماً تحليلياً، وهو اهتمام يصور الصهيونية على أنها مشروع تحرري ليهود مضطهدين في أوروبا وخارجها.
هذا ما يحاجج به مارك مهند عياش، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ماونت رويال، في مشاركته بعنوان "الصهيونية والقومية والاستعمار الاستيطاني: الدوافع والعنف".
ولمواجهة هذا الخطاب ومحوه للمستعمَرين، أكّد العديد من الباحثين النقديين أن الصهيونية هي قومية واستعمارية استيطانية على حد سواء.
لكن وفق ما يطرحه الباحث، فإن تقديم بديل مناهض للاستعمار، يحلّ محل التركيز الحصري على الصهيونية، بوصفها مشروعاً قومياً، يقتضي إصرار التحليل النقدي على أن قومية الدولة، سواء أكانت إثنية أم قومية مدنية، ليست سوى واحد من العناصر التي يمكن أن يحللها الباحثون داخل إطار السيادة الاستعمارية الاستيطانية الكبير، وليس إلى جانبه.
ورأى أن من الواجب تفحّص آثار المشروع الصهيوني وإعطاء التجربة الفلسطينية وزنها التحليلي المناسب ووضعها في مقدمة التحليل، لا بوصفها ما يمكن أن يلقي الضوء على "العواقب غير المقصودة" للصهيونية، بل باعتبارها ما يكشف منطق الصهيونية والمشروع الصهيوني وطبيعتهما.
استلحاق الهوية
زينة جلاد، وهي أستاذة العلوم القانونية، بحثت شكلاً من أشكال الضم غير الإقليمي لأقلية من السكان يمتد إلى الذات والهوية، وهي هنا تحلل منح إسرائيل الجنسية للسامريين الذين يبلغ عددهم أقلّ بقليل من 500 نسمة ويعيشون في الأراضي المحتلة في نابلس.
وتحت عنوان "استلحاق الهوية: الضم الإسرائيلي غير الإقليمي والنفسي لسامريي الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة قالت جلاد إنه بناء على قانون العودة المثير للجدل، إذ إن منح مكانة المهاجر اليهودي لأشخاص ليسوا يهوداً ولا عائدين، أتاح لإسرائيل فرصة لتعزيز الحقوق المدنية لشريحة من المجتمع الفلسطيني كانت ستبقى هشة من غير ذلك.
ولتعزيز قبضتها على الحياة النفسية للرعايا الفلسطينيين، أضافت أن هذا الضم المزدوج النفسي - الإقليمي العملي، أو الضم المركَّب الذي هو نتيجة للنهج الاستعماري الاستيطاني في بناء الدولة، جرى عبر أجيال من بحث السامريين وضعهم القانوني غير المستقر ضمن القانون الإسرائيلي.
وخلصت إلى أن ذلك البحث بلغ ذروته في تمكّن المجموعة من تقديم التماس إلى المحكمة العليا في إسرائيل. ومع استمرار إسرائيل في استخدام القانون لقمع الأقليات، فإن معاملتها للسامريين هي حالة لها قيمتها في هشاشة مثل هذه الممارسات وتناقضاتها والأضرار النفسية الناتجة منها، ما يتطلب اهتمام المجتمع الدولي.
فلسطين في القانون الدولي
أما المسار الثاني من الجلسة فتحدث فيه ثلاثة باحثين. وتناول الحسين شكراني المتخصص في القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض – مراكش "التعويض عن الأضرار البيئية في فلسطين المحتلة: مع إشارة إلى التداعيات البيئية للجدار الإسرائيلي العازل".
وبما هو صراع عربي - إسرائيلي وجودي لا صراع حدود، قال شكراني إن سلطة الاحتلال الإسرائيلي تعمل على خنق الفلسطيني، بغرض تهجيره وفصله عن الأهل والمَزارع، أو جعله يعيش في كانتونات معزولة عن العالم.
وعليه يضطلع الاحتلال بجهود واسعة من أجل ترسيخ الأمر الواقع، أي ضمان الاستقرار والأمن بالمفهوم الإسرائيلي.
