يُصاب الواحد منا، نحن التونسيين خصوصاً، بالدهشة العارمة، وهو يطالع المواقف الأوروبية حيال الانقلاب الأخير في النيجر. فقد أكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، السبت الماضي، أن التكتل "لا يعترف ولن يعترف بسلطات الانقلاب" في النيجر، وأنه يعلّق فوراً "كل تعاونه في المجال الأمني" معها.
وقال بوريل، في بيان، إن الرئيس محمد بازوم "انتُخب ديمقراطياً ويبقى إذاً الرئيس الشرعي الوحيد في النيجر. يجب الإفراج عنه بدون شروط وبدون تأخير". وبالإضافة إلى تعليق كلّ مساعدات الميزانية، سيعلّق الاتحاد الأوروبي "كل التعاون في المجال الأمني على الفور وإلى أجل غير مسمى"، وفق قوله.
كذلك بحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، الجهود المبذولة لاستعادة النظام الدستوري في النيجر. من جانبه، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، للصحافيين: "نذكّر أولئك الذين يحاولون الاستيلاء على السلطة بالقوة، بأن إطاحة الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم (ستعرّض) تعاون الولايات المتحدة الكبير مع حكومة النيجر للخطر".
نعم، هكذا، ينددون بالانقلاب، ويقطعون العلاقات ويوقفون المساعدات، حتى يعود النظام الدستوري، والرئيس المنتخب ديمقراطياً. نعم، بهذه الثقة وهذه المبدئية وهذا الصوت العالي، ومن هول الدهشة عاد الواحد يتثبت، هل رئيس البرلمان التونسي السابق راشد الغنوشي منتخب ديمقراطياً؟ هل البرلمان التونسي السابق هو نتيجة انتخابات شفافة؟ ألم يُغلَق باب البرلمان بدبابة؟ هل هيئة الانتخابات التونسية السابقة منتخبة؟ والمجلس الأعلى للقضاء؟ ألم يكن ما حدث في تونس انقلاباً؟
أما النكتة الكبرى فبيان الخارجية التونسية تجاه الانقلاب في النيجر، الذي أكد أن "تونس تتابع بكل انشغال ما تشهده الساحة النيجرية من تطورات خطيرة، بعد محاولة الانقلاب والاستيلاء على السلطة بالقوة، في حركة مناهضة للنظام الدستوري"، و"تطالب تونس كل الأطراف المعنية باحترام الشرعية الانتخابية والحفاظ على الاستقرار السياسي لجمهورية النيجر الشقيقة حتى لا يتفاقم الوضع".
وأضاف البيان: "تعبّر تونس عن دعمها للسلطة الشرعية المنتخبة ديمقراطياً، وتدعو إلى الإفراج فوراً عن رئيس الجمهورية محمد بازوم، وكل المحتجزين بدون قيد أو شرط، وإعلاء راية وسيادة القانون والعودة للاستقرار والأمان".
إياك أن تضحك بصوت عالٍ أو أن يُسمع حتى همسك وأنت تبتسم، فقد صار لزاماً علينا أن نرى العجائب ولا نتكلم. ولكن ليس في الأمر غرابة بخصوص الموقف الدولي، فلطالما كان عبر التاريخ منافقاً ومصلحجياً، وغير مكترث بالمبادئ، ولكن زاده في السنوات الأخيرة صلف وعنجهية وسقط عنه كل حياء ممكن.