- الأحزاب السياسية استغلت قضية اللاجئين بشكل مكثف في حملاتها الانتخابية، مما يعكس أهمية هذه القضية في السياسة التركية وتأثيرها على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
- العلاقة بين الأحزاب السياسية والتيارات القومية تعد عاملاً حاسماً في تشكيل السياسة التركية، حيث تحاول الأحزاب استغلال القضايا القومية والعلاقة مع الأكراد لكسب دعم الناخبين.
أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا التي أجريت العام الماضي، خصوصاً خلال الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية (28 مايو/أيار 2023)، تصاعد تأثير التيار القومي، مدفوعاً بعوامل عدة بعضها داخلي وتخلله توظيف ورقة اللاجئين، وبعضها الآخر مرتبط بالمتغيرات السياسية والاقتصادية حول العالم، وهو ما يوجه الأنظار لهذا التيار في الانتخابات المحلية التركية التي تجرى يوم غد الأحد لمعرفة الدور الذي سيؤديه أنصاره لا سيما في الولايات المنتظر أن تشهد منافسات محتدمة بما في ذلك أنقرة وإسطنبول.
درس الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2023
وخلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو الماضي، وفي الوقت الذي كان ينظر إلى الصوت الكردي كعنصر حاسم في الانتخابات، برز حصول مرشح تحالف الأجداد القومي المتطرف، سنان أوغان، على 5.17 في المائة من الأصوات، كانت كفيلة لو ذهبت لأحد أبرز المرشحين للرئاسة، الرئيس رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، لضمان فوزهما بالانتخابات، رغم أن كلاً منهما كان يحظى بدعم حزب قومي ممثل في البرلمان.
صوت القوميين بلغ أكثر من ربع الناخبين في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة
وجرت الجولة الثانية في الانتخابات الرئاسية، بعد أن فشل أي مرشح في الجولة الأولى في 14 مايو، بالوصول إلى النسبة المطلوبة وهي 50 في المائة زائد واحد، حيث حصل أردوغان على 49.52 في المائة من الأصوات، وحصل كلجدار أوغلو على 44.88 في المائة.
هذه النتائج دفعت المرشحين لمحاورة أوغان والأحزاب الداعمة له، فتمكن أردوغان من جذب أوغان، فيما تمكن كلجدار أوغلو من جذب الأحزاب وخصوصاً حزب النصر القومي المتطرف، فامتنع نصف ناخبي أوغان عن التصويت، وتوزع النصف الباقي بين أردوغان وكلجدار أوغلو.
ولجأ مرشح المعارضة كلجدار أوغلو إلى مهاجمة السوريين (المقيمين في تركيا) في الجولة الثانية من الانتخابات على أمل انتزاع أصوات التيار القومي، ورافق ذلك حصد حزب الحركة القومية في الانتخابات أكثر من 10 في المائة من الأصوات، وحصل الحزب الجيد القومي أيضاً على قرابة 10 في المائة. ومع احتساب أصوات أوغان، يمكن القول إن صوت القوميين بلغ أكثر من ربع الناخبين في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة.
ورقة اللاجئين في الانتخابات المحلية التركية
وإن كان تصاعد التيار القومي مرده إلى التغيرات السياسية والاقتصاد حول العالم، حيث تربط أطراف ذلك بموجة الكراهية للأجانب المتصاعدة في أوروبا وتأثر تركيا بها، فضلاً عن تراكمات الحروب في الشرق الأوسط، إلا أن تصاعده في تركيا جاء نتيجة حملات ممنهجة استهدفت الوجود الأجنبي في البلاد وخصوصاً اللاجئين الوافدين من سورية وأفغانستان، والحديث المتكرر عنهم في وسائل الإعلام وتوظيف أحزاب سياسية ورقة اللاجئين في السباق الانتخابي.
وعلى الرغم من أن رائد هذه الحملة هو زعيم حزب النصر أوميت أوزداغ، إلا أن مرشحين من أحزاب أخرى لجأوا إلى نفس النهج في مهاجمة الأجانب من مختلف الأحزاب، في دليل على أهمية هذه الورقة في الانتخابات المحلية التركية المقبلة. فمرشح الحزب الجيد إسماعيل يشار في منطقة أرناؤوط كوي في إسطنبول، ذات الغالبية المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، وفي جولة ميدانية له أخيراً، هاجم السوريين وتعهد بإغلاق متاجرهم كلها.
