يواجه مجلس النواب الأردني، المنتخب في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحدي إثبات حضوره، وسط نظرة شعبية سلبية تجاهه، مع بدء دورته غير العادية (بدأت في 10 ديسمبر/كانون الأول الحالي)، ليكون على النواب الـ130، ومنهم 98 نائباً جديداً، استرداد ما يمكن من الثقة، خصوصاً أن الدستور الأردني يمنح البرلمان أهمية بالغة، فنظام الحكم في الأردن نيابي ملكي وراثي. وينظر الأردنيون إلى برلمانهم على أنه الحلقة الأضعف في ثنائية إدارة الدولة لشؤون البلاد، إذ تترسخ قناعة شعبية بأن الحكومة، أي السلطة التنفيذية، هي من يدير المشهدين السياسي والاقتصادي، فيما يلعب مجلس النواب دوراً هامشياً وتكميلياً. وربما يوجد اقتناع كبير، بما صرّح به عضو مجلس النواب المخضرم عبد الكريم الدغمي، منذ زمن غير بعيد، حين وصف مجلس النواب الأردني بأنه "مجرد ديكور".
انكشف ضعف البرلمان الأردني خلال عدد من اللحظات الفاصلة في المرحلة الماضية، وسط تغوّل الحكومات المتتالية عليه
ولم يعد مجلس النواب يحظى بثقة الأردنيين لجهة الرهان على دوره في إحداث تغيير حقيقي في الواقع السياسي المحلي، بعد انكشاف ضعفه خلال العديد من اللحظات الفاصلة في الفترة الماضية، وسط تغوّل الحكومات المتتالية عليه. وجاء ذلك في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، وغياب فاعلية البرلمان السياسية. وعدا عن معارضته ورفضه لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، فلا أثر يُذكر له.
وجاءت نسبة المشاركة الضعيفة في الانتخابات التشريعية التي جرت في نوفمبر الماضي، لتشكل استفتاءً مباشراً على ثقة المواطنين بالمجلس بشكل عام. ولم تتخط المشاركة نسبة 29.9 في المائة، بواقع مليون و387 ألفاً و698 ناخباً، من أصل 4 ملايين و640 ألفا و643 ناخباً، فيما اقترع عدد كبير من الناخبين بدفع من العصبية العشائرية والمناطقية، وليس عن قناعة بالديمقراطية ودور مجلسهم النيابي في التأثير على الحياة العامة.
والجدير ذكره أن مجالس نيابية سابقة في تاريخ الأردن السياسي ظلّت شبه غائبة حضوراً وتفاعلاً، وذلك خلال التحديات الجسيمة التي واجهها المجتمع الأردني بمختلف شرائحه، حيث انشغل الكثير من النواب بالبحث عن مصالحهم الخاصة، وتحقيق إنجازات فردية. وتبرز مخاوف من أن تزداد صورة مجلس النواب الأردني قتامة وسوءاً، في حال غياب الإرادة الحقيقية للإصلاح السياسي وإعطاء السلطة التشريعية دورها الكامل، وأن يكون هذا الدور متوازناً ومتوازياً مع السلطة التنفيذية، حتى لا تستمر الإخفاقات.
وتعليقاً على هذه الهواجس، رأى نقيب المحامين الأسبق، النائب صالح العرموطي، أن المجلس القوي يفرض وجوده عبر دوره الرقابي والتشريعي، وعن طريق المحاسبة وطرح الثقة بالحكومة، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا مارس المجلس حقّه الدستوري، فإن أي جهة لا تستطيع التغول عليه". ولفت إلى أن "الأصل دستورياً، أن يكون مجلس النواب هو صاحب القرار، فالحكومة تُعد المشاريع وتتخذ القرارات، على المجلس مراقبتها ومحاسبتها".
وفي حين شدّد العرموطي على أن "المجلس النيابي يفرض وجوده بقوته"، رأى أن "تغول بعض الحكومات على المجالس النيابية جاء نتيجة لضعف الأخيرة"، لكنه لفت إلى أن بعض أعضاء المجلس النيابي السابق "تمكنوا من اتخاذ قرارات هامة، بعيداً عن الحكومة، كرفض اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال، الذي جاء بالإجماع، مع مطالبة الحكومة بإلغائها".
وأشار النائب الأردني، إلى أن المجلس الجديد حتى اليوم لم يعقد أي جلسة رقابية، وسيكون موقفه على المحك عند عقد جلسات رقابية لمراجعة قرارات الحكومة الأخيرة، متوقعاً أن يأتي موقف المجلس منسجماً مع نبض الشارع. وأوضح أن تغول الحكومة خلال الفترة الماضية، يعود لغياب جلسات مجلس النواب، الذي لم ينعقد بسبب أزمة وباء كورونا، ليتم بعد ذلك حلّ المجلس، الذي لم يمارس ولايته بأوامر "وزارة الدفاع".
