الانتخابات الرئاسية الإيرانية: نقاش مشحون في آخر المناظرات بين جليلي وبزشكيان

03 يوليو 2024
مناظرة بين مرشحي الانتخابات الرئاسية الإيرانية، 1 يوليو 2024 (رويترز)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المناظرة الثانية والأخيرة بين المرشحين للرئاسة الإيرانية، الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، تميزت بتوتر وجدل، حيث هاجم جليلي بزشكيان محاولاً تعويض خسارته السابقة، بينما دافع بزشكيان عن نفسه ضد اتهامات بالإساءة للجنرال قاسم سليماني.
- بزشكيان يسعى لاستقطاب المقاطعين والمترددين بالتأكيد على ضرورة التغيير لتحسين الأوضاع في إيران، فيما يحاول جليلي ربط بزشكيان بالفشل الاقتصادي لحكومة روحاني، متهماً إياه بالتحزب والفئوية.
- المرشد الأعلى علي خامنئي يدعو لمشاركة واسعة في الجولة الثانية من الانتخابات لدعم الإسلام والجمهورية، في منافسة حاسمة بين بزشكيان وجليلي لجذب أكبر عدد من الأصوات.

كانت المناظرة الثانية والأخيرة بين مرشحَي الجولة الثانية إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع عقدها الجمعة المقبل، الإصلاحي مسعود بزشكيان والمحافظ سعيد جليلي، ليل أمس الثلاثاء، مشحونة وأكثر سخونة وجدلاً وجدية من كل المناظرات السبع التي أجراها التلفزيون الإيراني في الجولتين الأولى والثانية. وعلى عكس المناظرة الأولى، ليل الاثنين - الثلاثاء، لم تبدأ المناظرة الثانية بشكل هادئ، فانطلقت هجومياً، حيث اتخذ المرشح المحافظ سعيد جليلي منذ البداية موقف الهجوم على بزشكيان، رافعاً صوته بنبرة انتقادية عالية، في محاولة منه- على ما يبدو- للتعويض عن خسارته المناظرة الأولى التي بدا فيها ضعيفاً أمام المرشح الإصلاحي الذي حاول أن يتمالك نفسه الليلة الماضية.

في البداية، ورداً على اتهامات له بأنه أساء إلى قائد فيلق القدس الإيراني السابق الجنرال قاسم سليماني في المناظرة الأولى، أشاد بزشكيان به، قائلاً إن سليماني يُعدّ "فخراً وطنياً وشوكة في عيون الأعداء"، ومؤكداً أنه "أسوة للشباب". في المقابل، اتهم جليلي بزشكيان بالإساءة إلى اللواء سليماني قائلاً إن "الشعب منزعج من ذلك". وكان المرشح الإصلاحي قد قال في المناظرة الأولى، مساء الاثنين، رداً على سؤال بشأن جدوى التفاوض مع أميركا بينما قامت باغتيال قائد فيلق القدس وتسعى إلى تصفير صادرات إيران النفطية، إن "اللواء سليماني قضيته منفصلة"، متسائلاً عن علاقة اغتياله بالإشكاليات والخلافات المطروحة قبل ذلك بشأن الاتفاق النووي، لافتاً إلى أن الحادث جاء لأنه تحوّل إلى "عنصر مزعج" لهم في المنطقة وسورية.

وحاول جليلي من خلال رفع نبرة الانتقادات والهجوم على بزشكيان، حشره في موقف منفعل يفقد فيه السيطرة. من جهته، حاول بزشكيان أن يظهر أنه يتمالك نفسه، ومتماسك، وبداً أحياناً ضاحكاً استهتاراً بما يقوله غريمه المحافظ، كما استخدم "هذا" أكثر من مرة، في إشارة إلى جليلي فُسّرت على أنها مسيئة إليه. وفيما اتهم المرشح الإصلاحي الحكومة ومؤسساتها ورؤساء المحافظات بالتدخل لصالح جليلي ودعمه في الانتخابات، سجل متابعون خلال المناظرة وبعدها امتعاضهم على شبكات التواصل من طبيعة الأسئلة من قبل المذيع مهدي خسروي للمرشحين، حيث قال البعض إن الأسئلة الموجهة إلى بزشكيان كأنها صيغت في حملة جليلي.

