يتوقع من النتائج الأولية للانتخابات المحلية البريطانية، التي أجريت أمس الخميس، أن يبالغ "حزب العمال" في احتفالاته باختراق معاقل "حزب المحافظين" في لندن، بينما قد يبالغ الأخير في التخفيف من وطأة الهزيمة. فبحسب النتائج المتوفّرة حتى اللحظة، فقد المحافظون، كما كان متوقعاً، مقاعدهم في وستمنستر للمرة الأولى منذ تأسيسه في العام 1964، وأيضاً في واندزوورث، معقل المحافظين والمجلس المفضلّ لدى مارغريت ثاتشر، وكذلك في بارنت.
وبحسب إحصائية "ذا غارديان" البريطانية، فقد خسر المحافظون حتى اللحظة 131 مقعدًا وحصلوا على 515 مقعدًا في المجالس إجمالًا، بينما كسب العمّال 87 مقعدًا ليرتفع عدد مقاعدهم إلى 1162 حتى الآن، وتوزّعت المكاسب الأخرى بين الليبراليين الديمقراطيين بواقع 42 مقعدًا بحيث بات عدد مقاعدهم الإجمالي 242، والخضر بـ22 مقعدًا بعدد مقاعد إجمالي 39. ويبلغ العدد الإجمالي للمجالس المحلية التي تجرى فيها الانتخابات في انكلترا واسكتلاندا وويلز وإيرلندا الشمالية 290 مجلسًا (146 لانكلترا و32 لاسكتلندا و22 لويلز و90 لإيرلندا الشمالية)، وتشمل حوالى 7 آلاف مقعد.
وساهم خفض التوقعات خلال الأسابيع الماضية بجعل النتائج التي حصل عليها المحافظون أقل سوءاً. إلا أن الإحباط يبدو واضحاً على قادة مجلس المحافظين الذين طالبوا نواب الحزب بالتفكير ملياً بهذه الخسائر وبإقالة رئيس الوزراء بوريس جونسون من منصبه.
ويتوقع أن يواجه بوريس جونسون ضغوطاً جديدة مع الإعلان عن الصورة الأوسع لنتائج هذه الانتخابات في وقت لاحق اليوم الجمعة، نظراً للهزائم الكبيرة التي مني بها الحزب في جميع أنحاء المملكة المتحدة إضافة إلى خسائره الفادحة في لندن.
ولا يستبعد أن يقرّر نواب حزب المحافظين في الأيام المقبلة ما إذا كانوا سينفّذون "انقلابهم" الموعود والمرتقب على جونسون ويطرحوا 54 خطاباً لحجب الثقة، وهو العدد المطلوب لإجراء التصويت على عزله. وكان الكثير من المرّشحين "المحافظين" قد بدأوا "تمرّدهم" أثناء التحضير لحملاتهم الانتخابية، فقلّلوا من شأن انتمائهم للحزب، وقدّموا أنفسهم كـ"محافظين محليين"، متبرّئين من فضائح "داونينغ ستريت" ومطالبين الناخبين بـ"عدم معاقبتهم" على "أخطاء" وستمنستر. كما تحاشى الكثيرون منهم إرفاق منشوراتهم بصور جونسون.
ويرتقب أن تعلن الشرطة بعد أيام قليلة عن نتائج تحقيقاتها في "حفلات داونينغ ستريت"، وأن تصدر غرامات جديدة بحق رئيس الوزراء، مما سيزيد من حجم الضغوط التي يتعرّض لها والتي فاقمتها ملفّات محلّية متأزّمة كغلاء المعيشة والضرائب المرتفعة.
تشير كل استطلاعات الرأي أن أزمة بوريس جونسون لم تعد تقتصر على خرقه للقانون وتداعيات "حفلات داونينغ ستريت"
وإن كانت النتائج المبكرة سيئة بالنسبة لجونسون وحزبه الذي خسر مئة مقعد في إنكلترا أو واحدا من كل ستة مقاعد، إلا أنها لم تكن كارثية تماماً، إذ إن الحزب كان مجهّزاً لنتائج أسوأ بكثير، إضافة إلى أن "حزب العمال" لم يحظَ بانتصار تاريخي إلا في وستمنستر وواندزوورث، مما دفع بزعيمه كير ستارمر لوصف تلك النتائج بأنها "نقطة تحول هائلة". إلا أنه ينبغي على ستارمر القيام بالكثير ليدفع بحزبه نحو "داونينغ ستريت". فعلى الرغم من انتزاع "العمّال" لـ"معاقل" المحافظين في لندن، وفي ساوثهامبتون وكمبرلاند، إلا أن "نقطة التحول الهائلة" تلك لن تضمن وحدها الأغلبية العمالية في انتخابات الحكومة المقبلة. كما أن النتائج التي حصلوا عليها خارج لندن كانت أقل من نتائج العام 2018.
علاوة على ذلك، لم يحقّق ستارمر أمنيته بعد باستعادة مقاعد "الجدار الأحمر" كمّا يحلو للمحافظين تسميتها مع أن لون حزبهم أزرق، إلا أن "تلوينهم" للجدار باللون الأحمر يذكّرهم بنصرهم عام 2019، بعد أن حظي جونسون بدعم الأغلبية في تلك المناطق المشهورة بالصناعات الثقيلة كمناجم الفحم، لحرصهم على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وإن لم يستطع "حزب العمال" بعد استعادة مقاعده في تلك المناطق، فإن الانتخابات المحلية اليوم لا علاقة لها بالبرلمان، وبالتالي سيحتفظ حزب جونسون بمقاعد "الجدار الأحمر" في البرلمان، إلا أن التصويت يُظهر عودة بعض ناخبي تلك المناطق إلى "حزب العمّال". وانطلاقاً من الطبيعة المحافظة لسكّان تلك المناطق، تبدو مفردات "الكذب" و"الاحتيال" و"خرق القانون"، من الكبائر التي تُفقد صاحبها كل الثقة، ما يعني أن "المحافظين" لم يضمنوا بعد أصوات "الجدار الأحمر" في الانتخابات القادمة.
وتشير كل استطلاعات الرأي أن أزمة بوريس جونسون لم تعد تقتصر على خرقه للقانون وتداعيات "حفلات داونينغ ستريت"، بل تعدّت ذلك لتصبح أزمة ثقة بأول رئيس وزراء بريطاني يخرق القانون، ويوصف بـ"الكاذب". هذا إضافة إلى ارتفاع تكلفة المعيشة وأسعار المواد الأساسية، والوقود والغاز والضرائب.
على الرغم من أن الناخبين أدلوا بأصواتهم لممثلين محليين مسؤولين عن قضايا كالتخطيط وجمع القمامة، فإن هذه الانتخابات المحلية تمنح البريطانيين فرصة للتعبير عن آرائهم في القضايا الوطنية، كما تمنح الأحزاب صورة أوسع حول مستقبلهم السياسي.