انقلاب قائد الجيش، الجنرال عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكعادة جميع الانقلابات، تم تعليل تنفيذه بالإشارة إلى انهيار الأمن. ومن المعلوم أن الانقلاب وجد مقاومة شعبية واسعة تجلّت في حراك ثوري لم ولن ينقطع، حسب كل المؤشرات، إلا بتنحي العسكر وعودتهم إلى ثكناتهم، أو هكذا يطالب ثوار السودان وثائراته.
تلك المقاومة قابلتها زيادة في حوادث النهب، وسط تراخي الأجهزة الأمنية وتباطؤها في التدخل وملاحقة العصابات، لانشغالها بملاحقة المحتجين والتنكيل بهم؛ قتلاً وإصابة واعتقالاً.
في مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين، قرر التفكير الجمعي للسودانيين في الخرطوم، وبصورة عفوية، التصدي لمجموعات النهب المسلح عبر لجان الأحياء والمناطق، وذلك بترصّد العصابات والقبض عليها وحبسها وتصويرها والتحقيق معها في بعض الأحيان، من دون حتى تحويلها لأقسام الشرطة.
وإن بدا هذا التفكير مخالفاً لصحيح القانون وسيادة حكمه، ويكرّس أخذ الحقوق باليد، لكنه ترياق ضروري لغياب مؤسسات الدولة. ومهما كان، فقد ساهم في تقليل الجريمة بنسبة أو بأخرى.
الشهر الماضي، تحركت سلطات الانقلاب العسكري وشنت حملاتها على أوكار الجريمة ولاحقت المجرمين، فصار الوضع أفضل بكثير من الأشهر السابقة.
وبقدر ما يحسب ذلك للأجهزة الأمنية، لكنه في الوقت نفسه يكشف عن جريمتها الكبرى بتأخّرها في التعاطي الجاد مع الظاهرة منذ البداية. وهو أمر لا يعطي إلا تفسيراً وحيداً، وهو أن سلطة الانقلاب قرأت من ذات الكتب الصفراء والبالية التي تجعل من التدهور الأمني فزاعة لكل من ينادي بعودة العسكر للثكنات (إما نحن ومعنا الأمن أو المدنية زائد الفوضى). لكن فاتها أن شعب السودان وبقية شعوب الربيع التي ترنو للحرية والديمقراطية والمدنية، استوعبت الدرس وملّت المسرحيات رديئة الإخراج.