يتوسع النقاش السياسي في الجزائر حول الانتخابات الرئاسية المقررة خلال العام الجاري، مع بدء حسابات القوى السياسية المتعلقة بخياراتها الانتخابية، لكن الأهم في خضم هذا النقاش يرتبط بالمناخات السياسية المحتملة التي تجري في ظلها الانتخابات الرئاسية، إذ ترتاب بعض المعارضة من مناخات مغلقة تحيط بالمشهد السياسي.
في هذا السياق يبدو "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" أكثر أحزاب المعارضة تشاؤماً، وعبّر رئيسه عثمان معزوز في اجتماع المجلس الوطني للحزب، السبت الماضي، عن قلقه من أن تحافظ السلطة على "انتخابات مغلقة"، مذكراً برفض الحزب "مسرحية" الانتخابات التي تتم كل 5 سنوات، لأن "وجود الانتخابات النظيفة يفترض تكريس هيئة أكثر استقلالية للتنظيم والإشراف على صناديق الاقتراع، وفقاً لإجراءات قانونية مقبولة من الجميع".
وأضاف أن هناك مؤشرات بأن "الانتخابات الجديدة لن تكون لا مفتوحة ولا شفافة، وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة وتعميق حالة عدم الاستقرار، بينما تحتاج البلاد إلى الخروج من هذا النفق الطويل الذي يظلم مصير البلاد"، وإخفاقات النظام لن تؤدي إلا إلى "تثبيط وإلغاء التعبئة الشعبية التي سمحت للبلاد بالبقاء صامدة حتى الآن".
أما "مجتمع السلم"، أكبر أحزاب المعارضة، فطالبت بتحسين المناخات ذات الصلة بالانتخابات الرئاسية، فأكدت في بيان لها، أمس الأحد عقب اجتماع مجلس شورى الحركة، أنها "حريصة على الدعوة المستمرة إلى فتح المجال السياسي، خاصة ونحن مقبلون على سنة انتخابية تقتضي تكريساً واسعاً للحريات، والممارسة السياسية والإعلامية".
ولفت البيان إلى القلق من "استمرار الوضع المنكمش للحريات الإعلامية والسياسية والنقابية واستمرار حالة التضييق على الحريات الفردية والجماعية، والوضع السياسي في البلاد يعيش حالة ترقب وترصد بسبب حالة التجديد القيادي التي عرفتها معظم الأحزاب الفاعلة من خلال نتائج المؤتمرات الحزبية التي كانت سنة 2023 مسرحاً لها، والتي نأمل أن تساهم في بعث العملية السياسية وإعادة بناء التنافسية السياسية على أسس التدافع الفكري والسياسي".
انتخابات من أجل "عهدة ثانية"
من جهتها، لم تخف رئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، زبيدة عسول، في لقاء سياسي لكوادر حزبها، مخاوفها من ظروف الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقالت: "رفضنا دائما الانتخابات من أجل الانتخابات، وتلك التي لا تحدث التغيير. في الانتخابات الرئاسية لدينا مشروع نقدمه للشعب الجزائري المغيب في الانتخابات، بدليل أن مجموع الهيئة الناخبة التي صوتت لمصلحة الأحزاب في الانتخابات النيابية الماضية لم تتجاوز خمسة في المائة من مجموع الناخبين، وهذا يعني أن هناك 19 مليون ناخب لم ينتخبوا، وهؤلاء هم الوعاء الانتخابي الذي يجب أن تعمل لأجله قوى المعارضة، لإقناع نصفهم على الأقل بالمشاركة والتصويت لمصلحة التغيير في الانتخابات المقبلة".
ولفتت إلى أن هناك مؤشرات على أن "الرئيس الحالي يتوجه إلى عهدة ثانية، والجزائر تبقى في نفس الموقع والمسارات"، ورأت في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 فرصة لـ"طرح مشروع وطني والتفكير في مرشح موحد لقوى المعارضة".
وأكدت عسول أن حزبها بدأ مبكراً في النقاشات الضرورية مع القوى والأحزاب السياسية التي تتقاسم معه الرغبة في التغيير السياسي، للتوافق على خيار انتخابي مشترك يقدم مساهمة جادة للجزائريين".
يفسر الكاتب والناشط السياسي محمد أرزقي المخاوف المبكرة للأحزاب السياسية المعارضة بشأن المناخات الانتخابية القائمة، بأنها مرتبطة بالمجال السياسي والإعلامي الذي يتسم بانغلاق كبير.
وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك انهيار واضح للنشاط السياسي، وترهيب لأحزاب المعارضة بكل الطرق، وتضييق على الأحزاب وعلى الرأي الآخر، إذ لم يعد يسمع إلا صوت واحد. في المقابل، هناك عودة أحزاب الموالاة إلى نفس الممارسات السابقة في صورة لجان المساندة"، لافتاً إلى أنه من الطبيعي أن تدفع هذه العوامل إلى "التعبير عن مخاوف وقلق من واقع لا يتماشى مع متطلبات الاستحقاقات السياسية".