أطاحت اللجان المستقلة للانتخابات في الجزائر بعشرات المرشحين إلى الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل؛ بسبب شبهة العلاقة مع أوساط "المال الفاسد" أو بتهمة التورط في التأثير على الناخبين في الاستحقاقات السابقة.
وكانت هذه المبررات قد صدرت بحق عدد من كوادر أحزاب "جبهة التحرير الوطني"، و"التجمع الوطني الديمقراطي"، فإنها طاولت أيضاً عدداً من المرشحين الذين يدخلون العملية السياسية ويخوضون الاستحقاق السياسي للمرة الأولى، ما يطرح تساؤلات عدة حول القرائن التي تعتمدها اللجان الانتخابية لإسقاط المرشحين على هذا الأساس.
وفي هذا السياق، فوجئ الإعلامي أمين حدار، الذي يعمل في الإذاعة الرسمية ويخوض غمار الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى، برفض ملف ترشحه، وإرجاع سبب الرفض من قبل لجنة الانتخابات بولاية البليدة قرب العاصمة الجزائرية، إلى نص المادة 200 من القانون الانتخابي، التي تتضمن شبهة الصلة بأوساط "المال الفاسد".
وشكّل هذا القرار صدمة كبيرة بالنسبة إليه، ما دفعه إلى الإعلان عن رفضه لهذا القرار والتعبير عن استيائه البالغ، لا سيما وأنّ حدار لم تتعلق به أي قضية من هذا القبيل، ومعروف في الأوساط الصحافية بنزاهته ومهنيته الإعلامية وعدم موالاته للنظام السابق وأحزابه.
وقال حدار، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يأمل بالمساهمة السياسية في مشروع التغيير، "قدمت طعناً في القرار وأنا بانتظار موقف القاضي، لأن المادة التي بني عليها قرار الرفض غامضة، وكان المجلس الدستوري قد تحفظ عليها، وطالب بتوضيحها".
ولم يكن القرار أقل إيلاماً بالنسبة للخبير الاقتصادي المعروف والأستاذ الجامعي كمال سي محمد، والذي فوجئ برفض اللجنة الانتخابية لملف ترشحه، دون وجود بحسبه "أي قضية تتعلق به في العدالة أو حكم سالب للحريات أو شبهة المال الفاسد كما يقتضيه القانون العضوي".
وكتب سي محمد على صفحته على "فيسبوك"، ما يشير إلى أنّ رفض ملفه مرتبط بمشاركته في الحراك الشعبي، وتدخلاته في القنوات الأجنبية ومعارضته للسياسات الحكومية في الشق الاقتصادي، وعبّر عن استيائه من هذا القرار: "كنت آمل بالتغيير والنية الصادقة للجزائر الجديدة، ولست نادماً على موقفي من السياسات الخاطئة للاقتصاد الجزائري، ولا عن مشاركتي في الحراك واللذين كانا سبب إقصائي".
جدل حول دستورية المادة 200
وأسقطت اللجان الانتخابية الفقرة السابعة من نص المادة 200 من القانون الانتخابي على عشرات المرشحين، والتي تشترط على المترشح للانتخابات البرلمانية عدم وجود صلة له بأوساط "المال الفاسد" أو المعروف عنه التأثير على اختيارات الناخبين بواسطة المال، لا سيما وأنّ الرئيس عبد المجيد تبون وضع مسألة تطهير الساحة السياسية ومؤسسات الدولة هدفاً رئيساً لخطابه السياسي ووعوده الانتخابية، وشدد على تضمين ذلك في القانون الانتخابي.
لكن تطبيق هذه المادة يثير منذ أيام جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، الحزبية والقوائم المستقلة التي رفضت ملفات مرشحيها بسبب شبهة العلاقة بـ"المال الفاسد"، دون أن تتوضح الآلية التي تثبت عبرها السلطات واللجان الانتخابية هذه الشبهة على المرشحين.
وظهر أنّ هذه اللجان تستند فقط إلى تحقيقات إدارية تجريها مصالح الأمن على المرشحين، ترد فيها شبهات أو معلومات ليست دقيقة بالضرورة بشأن مرشح، كما يمكن أن يخضع ذلك للتقدير الخاص لعون الأمن المكلف بالتحقيق، على الرغم من أنّ المادة 34 من الدستور، وهو أسمى من القانون الانتخابي، تشدد على ضرورة عدم حرمان أي مواطن من حقوقه السياسية بما فيها الترشح إلا بوجود قرار أو إدانة قضائية في حقه.
وكان المجلس الدستوري قد أبدى تحفظه الكامل على نص هذه المادة، وجاء في موقف المجلس الدستوري الذي صدر، في 9 مارس/ آذار الماضي، من نص القانون الانتخابي أن "هذه المادة يكتسيها الغموض سواء من حيث التطبيق الفعلي أو من حيث احترام المبادئ المنصوص عليها في المادة 34 من الدستور، وأنه اعتباراً من أن هذا الحكم الوارد في المواد غير واضح ويصعب إثباته (يقصد به الصلة بالمال الفاسد) قد يترتب عنه انتهاك ومساس بحقوق المواطن لعدم تحديده الآليات القانونية التي تثبت هذه الأفعال".
وعلى الرغم من لجوء عدد من المرشحين إلى المحكمة الإدارية للطعن في قرارات اللجان الانتخابية، إلا أنّ المحاكم تؤيد في الغالب قرارات إسقاط المرشحين.
وقال الخبير في القانون الدستوري سعيد يحياوي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحيثيات التي تستند إليها المحكمة الإدارية في الحكم برفض الطعون وتأييد قرارات إسقاط المرشحين، تتعلق بالفقرة السابعة من المادة 200، والمتعلقة بوجود شبهة الفساد أو العلاقة برجال المال الفاسد التي تعني القدرة على التأثير على العملية الانتخابية أو التصويت، وتكتفي المحكمة بإثبات ذلك من خلال التحقيق الإداري المقصود به التحقيق الأمني".
وأضاف يحياوي أنّ المحكمة الإدارية تعتبر أنه لا يتوجب على السلطة المستقلة ذكر تفاصيل الشبهة أو تفاصيل التحقيق الإداري، وأنه يُكتفى بملخص القرار، وبالتالي لا يمكن بتاتاً إثبات عكس ما ورد في قرار السلطة"، مشيراً إلى أن "ما يحدث لا علاقة له بتطبيق القانون ويعارض حتى قرينة البراءة".
"فقرة هلامية"
وفي نفس السياق، اعترض رئيس نقابة القضاة يسعد مبروك على نص المادة 200 من قانون الانتخابات الجديد، واعتبر أنها تضمنت ما وصفها "فقرة هلامية في صياغتها تحكمية في تطبيقاتها، فضلا عما يشوبها من عدم دستورية محتواها".
وأشار، في قراءاة نشرها على صفحته في "فيسبوك"، إلى أنّ المادة تفتح الباب واسعاً أمام الإدارة ومصالح الأمن للاستناد إليها كأساس لإبداء ملاحظات سلبية تجاه بعض المترشحين، دون تقديم الإثباتات اللازمة ضد المرشحين.
وحث مبروك "قضاة المحاكم الإدارية على التصدي للطعون وفقاً لقواعد المشروعية للتأسيس لقضاء إداري يحمي الحريات بدلاً من حماية تعسف الإدارة، وأن يضعوا دوماً في حسبانهم أن أشد وأبشع أنواع الفساد هو فساد القضاء بانحرافه عن رسالته السامية"، وأضاف: "استقلالية القضاء تبدأ من هكذا محطات".