الانتخابات الفرنسية اليوم: التحالفات والرهانات

30 يونيو 2024
فرنسية تقترع في منطقة البرينيون جنوبيّ فرنسا اليوم (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد فرنسا توترات في الانتخابات مع تحذيرات من "حرب أهلية" بحسب الرئيس ماكرون، وسط منافسة بين ثلاث قوى رئيسية تسعى للأغلبية في البرلمان، ما يمثل تغييرًا في الخريطة السياسية.
- الانتخابات تعكس استقطابًا سياسيًا مع تقدم حزب التجمع الوطني اليميني، وتوقعات بمشاركة عالية تبرز أهمية الاستفتاء على قضايا مثل الهجرة.
- تبرز مزايا فريدة كتغير خريطة القوى السياسية، التباعد بين الرؤى لفرنسا المستقبل، وغياب البرامج الواضحة مع تركيز على قضايا كالهجرة والسياسة الخارجية، مما يجعل الانتخابات اختبارًا لقدرة التحالفات على تشكيل مستقبل البلاد.

أجواء من التوتر تخيم على الدورة الأولى من الانتخابات الفرنسية التي تجري اليوم. واللافت هنا تحذير الرئيس إيمانويل ماكرون من خطر "حرب أهلية"، في حال فوز خصومه، بينما كشف وزير داخليته جيرالد دارمانان عن معلومات بحوزة الأجهزة الأمنية، عن حصول اضطرابات، الأمر الذي يمكن عطفه على المناوشات والتعبئة الإعلامية المركزة للأطراف الثلاثة الأساسية المتنافسة، التي تراوح بين أقصى اليمين واليسار والوسط.

يمكن قراءة ما تمتاز به الانتخابات الفرنسية عن سابقاتها، وتحديد اتجاهات التصويت، والنتائج المتوقعة، في ضوء عدة مزايا تنفرد بها. الأولى أن هناك ثلاث قوى أساسية متنافسة من أجل الحصول على الأغلبية المطلقة في البرلمان المقبل، أي 289 من 577 العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب، وذلك على غير ما جرت العادة في الدورات السابقة، في وجود طرفين أساسيين في المواجهة، وقوى أخرى تأتي في الصفوف التالية.

تغير خريطة القوى السياسية

والثانية تغير خريطة القوى السياسية. فليس هناك طرف متجانس كما كان عليه الأمر سابقاً، بل هناك ثلاث كتل كبرى تتشكل من قوى متحالفة على أسس برامجية، من أجل الحصول على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية، تؤهلها تسمية رئيس الحكومة المقبل. والثالثة هي التباعد الواسع بين الرؤى السياسية، في ما يخص فرنسا الجديدة، التي من المنتظر أن تخرج من صناديق الاقتراع بصورة نهائية في الدورة الثانية يوم السابع من يوليو/ تموز المقبل. ويبرز هنا طرفان قويان، أحدهما يشدها نحو أقصى اليمين، وآخر نحو أقصى اليسار، بينما يغلب الضعف على طرف الاعتدال. والرابعة أنه ليس هناك برامج انتخابية ذات ثقل واضح، بل عناوين عريضة يجري الخلاف حولها. والخامسة تقدم قوى اليمين المتطرف وتحولها إلى منافس رئيسي. والسادسة استغلال ورقة الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية، من أجل التأثير في اتجاهات التصويت. والميزة السابعة والأخيرة غياب الحديث عن السياسة الخارجية في المناظرات الانتخابية، رغم أن هناك قضايا مهمة حاضرة بقوة في النقاش في وسائل الإعلام، وخاصة حربي روسيا على أوكرانيا، وإسرائيل على غزة.

تضع استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات الفرنسية حزب التجمع الوطني وحلفاءه في صدارة الجولة الأولى، وآخرها الذي أجراه مركز إيبسوس، ويعطيه نسبة 35.5 في المائة من الأصوات. ويأتي بعده تحالف اليسار في الجبهة الشعبية الجديدة بفارق 5 نقاط تقريباً، بنسبة 29.5 في المائة من الأصوات. وفي المرتبة الثالثة يأتي تحالف ماكرون بنسبة 19.5 في المائة من الأصوات. والملاحظ أن هذا الاستطلاع منح "التجمع الوطني" نسبة أعلى بنحو ثلاث نقاط عن بقية الاستطلاعات من جهة، وعن تلك التي حققها في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في التاسع من الشهر الحالي، لكنه في الأحوال كافة يبقى في المقدمة.

