لم تتأخر القوى العراقية الحليفة لإيران، والتي تعرضت لهزيمة في الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد الأحد، في إعلان رفضها الاعتراف بالخسارة، معتبرة أنها مفبركة ومؤامرة ضدها، بل وصلت إلى حد دعوة "فصائل المقاومة" إلى "الاستعداد لمرحلة حساسة"، في ما بدت إشارة نحو التصعيد، وذلك فيما كانت الحكومة تمدد حتى نهاية الأسبوع حالة الانتشار الأمني في العاصمة بغداد، والذي بدأ مساء السبت الماضي ضمن خطة تأمين الانتخابات، مع الإبقاء على قرار إغلاق المنطقة الخضراء ومنع دخول غير المصرح لهم.
وبعدما أظهرت النتائج التي أعلنت مساء الإثنين خسارة تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لـ"الحشد الشعبي"، نحو ثلثي المقاعد السابقة له في البرلمان، بحصوله على 14 مقعداً فقط بعد أن كان يملك 48 مقعداً في البرلمان السابق، عقدت في ساعة متأخرة من ليلة الإثنين عدة قوى سياسية تطلق على نفسها "الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية"، وتضم كتل تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، و"دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، اجتماعاً في منزل الأخير في حي الجادرية في بغداد، لتعلن بعده في بيان "طعننا بما أعلن من نتائج وعدم قبولنا بها"، وأنها "ستتخذ جميع الإجراءات المتاحة لمنع التلاعب بأصوات الناخبين". واتهمت مفوضية الانتخابات بأنها لم "تلتزم بجميع ما قدّم لها من شكاوى وملاحظات حول عملية الاقتراع". وتضمّن البيان أسماء القوى السياسية المنخرطة في الإطار التنسيقي، وهي "تحالف الفتح، ائتلاف دولة القانون، النهج الوطني، تحالف النصر، تيار الحكمة، عطاء"، بغياب "التيار الصدري" المتصدر للانتخابات.
دعا المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله" ما سماها "فصائل المقاومة" للاستعداد لمرحلة حساسة
وأعقب البيان تصريح لرئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، أمس الثلاثاء، رفض خلاله نتائج الانتخابات، واصفاً إياها بـ"المفبركة". وقال العامري "لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن. سندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة".
كما أعلن المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله"، أبو علي العسكري، رفضه نتائج الانتخابات، ووصفها بأنها "احتيال" و"التفاف"، ووجّه دعوة إلى من وصفهم بـ"فصائل المقاومة" إلى "الاستعداد لمرحلة حساسة تحتاج إلى الحكمة والمراقبة الدقيقة"، معتبراً أن النتائج استهداف لـ"الحشد الشعبي".
بالتوازي مع ذلك، نقلت "رويترز" عن قائد مليشيا موالية لإيران، لم تسمه، أن الجماعات المسلحة مستعدة للجوء إلى العنف إذا لزم الأمر لضمان عدم فقدان نفوذها بعد ما تعتبره انتخابات مزوّرة. وقال: "سنستخدم الأطر القانونية في الوقت الحالي. وإذا لم تنجح، فسنضطر إلى النزول إلى الشوارع والقيام بنفس الشيء الذي حدث لنا أثناء الاحتجاجات؛ إحراق مباني الحزب" في إشارة إلى التيار الصدري. كما نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسي غربي لم تسمّه، قوله إن قائد "فيلق القدس" الإيراني إسماعيل قاآني كان في بغداد أثناء إعلان النتائج الأولية، ولا يزال يبحث عن طريقة لإبقاء حلفاء طهران في السلطة. وأضاف أن قاآني حضر اجتماعاً للأحزاب التابعة للمليشيات الإثنين. ولفت إلى أن هذه الأحزاب ستفعل كل ما في وسعها لمحاولة تشكيل الكتلة الكبرى في البرلمان، على الرغم من أن ذلك سيكون أيضاً صعباً للغاية مع قوة الصدر. كذلك نقلت وكالة "رويترز" عن مصدرين إيرانيين تأكيدهما وجود قاآني في العراق.