ورأى العرموطي أن على المجلس الجديد إثبات وجوده من خلال الفعل والعمل، وموقفه تجاه الموازنة، والمديونية، ومناقشة الثقة، ومسائل ملحة كالبطالة والجوع والفقر، لافتاً في هذا الصدد إلى أن أهم اختبارين خلال الفترة القريبة المقبلة، سيكونان قانون الموازنة وطرح الثقة بالحكومة. واعتبر أن هناك من حاول شيطنة صورة مجلس النواب، وهو ما تبنته حكومات سابقة، بهدف تشويه صورة المجلس أمام الرأي العام، معرباً عن اعتقاده أنه لو اطلع الرأي العام على عمل المجلس، وما أنجز، لكانت الصورة مختلفة نوعا ماً. وأقرّ بوجود تقصير من المجلس لجهة عدم توضيح عمله أمام الرأي العام، وتبيان الإنجازات. وأشار في هذا الصدد إلى أن المجلس السابق أحال وزيراً سابقاً إلى مكافحة الفساد و250 قضية من ديوان المحاسبة، وأقرّ أكثر من 200 قانون، معتبراً أن المجلس النيابي مارس ولايته العامة، ليس كما ترغب الحكومة. وشدّد على أنه من المقبول انتقاد أداء نواب في المجلس، لكن من غير المقبول انتقاد المجلس ككيان وهيئة ومؤسسة دستورية، متحدثاً عن "صالونات نميمة سياسية وحكومات حاولت تشويه صورة" السلطة التشريعية.
أهم اختبارين أمام المجلس خلال الفترة القريبة المقبلة، سيكونان قانون الموازنة وطرح الثقة بالحكومة
ووفق العرموطي، فإن إجراءات الحكومة خلال الانتخابات الأخيرة، ومنع لقاء المرشحين مع الناخبين، بسبب قوانين "الدفاع" لمواجهة كورونا، أدّت إلى العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات، مذكراً بأن نسبة الاقتراع مثلاً لم تتجاوز 11 في المائة في الدائرة الثالثة في العاصمة عمّان، فيما كان المال السياسي الأسود يصول ويجول، على حدّ قوله. ورأى أن ذلك حال دون وصول بعض النواب الذين يمثلون ضمير الأمة، إلى مجلس الشعب.
من جهته، شرح المحلل السياسي والصحافي المختص في الشأن البرلماني، جهاد المنسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "عملياً منذ العام 1989، لم يتم التعامل مع مجلس النواب كمؤسسة دستورية، من قبل المواطنين والسلطة التنفيذية، على الرغم من أنه سلطة مستقلة، فالمواطن والسلطة التنفيذية يعاملون المجلس النيابي على أنه يقوم بدور تكميلي، وليس أساسيا". ولفت إلى أن "هذه التراكمات أثّرت على صورة المجلس، لا سيما في الشارع، ما حوّله ليقوم بدور خدمي أكثر مما يقوم به من دور سياسي، وبالتالي تحول الشارع للبحث عن نواب خدمات، أكثر من بحثه عن نواب سياسيين، وما أفقد المجلس الجزء الأكبر من أدواره الرقابية والسياسية والتشريعية".
وفي هذا الصدد، قال المنسي، إن غالبية النواب يذهبون للبحث عن الخدمات التكميلية لدوائرهم الانتخابية، بعيداً عن خدمة الفكر والرؤية السياسية الجامعة التي تهم كل الأردنيين، منبهاً إلى أن "هذا الخلل أدى إلى تغول السلطة التنفيذية على التشريعية، بسبب امتلاكها حقّ تقديم ومنح الخدمات". كما لفت إلى أنه "عندما يطلب النائب مسألة خدمية، يكون لزاماً عليه أن يقع تحت تأثير السلطة التنفيذية، ما جعل بعض النواب يتخوفون من حجب الثقة ومعارضة بعض القرارات خشية فقدان الامتيازات التي يحصلون عليها".
واستبعد المحلل السياسي والصحافي المختص في الشأن البرلماني، أن يكون المجلس الحالي مختلفاً عن المجالس السابقة، آملاً أن يكون مخطئاً في هذا التقييم، وأن تحصل "حالة من الانتعاشة السياسية، التي يدرك من خلالها النواب الجدد دورهم الحقيقي والدستوري، فالمطلوب منهم التركيز على الدور السياسي، الرقابي والتشريعي، وترك العمل الخدمي وفتح الشوارع وإنارة الطرق وتعبيدها لمجالس البلديات والمحافظات، وعدم التعامل مع هذه المسائل كعنصر أساس عند مناقشة الموازنة".
وانتقد المنسي تشكل أغلب الكتل النيابية، سواء في المجلس الحالي أو في المجالس السابقة، بحثاً عن المصالح الآنية الفردية، من أجل مقعد في لجنة وغيرها، وليس بهدف تحقيق مصلحة عامة، ولذلك تكون الكتل ضعيفة في مواقفها السياسية، وغير قادرة على تلبية الطموحات، وغير فاعلة على أرض الواقع، وكلّها عوامل توضح أسباب الصورة الضعيفة والسلبية للمجلس النيابي.