وأشار الباحث إلى أن هناك تركيزاً على المعضلة البيئية في الصراع العربي الإسرائيلي وتداعياتها المناخية بدراسة آثار الجدار الإسرائيلي العازل في حياة الفلسطينيين والأجيال المقبلة من منظور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (2004) دون إغفال اتفاقيات جنيف 1949، والبروتوكولات الملحقة بها عام 1977، وبعض الاتفاقيات الدولية ذات الصلة؛ وكذلك في نظام روما الأساسي 1998، مع الأخذ في الاعتبار قضايا ذات صلة بالتعويض، كقضية مصنع شورزو بين ألمانيا وبولونيا (13 سبتمبر/ أيلول 1928)، ومشروع غابتشيكوفو – ناغيماروس بين المجر وسلوفاكيا (1997)، وقضية نيكاراغوا ضد كوستاريكا (1018) وغير ذلك.
حق العودة
تحت عنوان "مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وحق العودة في ضوء قرار الأمم المتحدة رقم 194"، قال سيف يوسف، وهو مسؤول حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، إن حق العودة يعد من الحقوق الأساسية التي يجب احترامها من دون تمييز أو تحيز؛ لكنه في سياق أزمة اللاجئين الفلسطينيين، موجود فقط كحلم، دون أي يقين بتحقيقه، خاصة عندما تظل أسباب الأزمة قائمة.
ولا تزال الأمم المتحدة بكل جهودها تجاه اللاجئين في جميع أنحاء العالم تواجه العديد من التحديات، كما قال، لا سيما مع استمرار الاشتباكات في المنطقة، على نحو يجعل أزمة اللاجئين الفلسطينيين واحدة من أكثر الأزمات التي طال أمدها في العالم.
ركزت ورقة الباحث على حق العودة في الفقرة الـ11 من قرار الجمعية العامة 194 لعام 1948، وكيف يمكن أن تعرّض الحلول الدائمة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الفلسطينيين في العودة للخطر، والآثار المترتبة على ذلك تجاه أولئك الذين من المفترض حمايتهم.
المحكمة الجنائية
أمّا محمد الوادراسي، الأستاذ المساعد بجامعة ابن زهر - أكادير بالمغرب، فحاول في ورقته الكشف عن العقبات التي تواجه تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، وصعوبات تطبيق العدالة الجنائية في الأراضي الفلسطينية.
وقال تحت عنوان "إكراهات تطبيق العدالة الجنائية الدولية في فلسطين" إنه بعد انتزاع فلسطين العضوية في النظام الأساسي لروما عام 1998، وإعلان المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة فتح التحقيق في الجرائم الدولية المفترضة، تواجه تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية مجموعة من العقبات.
وفي سعيه للكشف عن هذه العقبات والصعوبات قال إن أهمها تشبث الجانب الإسرائيلي باتفاقيات أوسلو، وإنكاره صلاحية المحكمة للنظر في الجرائم الدولية المفترضة، كما ترتبط بعض الصعوبات بطبيعة النظام الأساسي لروما الذي لا تنطبق أحكامه إلا على الدول الأطراف في المحكمة، ما يسمح لإسرائيل برفض التعاون مع المحكمة، ويتيح لها إمكانية التشبث بنظام التكامل القضائي، وهو ما يحد من فاعلية تحقيقات المحكمة ونجاعتها على أرض الواقع في كلتا الحالتين.
سياق دولي
انعقد المسار الأخير للجلسة الأولى تحت عنوان "القضية الفلسطينية في السياق الدولي"، وشارك فيها أربعة باحثين.
وتعرّضَ مايكل ر. فيشباخ في ورقته إلى تفاصيل دعم الناشطين الأصليين واللاتينيين في الولايات المتحدة للفلسطينيين بدايةً من ستينيات القرن العشرين.
وقال إنه في خضم الانتفاضة العالمية ضد الاستعمار والأشكال الأخرى من الإمبريالية في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، رأى بعض الناشطين المحليين في الولايات المتحدة أنفسهم والفلسطينيين شعوباً حرمت بالقوة من استقلالها وأرضها، ومحا وجودها المستوطنون الأجانب.
ولفت إلى أن الناشطين لم يبدؤوا نضالاً ضد الاستعمار في الولايات المتحدة وبورتوريكو فحسب، بل توسعوا بدعمهم ليبلغ النضال التحرري الوطني الفلسطيني في الشرق الأوسط أيضاً. ومهدت أفعالهم لعقود من النضال المحلي من أجل فلسطين في الولايات المتحدة.
