في أحداث مسجد "الفتح" التي اندلعت رفضاً لمذبحة رابعة العدوية في صيف 2013، شارك إبراهيم عبد الله في التظاهرات التي انطلقت من مسجد الفتح في رمسيس بقلب القاهرة، وألقي القبض عليه ضمن آلاف في هذه الأحداث وغيرها على مستوى الجمهورية، رفضاً للانقلاب العسكري والمذبحة.
عوقب عبد الله بالسجن ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر والتحريض على العنف وغيرها من التهم الجاهزة في مثل تلك القضايا. لكنه لم يكن يعلم أنه بعد انقضاء السنوات الثلاث في السجن، سيقضي عقوبات أخرى ممتدة طوال الوقت، طالما أنه سجين سياسي سابق في مصر.
بعد خروج عبد الله من السجن، واجه صعوبات بالغة في الحصول على عمل، على الرغم من أنه مهندس حديث التخرج، وتخصصه مطلوب في سوق العمل المصري. وأخيراً وفق في الحصول على وظيفة في شركة عقارية، صاحبها يميل للمعارضة، ولديه في عائلته تجارب سجناء سياسيين سابقين، خاصة في عهد النظام المصري الحالي.
واجه إبراهيم عبد الله تعنتاً أمنياً شديداً من لجنة مرور في الطريق
لم تكن تلك هي العقبة الوحيدة التي واجهت عبد الله، كونه سجيناً سياسياً سابقاً. ففي إحدى مأموريات العمل التي سافر فيها بسيارات الشركة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، واجه تعنتاً أمنياً شديداً من لجنة مرور في الطريق، احتجزته بعد الكشف على رقمه القومي، وتبيان أنه سجين سياسي سابق. سمحت اللجنة للجميع بالعبور، وأحيل هو إلى قسم الشرطة، وهناك قضى أياماً عدة، انتظاراً لورود تحريات جهاز الأمن الوطني بشأنه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه في كل مرة حاول فيها الارتباط بفتاة، كان أهلها يرفضون إتمام الزيجة، لكونه سجينا سياسيا سابقا، لا لكونهم موالين للنظام الحالي، لكن لخشيتهم من أي تبعات مستقبلية. عبد الله ليس حالة استثنائية في مصر، بل هو نموذج بسيط للغاية من العقوبة السياسية الممتدة لأجل غير مسمى في مصر على معارضة النظام المصري الحالي في يوم من الأيام، حتى لو كف هذا المواطن عن المعارضة تماماً، وصمت طويلاً، وفقد الأمل مطلقاً.
ما حدث قبل أشهر مع الناشط السياسي إسلام عرابي، وزوجته الناشطة السياسية سارة عبد الناصر، مثال آخر على تعامل النظام المصري مع السجناء السياسيين السابقين. إذ إن السلطات الأمنية استدعت عرابي، لانزعاجها من زواجه دون معرفتهم، حسبما أُبلغ هاتفيًا قبل القبض عليه. وكانت سارة عبد الناصر، قد سردت عبر حسابها الخاص على "فيسبوك"، تفاصيل إخفاء زوجها قسرياً قبل ظهوره على ذمة قضية سياسية، قائلة "تم استدعاؤه تلفونياً من جهة الأمن الوطني وقيل له نصاً: إنت اتجوزت يا إسلام. اتجوزت من غير ما تقول. طيب عقدت ولا دخلت. طيب تعالى بقى حالاً وهات معاك القسيمة والبطاقة خلينا ندردش". وكانت قوات الأمن ألقت القبض على إسلام عرابي من أمام منزله مع شقيقه أحمد، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعدها ظهرا في 17 يناير/كانون الثاني 2017، بعد إخفاء قسري دام 85 يوماً، وتم ضمهما لقضية باتهامات تأسيس والانضمام لخلية عنقودية تابعة لتنظيم "داعش".
وبعد استدعائه من قبل السلطات الأمنية نهاية العام الماضي، وإخفائه قسرياً لمدة خمسة أيام، ظهر أمام نيابة شبرا الخيمة، حيث تم التحقيق معه كمتهم في القضية رقم 162 لسنة 2020 جنح شبرا الخيمة ثانٍ. وتعاقب تجديد حبسه إلى أن صدر قرار بإخلاء سبيله بتاريخ 16 فبراير/شباط 2021 بكفالة مالية قدرها ثلاثة آلاف جنيه (نحو 190 دولاراً) تم سدادها. إلا أن إسلام ظل محتجزاً بدون وجه حق في مقر قسم شرطة شبرا الخيمة ثانٍ، تتردد عليه زوجته بالإعاشة له دون السماح بزيارته. ودخل في إضراب عن الطعام اعتراضًا على حبسه دون سند قانوني.
استدعى الأمن إسلام عرابي لزواجه من دون معرفتهم
وحسب تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في يناير/كانون الثاني 2021، ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد. وتشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ نحو 114 ألف سجين، أي ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون، والتي قدّرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2020، بـ55 ألف سجين. وقد تزايد عدد السجناء بشكل كبير عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، ما أدى إلى اكتظاظ شديد في السجون. وفي السجون الستة عشر التي فحصتها المنظمة، يتكدَّس مئات السجناء في زنازين مكتظَّة، حيث يبلغ متوسط المساحة المتاحة لكل سجين من أرضية الزنزانة نحو 1.1 متر مربع، وهي تقل كثيراً عن الحد الأدنى الذي أوصى به خبراء، وهو 3.4 أمتار مربعة.