وردت مفوضية الانتخابات على الاتهامات الموجهة إليها في بيان مقتضب قالت فيه إنها ستستقبل الطعون بنتائج الانتخابات ولمدة ثلاثة أيام اعتباراً من اليوم الثاني لإعلان النتائج (أمس الثلاثاء).
من جهته، قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الانتخابي مهند نعيم، في تصريح صحافي تعليقاً على مهاجمة النتائج، إن "عملية جمع النتائج جرت على 3 محاور، الأول هو الإرسال عبر القمر الصناعي، والثاني عبر عصا الذاكرة (يو أس بي)، والثالث هو العد الورقي، ومن الاستحالة التدخل والتلاعب بنتائج الانتخابات، كون هناك ثلاثة خطوط متطابقة، وأي قوة لا تستطيع أن تتلاعب بتلك النتائج".
الحكومة أبقت على حالة الإنذار الأمني في بغداد لأسباب متعلقة بردود الفعل تجاه نتائج الانتخابات
وقالت مصادر حكومية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن المفوضية وافقت على إعادة فرز وعدّ أي محطة انتخابية توجّه لها تهم بوجود خطأ أو تلاعب في النتائج في حال قُدّمت أدلة ترتقي لتكون شكاوى حمراء (تستدعي فتح الصناديق وإعادة العد والفرز او إلغاء الأصوات فيها إذا ثبت حدوث تزوير أو تلاعب). وأضافت أن "الحكومة أبقت على حالة الإنذار الأمني في بغداد لأسباب متعلقة بردود الفعل تجاه نتائج الانتخابات والاحتياط من محاولة بعض الجهات ابتزاز الحكومة بتوترات أمنية في العاصمة"، لافتة إلى أن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمر فريقه ومستشاريه بعدم التدخل في السجال الحالي حول نتائج الانتخابات أو الرد على الكتل والقوى الطاعنة والمتهمة للحكومة والمفوضية وترك مفوضية الانتخابات والقضاء المكلف بالمصادقة على النتائج لهذه المهمة.
من جهتها، أعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات العراقية، أمس، أنها لم تجد "تلاعباً أو خروقات" خلال العملية، لكنها رصدت محاولة عناصر مسلحة خارج سلطة الدولة تخويف المرشحين. وقالت رئيسة البعثة فيولا فون كرامون، خلال مؤتمر صحافي في بغداد، إن "الانتخابات تمت إدارتها بشكل جيد، ولا يوجد تلاعب أو خروقات بها". وأضافت أن "البعثة رصدت إقبالاً منخفضاً من الناخبين، وهذا يتلاءم مع نسبة المشاركة البالغة 41 في المائة"، مشيرة إلى أن "حرية التعبير تم احترامها خلال الانتخابات"، فـ"العراقيون كانوا قادرين على الانتخاب بشكل حر وسط إجراءات انتخابية جرت بشكل سليم بنسبة 95 في المائة حسب المراقبين". لكن كرامون لفتت إلى أن "بعض العناصر المسلحة خارج سلطة الدولة (لم تسمهم) حاولت تخويف المرشحين وترهيبهم خلال الحملة الانتخابية، خصوصاً المرشحين من النساء، وهذا أثر بشكل سلبي على التنافس الانتخابي".
كما أعرب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني عن تمنياته بتجنّب "سيناريو التصعيد" بشأن نتائج الانتخابات. وقال القيادي في الحزب هوشيار زيباري، في مؤتمر صحافي عقدته اللجنة العليا للانتخابات في الحزب في أربيل، إن حزبه "يتمنى تجنّب سيناريو التصعيد بشأن الانتخابات وأن تتقبل القوى السياسية النتائج المعلنة". وأشار زيباري إلى أن حزبه "بدأ المشاورات مع معظم القوى السياسية العراقية الفائزة بالانتخابات"، مبيناً أنه "سيشكل قريباً جداً وفده للتوجّه إلى بغداد للتباحث حول تسمية الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) وتشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة". وأضاف أن الحزب "سيتباحث أيضاً مع الأطراف السياسية الأخرى في إقليم كردستان من أجل العمل كفريق واحد"، مشيراً إلى أن "الفترة المقبلة ستكون مهمة، ونأمل ألا يكون هناك فراغ حكومي والإسراع في تشكيل الحكومة من قبل الكتل السياسية الفائزة".