في خضم الانتفاضة العالمية ضد الاستعمار والأشكال الأخرى من الإمبريالية في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، رأى بعض الناشطين المحليين في الولايات المتحدة أنفسهم والفلسطينيين شعوباً حُرمت بالقوة من استقلالها
وفحص المشترك الذي أسس لهذا الدعم قائلاً إنها التجربة المشتركة في السلب التي مارسها الاستعمار الاستيطاني على السكان الأصليين في أميركا الشمالية والفلسطينيين، ما أوجد خطاباً تحررياً مشتركاً بين الناشطين الأصليين في أميركا ومنظمة التحرير الفلسطينية.
فلسطين وكشمير
وتقصّى عبد الله موسوس، وهو طالب دكتوراه في معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر، الخيوط الرابطة بين وجود إسرائيل في فلسطين التاريخية ووجود الهند في كشمير المحتلة فيما يخص علاقتها بالاقتصاد العالمي.
واستناداً إلى أدبيات تفهم الاستعمار الاستيطاني على أنه شبكة عالمية، استخدم الباحث تلك الخيوط الرابطة كي يرسم معالم الطرائق التي تطور بها الاستعمار الاستيطاني جنباً إلى جنب مع تطور الرأسمالية العالمية وفي علاقة معها، لا سيما منذ نهاية الحرب الباردة والصعود المتسارع للنيوليبرالية.
هذا الربط، وليس المقارنة، بين المشروعين الاستعماريين في فلسطين وكشمير يفسح المجال أمام مقاربة تضع الحركات الاقتصادية بينهما كخاصية أساسية للرأسمالية العالمية المعاصرة، كما أوضح.
وخلصت الورقة إلى أن الاقتصاد العالمي يفيد، ويساهم في، التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والكشميريين وأشكال السيطرة اللاحقة التي فُرض عليهم أن يقاسوها، وفقاً لمعايير الاقتصاد العالمي النيوليبرالي وافتراضاته ومنطقه المهيمن.
إسرائيل وأفريقيا
بدوره، بحث نوغ نيوي أسانغا فون، طالب الدكتوراه في جامعة شرق البحر المتوسط بقبرص، العلاقة المتنامية بين إسرائيل وأفريقيا في الفترة 1950-2022، وردّ الفعل الفلسطيني على هذه العلاقة.
هذه العلاقة، كما يأتي في عنوان الورقة، "شراكة معقدة" ولكنها بلغت نقطة فارقة في يونيو/ حزيران 2021 عندما منح الاتحاد الأفريقي دولة إسرائيل صفة مراقب.
وأشار الباحث إلى أن القرار الذي اتخذه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي بقبول إسرائيل مراقباً ضمن الاتحاد في الهيئة القارية أثار ردة فعل عنيفة من بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي، وخلافاً داخلياً.
وقدمت الجزائر وليبيا ومصر وموريتانيا وجيبوتي وجزر القمر وتونس مذكرة شفوية إلى فقي أكّدت فيها رفضها منح صفة مراقب لإسرائيل، مشيرةً إلى أن ذلك يتعارض مع تأييد الاتحاد الأفريقي للقضية الفلسطينية. وقد كشف هذا الأمر الطبيعة المعقدة للعلاقات الإسرائيلية مع أفريقيا.
واستخدمت الورقة الواقعية إطاراً نظرياً لتحليل العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، مدللة على أن علاقات إسرائيل الثنائية مع الدول الأفريقية كانت ودية في الغالب، بينما كانت علاقاتها متعددة الأطراف مع الهيئات القارية الأفريقية عدائية في الغالب.
كما كشفت الورقة عن ميل الدول الأفريقية إلى إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية، ما دفعها إلى توثيق العلاقات مع إسرائيل، أو استئنافها، على أساس ما كان في مصلحتها في حينه.
إشكالية الديمقراطية
وعالجت منى عوض الله، المحررة والباحثة في مشروع بحث القضية الفلسطينية وتوثيقها، إشكالية الديمقراطية في الكيانات الاستعمارية، في ضوء نظرية العدالة عند جون رولز، وكتابه "العدالة كإنصاف: إعادة صياغة" بتطبيقها على نموذج النظام السياسي الإسرائيلي القائم اليوم.
فعلى الرغم من أن مسألة الديمقراطية حري بها أن تناقش بعيداً عن أنظمة الحكم الاستعمارية لاختلافها معها من حيث المبدأ والمنطلق، قالت الباحثة إن محاولة هذه الأنظمة التلبس بلباسها، على ما يظهر من واقع حالها المخالف لقيمها، تدفع إشكالية المزاوجة بين الاستعمار والديمقراطية إلى دائرة البحث، وهذا هو واقع الحال مع الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني في فلسطين.