تدور المنافسة في الانتخابات الفرنسية بين ثلاثة تحالفات

وتجمع التقديرات على أن نسبة المشاركة في الانتخابات الفرنسية ستكون عالية، وتتجاوز تلك التي شهدتها جولة الانتخابات البرلمانية الأوروبية في التاسع من الشهر الحالي، ولامست نسبة 52 في المائة. ورأى خبراء في سبر اتجاهات التصويت في الانتخابات الفرنسية أنها سترتفع بعدة نقاط، لتبلغ في الدورة الأولى 60 في المائة، وفي الثانية 64 في المائة، بفارق أكثر من 12 نقطة عن انتخابات عام 2022، وذلك نظراً إلى حدة الاستقطاب السياسي، الذي زاد من أهمية الانتخابات الفرنسية ورفعها إلى مصاف الاستفتاء على عدة قضايا، على رأسها مسألة الهجرة.

التحالفات الثلاثة في الانتخابات الفرنسية

تدور المنافسة في الانتخابات الفرنسية بين ثلاثة تحالفات. الأول هو، اليمين، الذي يتكون من حزب التجمع الوطني، الذي انبثق عام 2018 من "الجبهة الوطنية" التي شكلها جان ماري لوبان في 1972، ولحقت بها تهم العنصرية ومعاداة السامية والنازية، بسبب تصريحاته ضد الهجرة واعتباره "المحرقة اليهودية" تفصيلاً تاريخياً. كذلك ضمت بين مؤسسيها بعض المتعاونين السابقين مع الاحتلال الألماني لفرنسا، بينهم جنود كانوا يرتدون الزي العسكري النازي، شاركوا في عملية الدفاع عن مدينة برلين في عام 1945، والصحافي فرانسوا برينيو الذي شغل منصب نائب رئيس "الجبهة الوطنية" وقتها، والذي كان عضواً في مليشيات المارشال بيتان الموالي للنازيين.

والطرف الثاني في هذا التحالف هو "الجمهوريون"، الذي يُعَدّ من الناحية النظرية حزب اليمين التقليدي والحركة الديغولية، والذي مرّ بعدة أطوار، وأخذ وضعية مستقرة وصيغتين مختلفتين مع كل من الرئيسين السابقين جاك شيراك، تحت اسم "التجمع من أجل الجمهورية"، ونيكولا ساركوزي تحت اسم "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، حتى وصل إلى الشكل الحالي في عام 2015. وهو على غرار منافسه التقليدي الحزب الاشتراكي تراجع كثيراً، وحصلت مرشحته للانتخابات الرئاسية عام 2022 فاليري بيكريس على نسبة متدنية لم تصل إلى 5 في المائة، ولم يحقق فوزاً مهماً في الانتخابات الفرنسية التشريعية في ذلك العام، واستمال ماكرون بعض رموزه من أجل تعزيز حزبه. وهو مرّ خلال الأيام الأخيرة بامتحان جديد على صعيد وحدة موقفه من التحالفات، وانقسم بين تيارين: الأول مثله الأمين العام إريك سيوتي، الذي تحالف مع "التجمع الوطني" الذي سيرشحه لمنصب وزير الخارجية في الحكومة في حال فوزه بالأكثرية النيابية، والثاني يتكون من أغلبية قيادات الحزب، التي نددت بتحالف الحزب، الذي يعد وريث الديغولية مع اليمين المتطرف، في حين تحالفت بعض قياداته مع ماكرون، مثل وزيرة العدل خلال حكم ساركوزي، رشيدة داتي، التي عيّنها ماكرون وزيرة للثقافة.

