قبل تسعة أشهر من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في الثلث الأخير من العام الحالي، لا تزال النقاشات السياسية حول الانتخابات في حدها الأدنى، ولا تتجاوز تعبيرات وإشارات سياسية، أو خطوات بطيئة من قبل بعض الأحزاب.
يأتي هذا في ظل قلق لافت تبديه عدة أحزاب مما تعتبره حالة إغلاق لمنابر النقاش السياسي والإعلامي، ومطالبات مستمرة لرفع إكراهات هذا الإغلاق عشية السنة الانتخابية.
حركة مجتمع السلم، وهي تمثل أكبر أحزاب المعارضة، ناقشت خلال مجلس الشورى، الذي عقد في نهاية الأسبوع الماضي، ملف الانتخابات الرئاسية الجزائرية لكنها لم تعلن عن أي خطوات تخص صياغة الخيارات الممكنة والتصورات للتعامل مع هذا الاستحقاق الانتخابي الهام، وخاصة أنها لم تقدم مرشحاً باسمها منذ انتخابات العام 1999.
ودعت حركة مجتمع السلم، في بيان، "السلطة السياسية إلى اغتنام فرصة موعد الانتخابات الرئاسية القادمة لتحرير الفعل السياسي الحزبي والجمعوي من القيود البيروقراطية".
أما حركة البناء الوطني فكانت قد دعت هياكلها أخيراً إلى بدء مناقشة ملف الانتخابات الرئاسية المقبلة وخياراتها المطروحة. وقال نائب رئيس الحركة خونا أحمد محمود، في تصريح صحافي، السبت الماضي، إن "محطة رئاسيات 2024 ستكون فرصة لاختبار مستويات التعبئة الجماهيرية من أجل استكمال البناء المؤسسي للجزائر الجديدة"، ما يجعل الحركة أقرب إلى إسناد ترشح الرئيس عبد المجيد تبون لولاية رئاسية ثانية.
نصر الدين حمدادوش: لسنا في البيئة الديمقراطية الحقيقية التي تسمح بالتنافس الحقيقي
وأعلن حزب التحالف الجمهوري، الأحد الماضي، تشكيل لجنة التفكير الاستراتيجي لإعداد تصورات مشاركة الحزب في الانتخابات. وعقد سلسلة تجمعات شعبية إزاء الموعد الانتخابي المقبل، واستئناف لقاءات الحوار والتشاور مع الشركاء من الأحزاب، ودعوة الطبقة السياسية إلى مباشرة النقاش الرئاسي. ودعا المعارضة إلى تقديم مرشحين وبرامج بديلة، محذراً أحزاب الأغلبية الرئاسية من استغلال وسائل وإمكانيات الدولة لأغراض الدعاية الانتخابية.
وفيما أرجأت جبهة القوى الاشتراكية، التي تمثل أكبر الأحزاب التقدمية، مناقشة ملف الانتخابات الرئاسية الجزائرية بانتظار ما تعتبره مدى توفر العوامل المساعدة، كان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد خصص جزءاً من مناقشات المجلس الوطني السبت الماضي للانتخابات الرئاسية.
لكن "التجمع" أبقى قراره بشأنها قيد التطورات القائمة في المشهد السياسي، بينما أعطى رئيس الحزب عثمان معزوز خلال الاجتماع مؤشرات إلى عدم اقتناع الحزب بالسياق الانتخابي، قائلاً: "لا أريد أن أؤثر على مسار النقاشات المستقبلية، لكن هذه الانتخابات لن تكون لا مفتوحة ولا شفافة".
حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي كان أكثر الأحزاب السياسية إبكاراً في مناقشة مسألة الانتخابات الرئاسية الجزائرية، حيث كان قد طرح، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الملف للنقاش في الجامعة الصيفية للحزب.
