وسط تضارب في المعلومات حيال إمكانية عقد المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الجلسة المقررة اليوم الأحد، للنظر في الطعن المقدم بشأن نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بسبب إعلان الحكومة، اليوم الأحد، عطلة رسمية بمناسبة عيد الميلاد، تؤكد مصادر سياسية عراقية رفيعة أن المشهد السياسي العام في بغداد والنجف لا يتجه نحو صدور قرار بإلغاء الانتخابات.
وتشير المصادر إلى أن الانتخابات ستمضي في النهاية على شكلها الحالي من حيث النتائج، أو بتغيير طفيف. ويأتي ذلك خصوصاً مع وجود تحفظ إيراني كبير على مطلب إلغاء الانتخابات الذي ترفعه قوى حليفة لها في بغداد.
ويطالب تحالف "الفتح"، عبر الطعن المقدم إلى المحكمة الاتحادية، بإلغاء نتائج الانتخابات، رافعاً أكثر من 20 وثيقة ودليلا (لم تعرض على الإعلام حتى الآن)، يقول إنها تتضمن مخالفات وخروقات ومشاكل فنية سمحت بالتلاعب في نتائج الانتخابات وسرقة أصوات أنصاره.
شكوك حول موعد جلسة المحكمة الاتحادية
وقررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، الأسبوع الماضي، إرجاء جلسة النظر في الحكم حيال الطعن المقدم إلى يوم 26 ديسمبر (اليوم الأحد)، وهو ثاني إرجاء للحكم منذ ثلاثة أسابيع.
لكن بعد إعلان حكومة مصطفى الكاظمي عن اعتبار الأحد عطلة رسمية، تحوم شكوك حول إمكانية المحكمة تأجيل الجلسة ليوم غد الإثنين، وفقاً للقانون الإداري العراقي الذي أقر تحول الجلسات آلياً لليوم الذي يلي العطلة. ولم يصدر عن المحكمة، حتى عصر أمس السبت، أي إعلان حول ذلك.
تحوم شكوك حول إمكانية المحكمة تأجيل الجلسة ليوم غد الإثنين
وتتهم القوى الرافضة لنتائج عملية الاقتراع الأخيرة، المفوضية العليا للانتخابات، بالتسبب في خسارتها من خلال أخطاء فنية كثيرة وقعت في يوم إجراء الانتخابات.
كما اتهم رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري، في كلمته أمام أعضاء المحكمة الاتحادية في الجلسة الماضية التي عقدت يوم الأربعاء الماضي، المفوضية، بـ"حرمان ملايين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم"، وبأنها حرمت نحو 5 ملايين ناخب من المشاركة في الانتخابات، لعدم قيامها بإصدار بطاقات بيومترية لهم، على الرغم من أن قانون الانتخابات يلزم المفوضية بتسجيل المواطنين الذين تنطبق عليهم شروط التسجيل البيومتري في سجل الناخبين.
لكن مفوضية الانتخابات أشارت، في أكثر من بيان، إلى أن الانتخابات اتسمت بنزاهة لم تعهدها الانتخابات السابقة التي أجريت في البلاد، وحظيت بدعمٍ من الأمم المتحدة ورقابة دولية.
استبعاد إلغاء نتائج انتخابات العراق
وقالت مصادر سياسية في بغداد لـ"العربي الجديد"، أمس السبت، إنه بغض النظر عن إجراء جلسة المحكمة أو إرجائها ليوم غد، فإنه لا ينتظر من المحكمة إلغاء النتائج.
وأكد أحد المصادر، في اتصال هاتفي، أن "أقصى المتوقع من المحكمة، هو الطلب بإعادة تدقيق بعض المراكز أو الدوائر بناءً على الشكوى المقدمة، لكن في النهاية، فإن النتائج ستمضي، ولا إلغاء لها".
واعتبر المصدر أن إصرار تحالف "الفتح" على المضي في طريق الطعن، هو "للحصول على أوراق ضغط في التفاوض ورفض لاعتراف بتراجع شعبيته في الشارع العراقي".
وحول الموقف الإيراني من أزمة الانتخابات، قال مصدر آخر إن التوجه العام في إيران "هو رفض إلغاء النتائج والمضي بها، لكن مع حكومة توافقية تشارك فيها كل القوى السياسية الشيعية"، معتبراً أن "جولات المفاوضات الحقيقية حول شكل الحكومة لم تبدأ بعد"، وأن "كل ما حصل هو ترطيب أجواء بين الكتل طوال الأسابيع الماضية".