وكذلك مرشح حزب الرفاه من جديد، خالد أوزكاراتاشلي أوغلو، في منطقة الفاتح في إسطنبول، والتي تعرف وجوداً أجنبياً كثيفاً أيضاً، تعهد بإرسال السوريين والأجانب "عبر العلب" إلى بلادهم من المطارات وذلك في مقطع فيديو نشره على حسابه بمواقع التواصل. وبعد صدور ردود فعل منددة، اضطر إلى مسح الفيديو، ونشر حزبه توضيحاً بأنه يتعارض مع مبادئ الرؤية الوطنية حول حقوق الإنسان.
كما أن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو يركز في حديثه عن أكثر من 40 مليار دولار دفعتها الحكومة على اللاجئين كان من المفيد استثمارها في مشاريع تنموية في البلاد. أما رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، فهو دائم الحديث عن أن عدد السوريين في تركيا سيصل إلى أكثر من 20 مليونا بعد سنوات عدة، ما سيشكل خطرا على البلاد محذراً من تداعيات ذلك.
ومن العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع رصيد التيار القومي في تركيا، أيضاً، التطورات المرتبطة بالمواجهة مع حزب العمّال الكردستاني داخل البلاد وخارجها، فضلا عن عمليات الحزب المسلحة داخل تركيا والتي تخلف قتلى وجرحى والإضرار بسمعة البلاد ووحدته، مع تصاعد الدعم الغربي للأكراد في سورية والعراق. وتسعى الحكومة التركية إلى استغلال هذه الأحداث في استمالة الناخب القومي بتهديد "الكردستاني"، ومواصلة الهجمات ضد معاقله في تركيا ودول الجوار.
كما أن الرئيس أردوغان في حملته الانتخابية قبل انتخابات مايو الماضي، استفاد من مسألة التعاون بين حزب الشعوب الديمقراطي الداعم لحزب العمال الكردستاني، مع حزب الشعب الجمهوري، للطعن بالمعارضة، وبأنها تتلقى دعماً من "الكردستاني" (الذي تصنّفه أنقرة إرهابياً)، وذلك بهدف استثارة الشعور القومي للناخبين وكسب دعمهم.
تستفيد الحكومة من التعاون بين أحزاب المعارضة مع الأحزاب الكردية خلال الانتخابات لكسب أصوات القوميين
وبناء على ما سبق، يمكن الحديث عن عنوانين رئيسيين لتصاعد التيار القومي في تركيا، تعمل مختلف الأطراف لتوظيفهما واستمالة الناخبين عبرهما في الانتخابات المحلية التركية المرتقبة يوم غدٍ الأحد. فالأحزاب المعارضة تستغل دعم وحماية الحكومة للاجئين وتوفير الملاذ لهم من أجل كسب الأحزاب القومية، والعنوان الثاني متمثل باستفادة الحكومة من التعاون بين أحزاب المعارضة مع الأحزاب الكردية خلال الانتخابات من أجل كسب أصوات القوميين. وفي الانتخابات المحلية المرتقبة، هناك تعاون "محدود" حتى الآن بين حزب الشعب الجمهوري وحزب "ديم" الكردي، ما يجعل أردوغان دائم الحديث عن هذا التعاون في خطاباته في ميادين الانتخابات.
وعن تصاعد أصوات اليمين في تركيا وتأثيرهم في الانتخابات، قال الكاتب إسماعيل جوكتان لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك بأن أصوات القوميين ولا سيما حزب الحركة القومية المتحالف مع حزب العدالة والتنمية، زادت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكن هذا الصعود لم يكن له تأثير كبير على الحكومة بسبب انقسام القوميين ضمن أكثر من 3 أحزاب متصارعة ضد بعضها البعض".
وأوضح جوكتان أن "الفكرة القومية في تركيا تختلف من حيث التوجهات السياسية، حيث إن هناك قوميين يقدمون انتماءهم القومي على كل شيء، بينما يوجد قوميون علمانيون، وقوميون محافظون مثل حزب الحركة القومية". وبرأيه، فإن "الانتخابات المحلية تختلف عن البرلمانية، لأن الشعب قد وصل إلى الوعي السياسي الذي يتيح له التمييز بين هذين النوعين من الانتخابات، وأيضاً فإن تأثير البلديات ليس كبيراً كما في الانتخابات البرلمانية، ومع ذلك لا شك سيكون هناك تأثير للفكرة القومية في خيارات الناخبين".