محاولة لاستمالة مقاطعي الانتخابات الرئاسية الإيرانية

وحاول بزشكيان كثيراً استمالة أصوات مقاطعي الانتخابات الرئاسية الإيرانية والمترددين بشأن المشاركة فيها ودغدغة مشاعرهم، ليخاطبهم بتشديد انتقاداته للوضع الراهن، وحديثه عن عدم مشاركة 60% فيها، عازياً السبب إلى وجود استياء واحتقان، وداعياً إياهم إلى المشاركة في الانتخابات، لإحداث تغيير في إدارة البلاد وتحسين اقتصادها.

وغضب المرشح الإصلاحي كثيراً عندما نعَته جليلي بالتحزب والفئوية، مؤكداً أنه لا ينتمي إلى أي حزب، ونافياً أن تكون الحكومة التي سيشكلها في حال فوزه استمراراً لحكومة الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني الذي أعلن دعمه له، وسط توجيه روحاني انتقادات واسعة لجليلي والمحافظين واتهامهم بجعل البلاد رهينة العقوبات والقرارات الأممية ضدها. وركز المرشح المحافظ على مهاجمة حكومة روحاني وسياساتها الداخلية والخارجية، في سعي لتحميل بزشكيان مسؤولية سجل الرئيس السابق، وجعل ذلك نقطة ضعف له، في ظل امتعاض إيرانيين من رفع أسعار الوقود والهبوط الحاد في البورصة في عهد روحاني.

بدوره، تجنّب بزشكيان الدفاع عن عهد روحاني، موجهاً سهام انتقاداته نحو سياسات الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، مظهراً رسوماً بيانية عن نسبة التضخم خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والتي تصل إلى 40%، منتقداً سياساته في مجال السكن وغيره. وأمام دفاع المرشح المحافظ عن سجل الحكومة الحالية الاقتصادي، خاطب بزشكيان المشاهدين داعياً إياهم إلى التحكيم، فإذا كان السجل جيداً، ليصوتوا لجليلي لكي يستمر هذا المنهج.

وكان محور المناظرة الثانية هو الاقتصاد والمواضيع المرتبطة به، لكن المرشحَين إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية خاضا هذا المحور من منطلقات سياسية في كثير من الأحيان، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وأهم ملف خارجي هو العقوبات الأميركية التي لم يبدِ جليلي استعداداً واضحاً للتفاوض للوصول إلى اتفاق لرفعها، وكأن الاتفاق غائب عن مفرداته وسياساته الخارجية، وسط تركيزه على القدرات الداخلية، وضرورة التصدي للضغوط الخارجية، في حين شكل "رفع العقوبات" محور تصريحات بزشكيان.

وعن الطريقة التي سيتبعها لإلغاء العقوبات، قال المرشح الإصلاحي إن حكومته ستوكل مهمة البحث عن الحلول والخيارات إلى الخبراء المهنيين في السياسة الخارجية، وإقناع مؤسسات الداخل بتسهيل التوصل إلى حلول للاتفاق. وشدد بزشكيان على أنه سيتابع السياسات العريضة للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، قائلاً إنه لن يخوض التفاوض بشأن الاتفاق النووي بخيار واحد، مؤكداً أنه سينوع الخيارات بغية دفع الوضع نحو اتفاق. وأضاف: "لا توجد أي دولة تطورت داخل القفص".

وهنا، انتقد جليلي خصمه الإصلاحي، مشيراً إلى أنه يريد الضغط على الداخل لدفعه نحو اتفاق مع أميركا، مضيفاً أنه ينبغي توجيه الضغط على أميركا، ومجدداً كلامه أن العالم ليس أميركا وعدة دول، ومتهماً بزشكيان بأنه يصور إيران بأنها ضعيفة وداخل قفص. وردّ عليه المرشح الإصلاحي بالسؤال: "هل يمكن الطيران في ظل العقوبات؟"، منتقداً طريقة تفاوض جليلي عندما كان لخمس سنوات أميناً لمجلس الأمن القومي (2007 ـ 2012)، قائلاً إن هذه الطريقة جلبت على البلاد العقوبات والقرارات الأممية، محمّلاً أنصار جليلي مسؤولية مهاجمة سفارتي بريطانيا والسعودية خلال العقد الأخير. لكن المرشح المحافظ رفض أيضاً هذه التهم، ودافع عن سجله عندما كان كبير المفاوضين الإيرانيين، متهماً حكومة روحاني بأنها لم تعمل على منع مهاجمة السفارة السعودية وإحراقها.