وأكد القيادي في "ائتلاف دولة القانون"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والمرشح الفائز في الانتخابات الأخيرة، محمد الصيهود، لـ"العربي الجديد"، وجود اتفاق على "احترام كل ما سيصدر عن المحكمة الاتحادية والقبول به".
وأضاف الصيهود أن "كل ما سيصدر من المحكمة الاتحادية من قرارات محترمة بالنسبة لنا، على الرغم من عمل جهات سياسية على استمالة المحكمة إلى صفها، وهو جزء من تحرك سياسي غير شريف".
وتوقع أن "تمضي المحكمة في جلستها المرتقبة بالمصادقة الجزئية على النتائج، وليست الكلية"، في إشارة إلى أن سيناريو إلغاء كامل النتائج غير وارد حالياً.
يرجح أن تطلب المحكمة إعادة تدقيق بعض المراكز أو الدوائر
وأوضح القيادي في "ائتلاف دولة القانون"، أن "القوى المعترضة على نتائج الانتخابات قدمت خلال الأسابيع الماضية كل ما لديها من طعون ودعاوى وأدلة تثبت التلاعب بأصوات الناخبين والتزوير والأخطاء الفنية التي سقطت فيها مفوضية الانتخابات، ولم تتجاوز قوى (الإطار التنسيقي) بأي شكل من أشكال اعتراضها على نتائج الانتخابات حدود القانون، بل إنها سلكت كل الطرق الاحتجاجية سياسياً وإعلامياً وقانونياً واحتجاجياً".
وحذّر الصيهود من أن التأخر وإطالة عمر الأزمة "يضرّ بالعراقيين"، مشدداً على ضرورة "البدء بمرحلة الحوارات الجادة بين الأحزاب والكيانات في سبيل تشكيل الحكومة الجديدة".
واعتبر أنه "ما أن يتم حسم ملف الانتخابات عبر المحكمة الاتحادية، سيكون لزاماً على القوى السياسية سحب أنصارها المحتجين من الشوارع".
في المقابل، شدّد عضو تحالف "الفتح"، الذي يمثل "الحشد الشعبي" سياسياً في العراق، كريم عليوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، على ضرورة أن تشهد جلسة المحكمة الاتحادية صدور قرارات نهائية تتعلق بأزمة الانتخابات والطعون المقدمة بشأنها.
وأوضح عليوي أن "المرافعة الأخيرة للمحكمة أكدت عدم وجود تأجيل جديد لحسم ملف نتائج الانتخابات"، متوقعاً أن تعقد الجلسة اليوم الأحد.
لكن الخبير القانوني العراقي طارق حرب أكد، في اتصالٍ مقتضب مع "العربي الجديد"، أن "اليوم الأحد هو يوم عطلة رسمية، لذلك فإنّ النطق بالحكم سيكون في اليوم الذي يليه، أي يوم 27، وذلك وفق قانون المرافعات المدني العراقي رقم 83 لسنة 1971".
من الممكن أن تستمر الطعون حتى بعد المصادقة على النتائج
من جهته، توقّع الباحث في الشأن السياسي، كتاب الميزان، أن تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، لافتاً إلى أنه "من الممكن أن تستمر الطعون حتى بعد المصادقة، وهو أمر طبيعي وقانوني، لكن قرارات المحكمة الاتحادية مرهونة بالتوافقات السياسية بين الكتل، وإذا ما قررت بخلاف ما تتفق عليه الكتل، فقد تكون هناك انعكاسات سلبية على مجمل المشهد العراقي".
ورأى الميزان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "القوى الخاسرة استغلت تأخر المحكمة الاتحادية والوقت في دراسة والنظر بالطعون المقدمة، من أجل الحصول على مزيدٍ من المكاسب السياسية في الحكومة المقبلة".
ووفق النتائج الأخيرة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات العراقية، يعد تحالف "الفتح" أبرز الخاسرين بحصوله على 17 مقعداً، بعدما حلّ ثانياً (48 مقعداً) في انتخابات 2018.
في المقابل، فازت الكتلة الصدرية التي يتزعمها مقتدى الصدر بـ73 مقعداً من أصل 329، يليها تحالف "تقدم" بـ37 مقعداً، ثم ائتلاف "دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي برصيد 33 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بـ31 مقعداً.
وتستند دعوى تحالف "الفتح" المقدمة للمحكمة الاتحادية، إلى نحو 20 ملفاً تتضمّن وثائق وأرقاماً وبيانات وشهادات مختلفة، تتعلق بما يعتبرها التحالف دليلاً على التزوير والتلاعب.