ومثّلت نتائج الانتخابات صدمة لقادة معظم الأحزاب والكيانات السياسية في البلاد، بعد التراجع غير المسبوق للأحزاب الرئيسية الممسكة بزمام السلطة في البلاد بعد عام 2003، إذ فقد بعضها أكثر من نصف مقاعدها التي كانت تمتلكها في الدورات الانتخابية الماضية، وعلى رأس الخاسرين تحالف "الفتح".
حقق التيار الصدري بزعامة المرتبة الأولى بواقع 73 مقعداً، تبعه تحالف "تقدم" الذي يتزعمه الحلبوسي بـ41 مقعداً
ووفقاً للنتائج المعلنة فقد حقق التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر المرتبة الأولى بواقع 73 مقعداً، تبعه تحالف "تقدم" الذي يتزعمه رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي بـ41 مقعداً، يليه تحالف رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي "دولة القانون"، بواقع 37 مقعداً، ثم الحزب الديمقراطي الحاكم في إقليم كردستان بـ32 مقعداً وتحالف "عزم" بقيادة خميس الخنجر بـ15 مقعداً. أما تكتل "امتداد" المدني فحقق نتائج مهمة في النجف وذي قار والديوانية جنوبي البلاد، ليحصد 10 مقاعد برلمانية، كما فاز 20 مرشحاً مستقلاً من بينهم 12 مدنياً خاضوا الانتخابات منفردين من دون حزب أو كتلة، ويتوقع أن يشكلوا تحالفاً أو تفاهمات داخل البرلمان مع المدنيين الجدد.
في المقابل، فإن تحالف "الفتح" حصل على 14 مقعداً فقط، وهو يضم عدة كتل تمثل فصائل مسلحة، مثل "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" المدعومة من طهران، وكتلة "حقوق" الجناح السياسي لمليشيا "كتائب حزب الله"، وكتلة "بدر" التابعة لمليشيا "بدر"، و"سند" الجناح السياسي لمليشيا "جند الإمام"، وكتل أخرى. ولم يحقق التحالف أي نتائج في النجف، وحصل على مقعد واحد في ضواحي كربلاء، كما تراجع تمثيله في البصرة وذي قار، وكانت أغلب الأصوات التي حصل عليها في بغداد التي يمتلك فيها تواجداً مسلحاً وسياسياً واسعاً فيها.
ومن المفاجآت أيضاً خسارة تحالف "قوى الدولة" الذي شكّله كل من رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي ورجل الدين زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، بحصوله على 5 مقاعد فقط، علماً أن الحليفين كانا يمتلكان في البرلمان السابق مجتمعين 61 مقعداً.
وقال عضو المكتب السياسي لحركة "عصائب أهل الحق"، سعد السعدي، إن "جميع القوى السياسية ضمن تحالف الفتح وبقية القوائم التي تعرضت أصواتها إلى تلاعب وتزوير ومشاكل فنية في احتساب الأحزاب، ملتزمة بما صدر في بيان الإطار التنسيقي، ونتجه للطعن بنتائج الانتخابات، كونها لا تمثل الحقيقة". وأضاف في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "معظم قوى المقاومة الإسلامية والكيانات السياسية التي تعرضت أصواتها إلى السرقة تؤمن بالدستور والخيارات الدبلوماسية، لكن قد نتجه إلى خطوات تصعيدية أخرى لا يمكن الحديث عنها الآن".