كما تبادل المرشحان إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية اتهامات بالكذب وعدم الأهلية للرئاسة، وعدم وجود برامج عملية مدونة لدى الآخر لحلّ مشكلات البلاد وإدارتها. وبالمجمل، بدا جليلي أقوى من مناظرته الأولى، وكان أداؤه- حسب التعليقات- محل استحسان وإشادة من أنصاره، لكن خطابه لم يقترب إلى الشرائح المنتقدة المقاطعة التي لديها موقف واستياء تجاه الحكومة والوضع في البلاد، فيما كان بزشكيان هو الأقرب إلى هذه الشريحة، لكن ليس واضحاً بعد ما إذا كان أداؤه قد أقنعهم بالمشاركة والتصويت له أم لا، حيث لم يعد من السهل استمالتهم وإقناعهم. غير أن ثمة أجواء تشي بأن شيئاً ما بدأ يتحرك لصالح بزشكيان في الشارع الانتخابي الرمادي والمقاطع نتيجة وجود مخاوف من أن يفاقم فوز جليلي مشكلات إيران. ويعمل الإصلاحيون على تعزيز هذه المخاوف وإخافة الشارع من فوزه، وسيظهر يوم الجمعة المقبل ما إذا كان التيار قد نجح فعلا في استمالة عدد كاف من الأصوات من الشارع لترجيح كفة مرشحه وإيصاله إلى سدة الرئاسة أم لا.

خامنئي: الجولة الثانية للانتخابات مهمة للغاية

إلى ذلك، أكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اليوم الأربعاء، أهمية الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة بعد غد الجمعة، واصفاً إياها بأنها "مهمة للغاية"، وداعياً "أولئك الذين يحبون الإسلام والجمهورية الإسلامية وازدهار البلاد"، إلى إظهار ذلك بمشاركتهم فيها. وقال خامنئي إن التوقعات والتكهنات بشأن المشاركة الواسعة في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الجمعة المقبل لم تتحقق، معتبراً أن "ذلك له أسباب، وخبراء السياسة والاجتماع عليهم دراسته".

وذكر المرشد الإيراني أن التصور بأن من لم يصوت كان ضد النظام الإيراني "خاطئ بالكامل"، مضيفاً أنه "ربما هناك أشخاص لا يحبذون مسؤولاً أو النظام نفسه، وهناك أشخاص معارضون يتحدثون بحرية ونعرف ماذا يقولون، وهم لديهم موقف من الإسلام والنظام"، مشيراً إلى أن ثمة موانع حالت دون مشاركة الذين لم يدلوا بأصواتهم، منها انشغالاتهم.

وأعرب عن أمله في زيادة نسبة المشاركة خلال الجولة الثانية بالانتخابات، و"لتكون مدعاة لاعتبار ووجاهة النظام الإسلامي"، مؤكداً أنه "إذا ما شارك الشعب بشكل أفضل وأوضح، فنظام الجمهورية الإسلامية سيكون قادراً على تحقيق أهدافه". ولفت خامنئي، وفق التلفزيون الإيراني، إلى أنه "لا مبرر للشك والتردد في المشاركة في الانتخابات؛ مبينا أنها خطوة بسيطة لكنها ستؤدي إلى نتائج أساسية"، متسائلا: "لماذا يتردد الناس في القيام بشيء لا يتطلب مالا ولا جهدا ولا وقتا وضغطا، بينما له فوائد كثيرة؟".

وشدد على أن "قوام وديموية الجمهورية الإسلامية رهن بحضور الشعب، ومن أجل إثبات أصالة الجمهورية الإسلامية ومصداقيتها فإن حضور الشعب واجب وضروري".

وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المبكرة في إيران، الجمعة الماضي، لاختيار خلف للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، لم يحصل أي من المرشحين الأربعة على أكثر من نصف أصوات الناخبين المشاركين في الانتخابات، فتوجهت الانتخابات إلى جولة ثانية، بمشاركة بزشكيان الذي تصدّر النتائج، على نحو 43% من مجموع الأصوات التي بلغت 24 مليوناً و500 ألف صوت، وجليلي الحاصل على 38% من الأصوات.

وتشهد الانتخابات الرئاسية الإيرانية في جولتها الثانية منازلة أكبر من الجولة الأولى، سيقف فيها جميع أقطاب وتيارات المعسكر المحافظ خلف جليلي لإيصاله إلى سدة الرئاسة، لقطع الطريق أمام بزشكيان وعودة الإصلاحيين إلى الحكم.

المساهمون