عادت جبهة "البوليساريو"، مجدداً، للتهديد بالتصعيد، بعد أن أعلنت، أمس الجمعة، عن عزمها توسيع ما تصفه بـ"الحرب"، لتشمل مناطق جديدة، وذلك في خطوة تزيد من مخاوف اتساع نطاق الصراع بين المغرب والجبهة في الصحراء.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء أزمة الكركرات، بتأمين الجيش المغربي للمعبر الحدودي مع موريتانيا، وإعلان "البوليساريو" إنهاء التزامها بوقف إطلاق النار الموقّع في 1991، وما استتبع ذلك من حديث عن تنفيذها عدداً من "الهجمات" اليومية على القوات المغربية المتمركزة في الصحراء، من دون أن تصدر الرباط أو بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء "مينورسو" أي بيان حول الموضوع؛ يطرح إعلان القيادي في جبهة "البوليساريو"، سيدي أوكال، أمس الجمعة، أن الجبهة تخوض "تصعيداً وتوسع دائرة الحرب"، لتشمل مناطق الوركزيز ولبعاج وطارف بوهندة بقطاع تويزكي في الصحراء، أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كان النزاع مقبلا على المزيد من التصعيد، خاصة في ظل الرسائل التي حاولت الجزائر بعثها، بتنظيم مناورات عسكرية جوية وبرية كبرى في ولاية تندوف، جنوبي البلاد عند الحدود مع المغرب، يومي الأحد والإثنين الماضيين.
وفيما يبدو مستقبل النزاع في الصحراء غير واضح المعالم، اليوم، تعمل "البوليساريو" على إعطاء انطباع بأنها حسمت أمرها فيما يخص سبل مواجهة ما نتج عن أزمة الكركرات من أوضاع جديدة، بلعب "ورقة الحرب"، وذلك في استكمال لخطوة بدأتها في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد طرد محسوبين عليها من معبر الكركرات، باعتبار أنها "في حال دفاع مشروع عن النفس".
وفي ظل هذا التوجّه، كان لافتاً إعلان قيادة الجبهة، في الأسبوع الجاري، أن برنامجها للعام الجاري يتلخص في أن "الأولوية للقتال"، على حساب قضايا الصحراويين في مخيمات تندوف (جنوبي الجزائر)، من تعليم وصحة، والتي جاءت في مستوى ثانٍ من الاهتمامات، مع "تكيّفها مع واقع الحرب".
وبالرغم من إعلان "البوليساريو" استعدادها لاستئناف المفاوضات مع الأمم المتحدة حول وضع الصحراء؛ فإنها عادت للتأكيد على أنها "لا تنوي وقف الكفاح المسلح"، بحسب ما أعلن عنه القيادي في الجبهة، ولد أوكال، خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت نظّم يوم الثلاثاء الماضي.
يتناقض موقف البوليساريو الداعي إلى الحرب مع مواقف أخرى عبرت عنها الجبهة، من خلال إعلان رغبتها في العودة إلى العملية السياسية
وفيما لم تبدِ الرباط، إلى حد الساعة، أي رد فعل عن إعلان "البوليساريو" عزمها توسيع ما تصفه بـ"الحرب"، لتشمل مناطق جديدة؛ يرى الباحث في الشؤون الصحراوية، نوفل البوعمري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حديث البوليساريو عن توسيع الحرب، في ظل وجودها فقط في أذهان قادتها، تعبير عن فشلها سياسياً وعسكرياً"، لافتاً إلى أنه لا يمكن أخذ الإعلان بجدية، إذ يتناقض مع مواقف أخرى عبرت عنها الجبهة أخيراً، من خلال إعلان رغبتها في العودة إلى المباحثات والعملية السياسية.
ويوضح البوعمري أن ما عبّرت عنه الجبهة من إعلان لتوسيع الحرب هو "تأكيد على الوضع الهش الذي تعيشه، كما أن تضارب مواقفها دليل على ما انتهت إليه من إفلاس وانهيار أخلاقي وتنظيمي وسياسي"، مستبعداً توسع نطاق الصراع في الصحراء.
وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي المغربي، عادل بنحمزة، أن "حديث الجبهة، اليوم، عن الاستعداد للعودة للمفاوضات والاستمرار في الوقت نفسه في العمل العسكري، الذي لا يغير من الناحية العملية أي شيء على أرض الواقع؛ يعبّر عن استمرار تخبّط قيادتها وعدم قدرتها على حسم اختيارها الحقيقي"، مضيفاً: "في كل الأحوال، العالم يعرف أن الحرب انتهت عملياً في الصحراء المغربية، منذ استكمال بناء الجدار الأمني، وطيلة سنوات النزاع الممتدة على 45 سنة، لم تستمر الحرب سوى 16 سنة، وجنوح البوليساريو لوقف إطلاق النار والقبول بمخطط التسوية بداية التسعينيات من القرن الماضي، كان نتيجة طبيعية ومنطقية لحسم المغرب الجانب العسكري لصالحه".
ويوضّح المحلل المغربي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "البوليساريو"، التي تعوّدت دائماً على أن تكون مجرد صدى لما يقوم به النظام الجزائري، تجد نفسها اليوم تائهة ويائسة ومعزولة على المستوى الدولي، وهو ما ظهر بشكل واضح عندما بادرت إلى قطع الطريق التجاري الدولي الذي يربط المغرب بموريتانيا عند معبر الكركرات، في تحدٍ سافر للقوانين الدولية ولمناشدات الأمم المتحدة".
وبحسب بنحمزة، فإن "الجبهة توّجت حالة التيه التي تعيشها عندما أعلنت عن إنهاء وقف إطلاق النار من جانب واحد، واستئناف العمليات العسكرية الوهمية التي لا توجد سوى في مخيلة قيادتها، وبسند من إعلام جزائري منحاز"، لافتاً إلى أن المغرب مستعد دائماً للحوار، لكن على أساس وحيد هو الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية، وأنه غير معني بما يخالف ذلك.