أحزاب المعارضة تستغل سياسة الحكومة تجاه اللاجئين من أجل كسب الأحزاب القومية
وعن أسباب ذلك، أشار جوكتان إلى أن "السبب الرئيسي في تصاعد الأصوات القومية، هو الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ عام 2019 والسبب الثاني هو موجة النزوح من دول الجوار إلى تركيا، وهذان السببان لا يزالان قائمين في المنظور السياسي والاجتماعي". وذكّر بأن "المرشحين القوميين حصلوا على أصوات إلى حد ما في الانتخابات العامة، باعتمادهم على الخطاب العنصري ضد اللاجئين، لكن هذه الانتخابات هي انتخابات محلية وليس لها تأثير كبير على قضية الأجانب".
ولفت الكاتب إلى أنه "في هذه الانتخابات، سيكون تقارب الحكومة مع الأكراد مؤثراً على الناخب القومي، فالرئيس أردوغان أسّس تحالفاً مع القوميين في الماضي القريب، لكنه هذه المرة يريد أن يحيّد الأكراد ويبعدهم من حزب الشعوب الجمهوري، وقد فاز في سعيه إلى حد ما وقرر حزب ديم الكردي خوض الانتخابات وحده دون الانخراط في تحالف مع حزب الشعب الجمهوري في انتخابات إسطنبول، وهذا سيكون العنصر المحدد لتقارب الحكومة مع الأكراد بعد الانتخابات فهناك احتمال كبير في لجوء أردوغان إلى تأسيس السلام مع حزب ديم الكردي وسنرى موقفاً آخر من القوميين تجاه الحكومة"، وفق رأيه.
من جهته، اعتبر الصحافي يوسف سعيد أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات البلدية ستشهد بالتأكيد تأثر الناخبين بالتيارات القومية في البلاد والخطاب الذي يستهدف مشاعر المواطنين المحبين لبلادهم خصوصاً مع استغلال حالة التخويف التي تستهدف الأجانب المقيمين وأهمهم اللاجئون من سورية وأفغانستان".
وأضاف سعيد أوغلو: "لم تتمكن الحكومة حتى الآن من تقديم حلول مقنعة لأزمة اللاجئين رغم حديثها عن انخفاض أعدادهم وعن اتخاذ إجراءات لمنع المهاجرين غير النظاميين من البقاء في تركيا، وتعزيز أمن الحدود، والقبض على المهاجرين وترحيلهم والقبض على المهربين، وهو أمر تستغله المعارضة في دغدغة مشاعر القوميين أو في تعزيز اليمين المتطرف في البلاد".
ولفت الصحافي التركي إلى أن "الحكومة في المقابل تعمل على استمالة القوميين من بوابة التنظيمات المحظورة في البلاد، وعلى رأسها حزب العمال الكردستاني وجماعة الخدمة وداعش والقاعدة ومثيلاتها، ولهذا تكثف حملات القبض عليهم واعتقالهم وتوقيفهم وكشف ارتباطاتهم والتحقيقات معهم، وترافق ذلك عمليات أمنية وعسكرية في مناطق جنوب شرق تركيا، وفي شمال العراق وشمال سورية، وأخيراً نرى الرئيس أردوغان يتحدث عن قرب تطهير المنطقة الحدودية التركية مع العراق من الكردستاني بالتعاون مع العراق".
وشدّد سعيد أوغلو على أن "انتخابات إسطنبول ربما تحسم من قبل الأصوات القومية، فالحزب الجيد لا يدعم إمام أوغلو، وحزب الرفاه من جديد يركب موجة اليمين تارة، ويحذر من اللاجئين تارة أخرى، ولا يدعم حزب العدالة والتنمية وهو بدوره يسعى لاستقطاب القوميين مع استقطابهم للمحافظين، وبالتالي فإن الصوت القومي لا شك سيكون حاسما في الانتخابات ومحدّداً". وختم بقوله: "رأينا ذلك في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكيف تسابق الرئيس أردوغان ومنافسه كلجدار أوغلو لكسب تحالف الأجداد ومرشحه الرئاسي سنان أوغان".