وطرحت وقتها نقاشات حول مسألة التحالفات بين الأحزاب الجزائرية في هذا الاستحقاق الانتخابي، فيما خصصت ورشة لبحث التقاطعات الممكنة في هذا المجال. وبرزت منذ تلك الفترة فكرة "المرشح التوافقي"، والتي يقوم الحزب في الوقت الحالي بالسعي باتجاه إيجاد توافق بشأنها.
مخاوف وتفسيرات لبطء النقاش حول الانتخابات
وفسر القيادي في حركة مجتمع السلم نصر الدين حمدادوش بطء النقاش حول الانتخابات الرئاسية الجزائرية بطبيعة البيئة السياسية في البلاد ومناخها المنغلق.
عبد الحميد منصور: الحالة السياسية الجزائرية تفتقد إلى نوازع التدافع السياسي الذي تحكمه البرامج والأفكار والخيارات
وقال حمدادوش، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لسنا في البيئة الديمقراطية الحقيقية التي تسمح بالتنافس الحقيقي، والحرية في تناول مثل هذا الملف الحساس، والذي تحول عند البعض إلى تابو (محرمات) لا يمكن فتح النقاش حوله".
وأضاف أن "الأحزاب تأسست للتنافس والوصول إلى الحكم عبر الانتخابات كآلية لتجسيد الإرادة الشعبية، وبالتالي فإن الأصل فيها المشاركة والمنافسة، وليس غلق النقاش أو الاستسلام للمساندة".
ولفت إلى أن "هناك من يعتقد أن هناك غلقاً للعبة السياسية في هذا الملف، وهو ليس مفتوحاً حتى لدى السلطة، فأصبح هناك نوع من الرهاب لفتحه والحسم فيه".
مخاوف من إغلاق النقاشات قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية
اللافت أن مجمل القوى السياسية تبدي في سياق نقاشات ما قبل الانتخابات الرئاسية الجزائرية مخاوف جدية من حالة إغلاق مساحات النقاش السياسي في البلاد، وتُركز على مطالب جدية بفتح المجال السياسي، وتمكين وسائل الإعلام من لعب دورها في توفير مساحات التعبير عن الرأي لكل القوى والتيارات.
وفي السياق، كانت الأمينة العامة لحزب العمال والمرشحة الرئاسية السابقة لويزة حنون قد طالبت، أخيراً، السلطات بتحرير الممارسة السياسية "ورفع كل الحواجز أمام العمل والممارسة السياسية، خاصة في هذه السنة التي تعد مفصلية، لأنها سنة الانتخابات الرئاسية".
وشددت حنون على أن "هذا يفرض توفير المناخ السياسي المناسب، وكامل الشروط التي تتيح إجراء المناظرة بين البرامج وفي ظل تكافؤ الحظوظ حتى يتمكن الجزائريون من الحكم على كل منها بحرية".
وجدد التحالف الجمهوري في بيان، الأحد الماضي، "دعوة السلطات العمومية إلى تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الموعد الانتخابي المقبل، لا سيما ما تعلّق برفع التضييق على العمل الحزبي وفتح الفضاء الإعلامي، وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم وحرّياتهم الأساسية".
افتقاد إلى نوازع التدافع السياسي الطبيعي
لكن المحلل في الشؤون السياسية الجزائرية عبد الحميد منصور فسر ضعف النقاش حول الرئاسيات بأن "الحالة السياسية الجزائرية تفتقد إلى نوازع التدافع السياسي الطبيعي الذي تحكمه البرامج والأفكار والخيارات".
وأوضح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بالتالي فإن كل طرف سياسي يريد استبقاء تقديراته حول الانتخابات لغاية أن تتضح المعطيات لدى أكثر من جهة. ومن جهة ثانية تبدو المسألة بالنسبة لقوى سياسية معارضة أن الحسم الانتخابي لا علاقة له بالنقاشات والبرامج، وإنما تحسمه وتحدده عوامل أخرى، بما فيها موقف المؤسسات الحيوية في البلاد، خاصة في ظل طغيان مؤشرات ترشح تبون لولاية ثانية".