يغلب على تحالف "معاً من أجل الجمهورية"، الذي التف حول ماكرون، أنه تجمع سلطة

التحالف الثاني هو الجبهة الشعبية الجديدة، التي تشكلت بعد إعلان ماكرون حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. وهي صيغة تحالف سبق أن جمعت بين أطرافها الأربعة عام 2022 من أجل خوض الانتخابات الفرنسية الرئاسية والتشريعية، وحملت اسم "نويبس"، ولكن أطرافها تباعدت بسبب الموقف من حرب إسرائيل على غزة. وتتكون "الجبهة الشعبية" الآن من حزب فرنسا الأبية بقيادة مرشح الرئاسة السابق جان لوك ميلانشون، وهو يُعَدّ حزباً صاعداً في الحياة السياسية، وتأسس في عام 2016. وفي انتخابات 2022 حصل على كتلة برلمانية مهمة، كذلك جاء مرشحه الرئاسي في المرتبة الثالثة في الدورة الأولى بنسبة تلامس 22 في المائة بفارق بسيط جداً مع مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان التي حلت في المرتبة الثانية.

والطرف الثاني في التحالف هو الحزب الاشتراكي، الذي يعد أحد أحزاب اليسار التاريخية. وهو تشكل في عام 1969، لكنه لم يحكم البلد إلا في عام 1981 مع وصول فرانسوا ميتران كأول رئيس اشتراكي إلى رئاسة الدولة، التي أمضى فيها ولايتين رئاسيتين دامتا 16 عاماً (1981-1988) و(1988-2005). وكانت المرة الثانية التي خرج من بين صفوفه رئيس آخر في 2012، عندما نجح فرانسوا هولاند في هزيمة نيكولا ساركوزي مرشح اليمين التقليدي، الذي حاول الفوز بولاية رئاسية ثانية.

ومع نهاية عهد هولاند شهد الحزب الاشتراكي حالة تدهور سريعة، سببها ظهور جيل من القيادات لا يتحلى بمواصفات الذي سبقه لجهة النظر إلى الحياة السياسية من جهة، وتوظيف ماكرون، الذي ينتمي إلى تيار الوسط، آلة الحزب من أجل ترويج برنامجه الانتخابي من جهة أخرى، مع أنه من خارج هذا البيت. ويعود الفضل إلى هولاند الذي فتح أمامه الأبواب عندما عينه وزيراً للاقتصاد في عام 2014، وقد تخلى عن الحزب الاشتراكي حين وصل إلى الرئاسة في 2017.

وحصل الحزب الاشتراكي على نتائج متدنية في دورة الانتخابات الفرنسية التشريعية عام 2022، بحدود 2 في المائة من أصوات الناخبين. وشكل ذلك نكسة له، وذروة التراجع، ما فتح المجال أمام صراع الورثة الصغار على التركة الكبيرة للحزب، وحصول انشقاق بين مجموعتين تدّعي كل منهما تمثيله. وكانت الانتخابات الأوروبية الأخيرة مناسبة كي يستعيد بعض تماسكه ويخوض حملة متميزة بقيادة الكاتب رافائيل غلوكسمان المعروف بدفاعه عن حقوق الإنسان وحق الفلسطينيين بإقامة دولة، بالإضافة إلى إدانته بناء إسرائيل مستوطنات في أراضي الضفة الغربية. ويشارك في هذا التحالف كل من حزبي الخضر والشيوعي. وبينما يحتفظ الأول بحضور على الساحة السياسية، تراجع الثاني إلى مرتبة متدنية، وعكس ذلك رصيد كل منهما في الانتخابات الأوروبية، حيث تجاوز "الخضر" عتبة 5 في المائة، بينما وقف "الشيوعي" عند 2 في المائة.

والتحالف الثالث هو الرئاسي، الذي يلتف حول ماكرون، ويخوض الانتخابات الفرنسية تحت اسم "معاً من أجل الجمهورية"، وليس حزب النهضة، الذي انبثق من حركة "إلى الأمام" التي شكلها من أجل خوض انتخابات الرئاسة في عام 2017. ويغلب على هذا التحالف أنه تجمع سلطة، يضم الباحثين عن المناصب أكثر من كونه قوة سياسية ذات امتدادات شعبية، وهو ذو طابع تكنوقراطي، يتشكل من خليط من أطياف سياسية متنافرة، لا يجمع بينها سوى ماكرون نفسه، وهو مرشح لأن يتفكك بمجرد أن يبتعد "المايسترو" عن السلطة، وستكون الانتخابات الفرنسية الحالية الامتحان الرئيسي له.

المساهمون