من جهته، تحدث عضو ائتلاف "دولة القانون" محمد الصيهود عن "وجود مشاكل كثيرة حدثت في الانتخابات، منها التزوير، إضافة إلى العزوف الكبير عن الاقتراع من قبل العراقيين". لكنه في الوقت ذاته أقر بأن القوى الخاسرة ذاتها "تسببت بخسارتها لمقاعد كثيرة بسبب انعدام الرؤية السياسية الواضحة لديها، فلم تتواصل مع جمهورها طيلة السنوات الماضية ولم تستمع إليه، وأغلقت أبوابها بوجه المواطنين، الأمر الذي تسبب بنقمة كبيرة تجاهها". واعترف الصيهود، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الكيانات الخاسرة كما الكيانات الفائزة جميعها فشلت خلال الفترات الماضية في معظم الملفات التي أوكلت إليها، ومنها الوزارات والهيئات، وهذا الأمر تسبّب بتراجع شعبيتها، لكن هناك كيانات بقيت محافظة على جماهيرها وتنظيمهم"، في إشارة إلى التيار الصدري.
لكن الناشط المدني والقيادي في حركة "نازل آخذ حقي"، عمار النعيمي، وصف خسارة الفصائل المسلحة وتحالف "الفتح" في الانتخابات بأنها "طبيعية"، مبيناً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "القوى الخاسرة والمتراجعة عادت إلى حجمها الطبيعي في الشارع، والمعادلة تغيرت بعد تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لا سيما أن الكثير منها متهم باختطاف وقتل متظاهرين وناشطين وصحافيين، كما أن الكثير من عناصر الحشد الشعبي أنفسهم لم يصوتوا لصالح كيانات الفصائل، بعد أن كُشف استغلال الكثير منها لهم سياسياً".
وقدّم مراقبون وسياسيون عراقيون خلال الساعات الماضية جملة من التبريرات والتحليلات المتعلقة بالخسارة الثقيلة للقوى السياسية النافذة في العراق لصالح قوى أخرى بينها مدنية وشخصيات مستقلة وأخرى ذهبت لصالح الصدريين بزعامة مقتدى الصدر.
وبعيداً عن الاتهامات لمفوضية الانتخابات بالتزوير والتلاعب بالنتائج، فإن التحليل العملي والأكثر منطقية لهذه الخسارة الثقيلة للقوى الحليفة لإيران هو ما أحدثته الاحتجاجات الشعبية التي تفجرت في الربع الأخير من عام 2019، في الرأي العام داخل مدن ومحافظات الجنوب والوسط العراقي، وهي مناطق تضم الثقل السكاني الأهم في البلاد، تجاه تلك القوى التي اتخذت موقفاً مضاداً للحراك الشعبي وتورط بعضها في عمليات تنكيل وقمع للمتظاهرين. إلى جانب القانون الانتخابي الجديد الذي كشف ظهر تلك القوى ونزع عنها أهم عوامل استمرارية وجودها السياسي البارز عبر القانون السابق الذي ضمن توزيع الأصوات بين الكتل الكبيرة وفقاً لمعادلة رياضية تعرف بآلية "سانت ليغو"، المعدلة.
وتحدث الخبير في الشأن السياسي العراقي أحمد النعيمي عما وصفه بـ"درس وطني قدّمه أهالي النجف والبصرة وكربلاء عبر الانتخابات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أن القوى الإسلامية والفصائل المسلحة خسرت في ما كانت تطلق عليه "معاقلها الدينية والاجتماعية"، وكانت خسارتها لصالح قوى شخصيات مدنية ومستقلة أيضاً. واعتبر أن قانون الانتخابات ونظام الدوائر المتعددة ضمن فوز الأعلى أصواتاً بعيداً عما تمتلكه الكتلة أو الحزب من مجموع أصوات في الدوائر الأخرى، وأيضاً تراجع شعبيتها بعد التظاهرات ووجود بديل عنها وهم المستقلون والمدنيون، على عكس مناطق العرب السنّة التي لم تنجح بخلق بديل سياسي عن الكتل المتنفذة منذ ما يزيد عن 18 عاماً. وتابع "كما أن عدم وضع أفراد الحشد الشعبي وهم أكثر من 120 ألف عنصر في التصويت الخاص، وجعلهم مع التصويت العام، لعب دوراً في تراجع مقاعد القوى الحليفة لإيران، إذ إن غالبية هؤلاء العناصر الذين تم منحهم إجازة في يوم الاقتراع لم يشاركوا، عدا عن الغرور الذي أصاب هذه القوى وجعلها منفصلة عن الواقع العراقي والفقر والبطالة التي تعصف في المجتمع".